المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

أشارت السورة إلى أمر أغضب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته ، فامتنع عن بعض ما ترغب فيه النفوس مما أحله الله له ، وحذرت زوجاته مغبة ما أقدمن عليه ، ثم انتقلت السورة إلى أمر المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم نارا وقودها الناس والحجارة ، وبينت أنه لا يقبل من الكافرين اعتذارا يوم القيامة . ودعت المؤمنين إلى التوبة النصوح ، والرسول صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الكفار والمنافقين ، والغلظة عليهم ، وختمت بضرب الأمثلة لبيان : أن صلاح الأزواج لا يرد عذاب الله عن زوجاتهم إن كن منحرفات ، وإن فساد الأزواج لا يضر الزوجات إن كن صالحات مستقيمات ، فكل نفس بما كسبت رهينة .

1- يا أيها النبي لِمَ تمنع نفسك عمَّا أحل الله لك ؟ ! تريد إرضاء زوجاتك ، والله بالغ المغفرة واسع الرحمة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم

مدنية وآياتها اثنتا عشرة

{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } وسبب نزولها ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء ويحب العسل ، وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك ، فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شربة ، فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة ، وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول : لا ، فقولي له : ما هذه الريح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح ، فإنه سيقول : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : يا رسول الله جرست نحله العرفط ، وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية ، فلما دخل على سودة ، تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب ، فرقاً منك ، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا ، قلت : فما بال هذه الريح ! قال : سقتني حفصة شربة عسل ، قالت : جرست نحلة العرفط ، فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه قال : لا حاجة لي به ، قالت : تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه ، قالت : قلت لها اسكتي " .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن محمد الصباح ، حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال : زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول " سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها الرسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير ، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : لا بأس شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له ، فنزلت : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } إلى قوله :{ إن تتوبا إلى الله } لعائشة وحفصة ، { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً } لقوله : بل شربت عسلاً " . وبهذا الإسناد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريح ، عن عطاء بإسناده وقال : قال : لا ، ولكن كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له ، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً ، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه . وقال المفسرون : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها ، فلما خرجت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت البابا مغلقاً ، فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقاً ، وحفصة تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمتك بيتي ، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي حرمة وحقاً ؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليست هي جاريتي أحلها الله لي ؟ اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية ، وقد أراحنا الله منها ، وأخبرت عائشة بما رأت ، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها ، فأنزل الله عز وجل :{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } يعني العسل ومارية { تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة التحريم [ وهي مدنية ]

{ 1-5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا }

هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، حين حرم على نفسه سريته " مارية " أو شرب العسل ، مراعاة لخاطر بعض زوجاته ، في قصة معروفة ، فأنزل الله [ تعالى ] هذه الآيات { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } أي : يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } من الطيبات ، التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك .

{ تَبْتَغِيَ } بذلك التحريم { مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله ، ورفع عنه اللوم ، ورحمه ، وصار ذلك التحريم الصادر منه ، سببًا لشرع حكم عام لجميع الأمة ، فقال تعالى حاكما حكما عاما في جميع الأيمان :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبيّ المحرّم على نفسه ما أحلّ الله له ، يبتغي بذلك مرضاه أزواجه ، لم تحرّم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك ، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك .

واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جلّ ثناؤه أحله لرسوله ، فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه ، فقال بعضهم : كان ذلك مارية مملوكته القبطية ، حرّمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طالبا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته ، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وفي حجرتها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثني ابن أبي مريم ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : ثني زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أمّ إبراهيم في بيت بعض نسائه قال : فقالت : أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟ ، فجعلها عليه حراما فقالت : يا رسول الله كيف تحرّم عليك الحلال ؟ ، فحلف لها بالله لا يصيبها ، فأنزل الله عزّ وجلّ : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ قال : زيد : فقوله أنت عليّ حرام لغو .

حدثني يعقوب ، قال : ثني ابن علية ، قال : حدثنا داود ابن أبي هند ، عن الشعبيّ ، قال : قال مسروق إن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته ، وآلى منها ، فجعل الحلال حراما ، وقال في اليمين : قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أيمانِكُمْ .

