المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

184- وفرض الله عليكم الصيام في أيام معدودة قليلة لو شاء سبحانه لأطال مدته ولكنه لم يطلها ، ولم يكلفكم في الصوم ما لا تطيقون ، فمن كان مريضاً مرضاً يضر معه الصوم ، أو كان في سفر ، فله أن يفطر ويقضي الصوم بعد برئه من المرض أو رجوعه من السفر ، أما غير المريض والمسافر ممن لا يستطيع الصوم إلا بمشقة لعذر دائم كشيخوخة ومرض لا يرجى برؤه فله الفطر حينئذٍ ، وعليه أن يطعم مسكيناً لا يجد قوت يومه ، ومن صام متطوعاً زيادة على الفرض فهو خير له ، لأن الصيام خير دائماً لمن يعلم حقائق العبادات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

قوله تعالى : { أياماً معدودات } . شهر رمضان وهي غير منسوخة ونصب { أياماً } على الظرف ، أي في أيام معدودات ، وقيل : على التفسير ، وقيل : على أنه هو خبر ما لم يسم فاعله .

قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة } . أي فأفطر فعدة .

قوله تعالى : { من أيام أخر } . أي فعليه عدة ، والعدد والعدة واحد ، من أيام أخر ، أي غير أيام مرضه وسفره ، { وأخر } في موضع خفض لكنها لا تنصرف فلذلك نصبت .

قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه } . اختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها ، فذهب أكثرهم إلى أن الآية منسوخة ، وهو قول ابن عمر ، وسلمة بن الأكوع ، وغيرهما ، وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا ، خيرهم الله تعالى لئلا يشق عليهم لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ، ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) قال قتادة : هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم ، ولكن يشق عليه ، رخص له في أن يفطر ويفدي ثم نسخ . وقال الحسن : هذا في المريض الذي به ما يقع عليه اسم المرض وهو مستطيع للصوم خير بين أن يصوم وبين أن يفطر أو يفدي ، ثم نسخ بقوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) . وثبتت الرخصة للذين لا يطيقون ، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة غير منسوخة ، ومعناه : وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب فعجزوا عنه في حال الكبر فعليهم الفدية بدل الصوم ، وقرأ ابن عباس : ( وعلى الذين يطيقونه ) بضم الياء وفتح الطاء وتخفيفها وفتح الواو وتشديدها ، أي يكلفون الصوم وتأويله على الشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم ، والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه فهم يكلفون الصوم ولا يطيقونه ، فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسكيناً ، وهو قول سعيد بن جبير ، وجعل الآية محكمة .

قوله تعالى : { فدية طعام مسكين } . قرأ أهل المدينة والشام مضافاً ، وكذلك في المائدة : ( كفارة طعام مساكين ) أضاف الفدية إلى الطعام ، وإن كان واحداً لاختلاف اللفظين ، كقوله تعالى ( وحب الحصيد ) وقولهم : مسجد الجامع ، وربيع الأول ، وقرأ الآخرون : فدية وكفارة منونة ، طعام رفع وقرأ مساكين بالجمع هنا أهل المدينة والشام ، والآخرون على التوحيد ، فمن جمع نصب النون ومن وحد خفض النون ونونها ، والفدية : الجزاء ، ويجب أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، هذا قول فقهاء الحجاز ، وقال بعض فقهاء أهل العراق : عليه لكل مسكين نصف صاع لكل يوم يفطر ، وقال بعضهم : نصف صاع من قمح أو صاع من غيره ، وقال بعض الفقهاء ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره ، وقال ابن عباس : يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره .

قوله تعالى : { فمن تطوع خيراً فهو خير له } . أي زاد على مسكين واحد فأطعم مكان كل يوم مسكينين فأكثر ، قاله مجاهد وعطاء وطاووس ، وقيل : من زاد على القدر الواجب عليه فأعطى صاعاً وعليه مد فهو خير له . قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } . فمن ذهب إلى النسخ قال : معناه الصوم خير له من الفدية ، وقيل : هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه خبر له من أن يفطر ويفدي .

قوله تعالى : { إن كنتم تعلمون } . واعلم أنه لا رخصة لمؤمن مكلف في إفطار رمضان إلا لثلاثة : أحدهم يجب عليه القضاء والكفارة ، والثاني عليه القضاء دون الكفارة ، والثالث عليه الكفارة دون القضاء . أما الذي عليه القضاء والكفارة فالحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما تفطران وتقضيان وعليهما مع القضاء الفدية ، وهذا قول ابن عمر وابن عباس ، وبه قال مجاهد وإليه ذهب الشافعي رحمه الله ، وقال قوم : لا فدية عليهما ، وبه قال الحسن وعطاء وإبراهيم النخعي والزهري وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي ، وأما الذي عليه القضاء دون الكفارة فالمريض والمسافر والحائض والنفساء . وأما الذي عليه الكفارة دون القضاء فالشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام ، أخبر أنه أيام معدودات ، أي : قليلة في غاية السهولة .

ثم سهل تسهيلا آخر . فقال : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وذلك للمشقة ، في الغالب ، رخص الله لهما ، في الفطر .

ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن ، أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض ، وانقضى السفر ، وحصلت الراحة .

وفي قوله : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ } فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان ، كاملا كان ، أو ناقصا ، وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة ، عن أيام طويلة حارة كالعكس .

وقوله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يطيقون الصيام { فِدْيَةٌ } عن كل يوم يفطرونه { طَعَامُ مِسْكِينٍ } وهذا في ابتداء فرض الصيام ، لما كانوا غير معتادين للصيام ، وكان فرضه حتما ، فيه مشقة عليهم ، درجهم الرب الحكيم ، بأسهل طريق ، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم ، وهو أفضل ، أو يطعم ، ولهذا قال : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }

ثم بعد ذلك ، جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق ، يفطر ويقضيه في أيام أخر [ وقيل : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يتكلفونه ، ويشق عليهم مشقة غير محتملة ، كالشيخ الكبير ، فدية عن كل يوم مسكين{[123]}  وهذا هو الصحيح ]{[124]} .


[123]:- ظاهر أن المراد عن كل يوم طعام مسكين.
[124]:- زيادة من هامش ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

وقوله : { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } أي : معينات بالعد أو قليلات ، لأن القليل يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافاً .

والمراد بهذه الأيام المعدودات شهر رمضان عند جمهور العلماء .

قالوا : وتقريره أنه - سبحانه - قال أولا { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام } وهذا محتمل ليوم ويومين ثم بينه بقوله : { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } فزال بعض الاحتمال ثم بينه بقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن } فعلى هذا الترتيب يمكن جعل الأيام المعدودات بعينها شهر رمضان ، وإذا أمكن ذلك فلا وجه لحمله على غيره .

وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة - أيضاً - تهوينا لأمره على المكلفين ، وإشعاراً لهم بأن الله - تعالى - ما فرض عليهم إلا ما هو في وسعهم وقدرتهم .

وقيل : إن المراد بالأيام المعدودات غير رمضان ، وذكروا أن المراد بها ثلاثة أيام من كل شهر وهي الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مضافاً إليها يوم عاشوراء . ثم نسخ ذلك بوجوب صوم شهر رمضان .

والمعتمد بين المحققين من العلماء هو القول الأول ، لأنه - كما قال الإِمام الرازي - لا وجه لحمله على غيره ، والقول بالنسخ زيادة لا دليل عليها .

وقوله : { أَيَّاماً } منصوب على الظرفية ، أو بفعل مضمر مقدر أي : صوموا أياماً . وقوله : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } زيادة بيان ليسر شريعة الإِسلام بعد أن أخبرهم - سبحانه - بأن الصوم المفروض عليهم إنما هو أيام معدودات ، وتعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال .

والمرض : الخروج عن الاعتدال الخاص بالإِنسان ، بأن يصاب بانحراف في جسده يجعله في حالة وجع أو اضطراب بدني .

قال القرطبي : وللمريض حالتان :

إحداهما : ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجباً .

الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة فهذا يستحب له الفطر . . فالفطر مباح في كل مرض إلا المرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام .

وقوله : { أَوْ على سَفَرٍ } قال الآلوسي معناه : أو راكب سفر مستعل عليه متمكن منه ، بأن استغشل به قبل الفجر ، ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر . واستدل بإطلاق السفر على أن السفر القصير وسفر المعصية مرخص للإِفطار . وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وبما يلزمه العسر غالباً وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع " .