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان ، عن داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرّم ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، قال لها : أنت عليّ حرام ، ووالله لا أطؤك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهَ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ قال : كان الشعبي يقول : حرّمها عليه ، وحلف لا يقربها ، فعوتب في التحريم ، وجاءت الكفارة في اليمين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعامر الشعبيّ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته . قال الشعبيّ : حلف بيمين مع التحريم ، فعاتبه الله في التحريم ، وجعل له كفارة اليمين .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله يا أيّها النّبِيّ لِمَ تحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ لَكَ قال : إنه وَجَدَتِ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جاريته في بيتها ، فقالت : يا رسول الله أنى كان هذا الأمر ، وكنتُ أهونهنّ عليك ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسْكُتي لا تَذْكُرِي هَذَا لأَحَدٍ ، هِيَ عَليّ حَرَامٌ إنْ قَرُبْتُها بَعْدَ هَذَا أبَدا » ، فقالت : يا رسول الله وكيف تحرم عليك ما أحلّ الله لك حين تقول : هي عليّ حرام أبدا ؟ فقال : وَاللّهِ لا آتيها أبَدا ، فقال الله : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ . . . الاَية ، قد غفرت هذا لك ، وقولك والله قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أيمانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمٌ الحَكِيمُ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة ، فغشيها ، فبصُرت به حفصة ، وكان اليوم يومَ عائشة ، وكانتا متظاهرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اكْتُمي عَليّ وَلا تَذْكُرِي لِعائِشَةَ ما رأيْتِ » ، فذكرت حفصة لعائشة ، فغضبت عائشة . فلم تزل بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبدا ، فأنزل الله هذه الاَية ، وأمره أن يكفر يمينه ، ويأتي جاريته .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عامر ، في قول الله يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ في جارية أتاها ، فأطلعت عليه حفصة ، فقال : هي عليّ حرام ، فاكتمي ذلك ، ولا تخبري به أحدا فذكرت ذلك .

وقال آخرون : بل حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، فجعل الله عزّ وجلّ تحريمه إياها بمنزلة اليمين ، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ أمر الله النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحلّ الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشر مساكين أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، وليس يدخل ذلك في طلاق .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ . . . إلى قوله وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ قال : كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها ، فتحدثت عنده ، فأرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتهما في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيره شديدة ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، ودخلت حفصة فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سُئْتَنِي ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «واللّهِ لأُرْضِيَنّكِ فإنّي مُسِرّ إلَيْكِ سِرا فاحْفَظِيهِ » قالت : ما هو ؟ قال : «إنّي أُشْهِدُكِ أنّ سُرّيّتِي هَذِهِ عَليّ حَرَامٌ رِضا لكِ » ، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة ، فأسرّت إليها أن أبشري إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليه فتاته ، فلما أخبرت بسرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أظهر الله عزّ وجلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ . . . إلى قوله وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا هشام الدستوائي ، قال : كتب إليّ يحيى يحدّث عن يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جُبير ، أن ابن عباس كان يقول : في الحرام يمين تكفرها . وقال ابن عباس : لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ يعني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته ، فقال الله وجلّ ثناؤه : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ . . . إلى قوله قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ فكفر يمينه ، فصير الحرام يمينا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، قال : أنبأنا أبو عثمان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل بيت حفصة ، فإذا هي ليست ثَمّ ، فجاءته فتاته ، وألقى عليها سترا ، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، فقالت : والله لقد سئتني ، جامعتها في بيتي ، أو كما قالت قال : وحرّمها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو كما قال .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادةيا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّهُ لَكَ . . . الاَية ، قال : كان حرم فتاته القبطية أمّ ولده إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة ، وأسرّ ذلك إليها ، فأطلعت عليه عائشة ، وكانتا تظاهران على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأحلّ الله له ما حرّم على نفسه ، فأُمر أن يكفر عن يمينه ، وعوتب في ذلك ، فقال : قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ قال قتادة : وكان الحسن يقول حرّمها عليه ، فجعل الله فيها كفارة يمين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّمها يعني جاريته ، فكانت يمينا .

حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : من المرأتان ؟ قال : عائشة ، وحفصة . وكان بدء الحديث في شأن أمّ إبراهيم القبطية ، أصابها النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها ، فوجدته حفصة ، فقالت : يا نبيّ الله لقد جئت إليّ شيئا ما جئتَ إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري ، وعلى فراشي قال : «ألا تَرْضَيْنَ أنْ أُحَرّمَها فَلا أقْرَبَهَا ؟ » قالت : بلى ، فحرّمها ، وقال : «لا تَذْكُرِي ذلكَ لأَحَدٍ » ، فذكرته لعائشة ، فأظهره الله عزّ وجلّ عليه ، فأنزل الله : يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ . . . الاَيات كلها ، فبلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كفر يمينه ، وأصاب جاريته .

وقال آخرون : كان ذلك شرابا يشربه ، كان يعجبه ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ، قال : نزلت هذه الاَية في شراب يا أيّها النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو قَطن البغدادي عمرو بن الهيثم ، قال : حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن عبد الله بن شدّاد مثله .

قال : ثنا أبو قطن ، قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم ، عن ابن أبي مليكة ، قال : نزلت في شراب .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : كان الذي حرّمه النبيّ صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئا كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته ، وجائز أن يكون كان شرابا من الأشربة ، وجائز أن يكون كان غير ذلك ، غير أنه أيّ ذلك كان ، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالاً ، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلّة يمينه كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه .

فإن قائل قائل : وما برهانك على أنه صلى الله عليه وسلم كان حلف مع تحريمه ما حرم ، فقد علمت قول من قال : لم يكن من النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك غير التحريم ، وأن التحريم هو اليمين ؟ قيل : البرهان على ذلك واضح ، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته ، أو لطعام أو شراب ، هذا عليّ حرام يمين ، فإذا كان ذلك غير معقول ، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له : هو عليّ حرام . وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا ، وفسد ما خالفه ، وبعد ، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حرّم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره ، أحله له بيمين ، فيكون قوله لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ معنا : لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه ، فتحرّمه على نفسك باليمين .

وإنما قلنا : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم ذلك ، وحلف مع تحريمه ، كما :

حدثني الحسن بن قزعة ، قال : حدثنا مسلمة بن علقمة ، عن داود ابن أبي هند ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم ، فأُمِرَ في الإيلاء بكفارة ، وقيل له في التحريم لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّهُ لَكَ .

وقوله : وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره : والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم ، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك ، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم مدنية وآيها اثنتا عشرة آية .

بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك روي أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في نوبة عائشة رضي الله تعالى عنها أو حفصة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له إنا نشم منك ريح المعافير فحرم العسل فنزلت تبتغي مرضاة أزواجك تفسير ل تحرم أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه والله غفور لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله الله رحيم رحمك حيث لم يؤاخذك به وعاتبك محاماة على عصمتك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

( 66 ) سورة التحريم مدنية

وآياتها اثنتا عشرة

وهي مدنية بإجماع من أهل العلم بلا خلاف{[1]}

روي في الحديث عن زيد بن أسلم والشعبي وغيرهما ما معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أهدى المقوقس مارية القبطية اتخذها سرية{[11179]} ، فلما كان في بعض الأيام وهو يوم حفصة بنت عمر ، وقيل بل كان في يوم عائشة ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت حفصة فوجدها قد مرت إلى زيارة أبيها ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في جاريته فقال معها{[11180]} ، فجاءت حفصة فوجدتهما فأقامت خارج البيت حتى أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية وذهبت ، فدخلت حفصة غيرى متغيرة اللون فقالت : يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني ؟ أفي بيتي وعلى فراشي ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مترضياً لها : أيرضيك أن أحرمها قالت : نعم ، فقال : إني قد حرمتها . قال ابن عباس ، وقال مع ذلك والله لا أطؤها أبداً ، ثم قال لها : لا تخبري بهذا أحداً ، فمن قال إن ذلك كان في يوم عائشة ، قال استكتمها خوفاً من غضب عائشة وحسن عشرتها ، ومن قال : كان في يوم حفصة ، قال استكتمتها لنفس الأمر ، ثم إن حفصة رضي الله عنها قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة ، وأخبرتها لتسرها بالأمر ، ولم ترض إفشاءه إليها حرجاً واستكتمتها ، فأوحى الله بذلك إلى نبيه ، ونزلت الآية{[11181]} .

وروي عن عكرمة أن هذا نزل بسبب شريك التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم{[11182]} ، وذكر النقاش نحوه عن ابن عباس ، وروى عبد بن عمير عن عائشة أن هذا التحريم المذكور في الآية ، إنما هو بسبب شراب العسل الذي شربه صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش ، فتمالأت عائشة وحفصة وسودة على أن تقول له : من دنا منها ، أكلتَ مغافير ، والمغافير صمغ العرفط ، وهو حلو ثقيل الريح ، ففعلن ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ولكني شربت عسلاً » ، فقلن : جرست نحله العرفط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أشربه أبداً » وكان يكره أن توجد منه رائحة ثقيلة ، فدخل بعد ذلك على زينب ، فقالت : ألا نسقيك من ذلك العسل ؟ قال : «لا حاجة لي به » ، قالت عائشة : تقول سودة حين بلغها امتناعه والله لقد حرمتاه . قلت لها : اسكتي{[11183]} .