والعدة فعله من العد ، وهي بمعنى المعدود ، كالطحن بمعنى المطحون ومنه عدة المرأة .

والمعنى : لقد فرضنا عليكم الصوم أيها المؤمنون ، وجعلناه كما هو الشأن من كل ما شرعناه متسماً باليسر لا بالعسر ، ومن مظاهر ذلك أننا فرضنا عليكم صوم أيام معدودات وهي أيام شهر رمضان ، ولم نفرض عليكم صوم الدهر . وأننا شرعنا لمن كان مريضا مرضا يضره الصوم أو يعسر معه ، أو كان على سفر يشق عليه معه الصوم ، شرعنا له أن يفطر وأن يصوم بدل الأيام التي أفطرها أياما آخر مساوية لها في العدد .

قال الإِمام الرازي : قال القفال : أنظروا إلى عجب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، إذ أنه بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم المتقدمة ، والغرض منه ما ذكرناه من أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت . ثم ثانيا بين وجه الحكمة في إيجاب الصوم وهو أنه سبب الحصول التقوى فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف ، ثم بين ثالثاً أنه مختص بأيام معدودة فإنه لو جعله أبداً أو أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة . ثم بين .

رابعاً : أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة . ثم بين خامساً : إزالة المشقة في إلزامه أباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون . فهو - سبحانه- راعي في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمة كثيراً " .

هذا ، وقد نص الفقهاء على أن الأفطار مشروع على سبيل الرخصة للمريض والمسافر ، وهما بالخيار في ذلك إن شاءا أفطر وإن شاءا صاما ، إلا أن أكثر الفقهاء قالوا : الصوم أفضل لمن قوى عليه .

والذي نراه الله - تعالى - قد أباح الفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر ، لأن كلا منهما مظنة المشقة والحرج . والحكم الشرعي يوجد حيث توجد مظنته وينتفى حيث تنتفي . وعلى المسلم أن يقدر حال نفسه ، فإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره ليس في الصوم معه مشقة أو عسر صام عملا يقول- تعالى- { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } . وإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره يجعل الصوم شاقاً عليه أفطر عملا بقوله - تعالى - : { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } فالمسألة ترجع إلى ضمير الفرد ودينه واستفتاء قلبه .

والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر وأفطر ، وخير بعض أصحابه بين الصوم والفطر . فقد روى البخاري ومسلم عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم " وفي إحدى روايتي مسلم - في شهر رمضان - ، في يوم حار ، حتى ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحه " .

وروى الإِمام مسلم في صحيحه عن قزعة قال : " أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر فقال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام ، قال : فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فكانت رخصة . فمنا من صام ومنا من أفطر . ثم نزلنا منزلا آخر فقال : إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا . وكانت عزمة فأفطرنا . ثم قال : ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من السفر " .

وروى الشيخان عن أنس بن مالك قال : كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم .

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

وهناك مسألة أخرى تعرض لها الفقهاء بالحديث وهي مسألة قضاء الأيام التي أفطرها المريض أو المسافر هل يقضيها متتابعة أو متفرقة وهل يقضيها على الفور أو على التراخي ؟

وجمهور الفقهاء على أن للمفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يقضي ما أفطره متتابعاً أو متفرقاً ؛ لأن قوله - تعالى - : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . دل على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان ، لأن اللفظ - كما قال القرطبي - مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض .

وله كذلك أن يقضي ما عليه على الفور أو على التراخي على حسب ما يتيسر له . ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : يكون علىَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا نص وزيادة بيان للآية " .

ويرى داود الظاهري أن على المفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يشرع في قضاء ما أفطره في اليوم الثاني من شوال المعاقب له ، وأن يتابع أيام القضاء .

والمعتمد بين العلماء هو قول الجمهور لقوة أدلته التي سبق بيانها .

وقوله - تعالى - : { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } بيان لحكم آخر من أحكام الشريعة فيما يتعلق بصوم رمضان يتجلى فيه تيسير الله على عبادة فيما شرع لهم من عبادات .

ومعنى { يُطِيقُونَهُ } يقدرون عليه ويتحملونه بمشقة وتعب ، لأن الطاقة اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة ، والوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة .

قال الراغب : والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإِنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، ومنه { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه : " لا تحملنا ما لا قدرة لنا به " .