قال القاضي أبو محمد : والقول الأول إن الآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح ، وعليه تفقه الناس في الآية ، ومتى حرم رجل مالاً أو جارية دون أن يعتق و يشترط عتقاً أو نحو ذلك ، فليس تحريمه بشيء ، واختلف العلماء إذ حرم زوجته بأن يقول لها : أنت علي حرام ، والحلال علي حرام ، ولا يستثني زوجته ، فقال مالك رحمه الله : هي ثلاث في المدخول بها ، وينوي في غير المدخول بها فهو ما أراد من الواحدة أو الاثنين أو الثلاث ، وقال عبد الملك بن الماجشون : هي ثلاث في الوجهين ولا ينوي في شيء .

وقال أبو المصعب وغيره .

وروى ابن خويز منداد عن مالك : أنها واحدة بائنة في المدخول بها وغير المدخول بها ، وروي عن عبد العزيز بن الماجشون ، أنه كان يحملها على واحدة رجعية ، وقال غير واحد من أهل العلم : التحريم لا شيء ، وإنما عاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم فيه ودله على تحلة اليمين المبينة في المائدة لقوله : «قد حرمتها والله لا أطؤها أبداً » ، وقال مسروق : ما أبالي أحرمتها أو قصعة من ثريد . وكذلك قال الشعبي ليس التحريم بشيء ، قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام }{[11184]} [ النحل : 116 ] وقال : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم }{[11185]} [ المائدة : 87 ] ، ومحرم زوجته مسم حراماً ما جعله حلالاً ، ومحرم ما أحل الله له ، وقال أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وابن مسعود وابن عباس وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة وأبو ثور والأوزاعي والحسن وجماعة : «التحريم » يلزم فيه تكفير يمين بالله ، والتحلة إنما هي من جهة التحريم ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والله لا أطؤها » ، وقال أبو قلابة : التحريم ظهار ، وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون : هو ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد بذلك طلاقاً فهو لا شيء . وقال : هو ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد طلاقاً فهو يمين ، فدعا الله تعالى نبيه باسم النبوة الذي هو دال على شرف منزلته وعلى فضيلته التي خصه بها دون البشر ، وقرره كالمعاتب على سبب تحريمه على نفسه ما أحل الله له ، وقوله : { تبتغي } جملة في موضع الحال من الضمير الذي في { تحرم } ، و «المرضاة » مصدر كالرضى ، ثم غفر له تعالى ما عاتبه فيه ورحمه .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11179]:قال أهل اللغة في الجارية التي يتسراها مالكها لم سميت سُرية؟: نُسبت إلى السّرّ-وهو الجماع- وضُمت السين للفروق بين الحرة والأمة، فقيل للحرة التي تنكح سرا: سرية، وقيل للمملوكة التي يتسراها صاحبها: سُرية. وقيل: سُميت سُرية لأنها موضع سرور الرجل.
[11180]:أي: قضى معها وقت القيلولة.
[11181]:أخرج هذا الخبر ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج مثله ابن سعد، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، وأخرج مثله عبد بن حميد، عن قتادة، قال ابن العربي:"إن من روى أنه صلى الله عليه وسلم حرّم مارية فإنه أمثل في السند وأقرب إلى المعنى، لكنه لم يُدون في الصحيح، وروي مرسلا". ونقل ابن كثير في تفسيره هذا الحديث عن ابن جرير، عن زيد بن أسلم، وعن الهيثم بن كليب، عن عمر رضي الله عنه، ثم قال:"وهذا إسناده صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج.
[11182]:قال ابن كثير:"وهذا قول غريب"، وقال ابن العربي عن هذا أنه أضعف الأقوال، قال:"أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه، إنما حقيقة التحريم أنه يكون بعد التحليل"، هذا وأم شريك هذه اختلف في اسمها، فقيل: غُزية، وغَزية وقيل: غُزيلة، وقيل: ليلى بنت حكيم، وشهرتها: أم شريك بنت جابر الأسدية.
[11183]:أخرجه ابن سعد، وعبد بن حميد، والبخاري، وابن المنذر، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها، وأخرج مثله ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال القرطبي:"وهو أصح الأقوال"، وقال ابن كثير:"والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل كما في البخاري عند هذه الآية"، ثم ساق كلام البخاري، وذكر بعد ذلك أن مُسلما روى هذا الحديث في كتاب الطلاق. ومعنى:"جرست نحله العُرفُط": رعت نحله شجر العُرفُط الذي صمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته يا رسول الله، والجرس هو الأكل، والمغافير: بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة، فيها حلاوة، والعُرفُط: نبت له ريح كريح الخمر.
[11184]:من الآية (116) من سورة (النحل).
[11185]:من الآية (87) من سورة (المائدة).