والعرب لا تقول فلان أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمله بمشقة وعسر . فلا يقال - مثلا - فلان يطيق حمل نواة أو ريشة أو عشرة دراهم من حديد ، وإنما يقال : هو يطيق حمل قنطارين أو حمل الأمتعة الثقيلة .

وللعلماء أقوال في المراد بقوله - تعالى - { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } أشهرها :

1 - إن هذا راجع إلى المقيم الصحيح خيره الله - تعالى - بين الصوم وبين الفداء ، وكان ذلك في بدء الإِسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم ، فرخص لهم في الإِقطار والفدية ، ثم نسخ ذلك وأوجب الله عليهم الصوم .

ويشهد لهذا القول ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كان من أراد أن يفطر ويفتدي ، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها .

وفي رواية للإِمام مسلم من طريق آخر عن سلمة - أيضاً - قال : كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أفطر فافتدى بطعا مسكين حتى أنزلت هذه الآية { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } .

2 - ويرى بعض اللعماء أن قوله - تعالى - : { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ } إلخ ، ليس بمنسوخ بل هو محكم ، وأنه نزل في شأن الشيخ الكبير الهرم ، والمرأة العجوز ، إذا كانا لا يستطيعان الصيام فعليهما أن يفطرا وأن يطعما عن كل يوم مسكينا .

وأصحاب هذا الرأي يستدلون بما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فعليها أن يطعما مكان كل يوم مسكيناً " .

3 - وهناك رأى ثالث لبعض العلماء يرى أصحابه أن قوله - تعالى - { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ليس بمنسوخ - أيضاً - بل هو محكم ، وأن معنى الآية عندهم : وعلى الذين يطيقونه ، أي : يقدرون على الصيام بمشقة شديدة إذا أرادوا أن يفطروا أن يطعموا عن كل يوم يفطرونه مسكيناً . ( بأن يقدموا له نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، أو قيمة ذلك ) .

ولم يقصروا ذلك على الرجل الكبير والمرأة العجوز - كما فعل أصحاب الرأي الثاني - وإنما أدخلوا في حكم الذين يقدرون على الصوم بمشقة وتعب المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ومن في حكمها ممن يشق عليهم الصوم مشقة كبيرة .

وأصحاب هذا الرأي يستدلون على ما ذهبوا إليه بمنطوق الآية ، إذا أن الوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة ، والطاقة اسم للقدرة عليه مع الشدة والمشقة - كما سبق أن بينا - ، كما يستدلون - أيضاً - على ما ذهبوا إليه بقراءة { يُطِيقُونَهُ } - بضم الياء الأولى وتشديد الياء الثانية - أي يتجشمونه ، ويتكلفونه بمشقة وتعب ، وقد انتصر بعض العلماء لهذا الرأي بناء على أن منطوق الآية يؤيده .

كما انتصر بعضهم للرأي الأول بناء على أن الأحاديث الصحيحة تسانده وعلى أنه هو الأقرب إلى روح الشريعة الإِسلامية في التدرج في تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس ، كما انتصر بعضهم للرأي الثاني الذي روى عن ابن عباس .

وهناك أقوال أخرى في الآية رأينا أن نضرب عنها صفحاً لضعفها .

وقوله : { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } حض من الله - تعالى - لعباده على الإِكثار من عمل الخير .

والتطوع : السعي في أن يكون الإِنسان فاعلا للطاعة باختياره بدون إكراه والخير : مصدر خار إذا حسن وشرف ، وهو منصوب لتضمين تطوع معنى أتى ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي تطوعاً خيراً .

والمعنى : فمن تطوع خيراً بأن زاد على القدر المفروض في الفدية ، أو أطعم أكثر من مسكين ، أو جمع بين الإِطعام والصوم ، فتطوعه سيكون خيراً عند الله - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا .

وقوله : { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ترغيب في الصوم وتحبيب فيه . أي : وأن تصوموا أيها المطيقون للصوم ، أو أيها المكلفون جميعاً خير لكم من كل شيء سواه ، إن كنتم تعلمون فوائد الصوم في حياتكم ، وحسن جزائه في آخرتكم .

روى النسائي وابن خزيمة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله مرني بعمل قال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له - أي لا يعادل ثوابه بشيء - فقلت يا رسول الله مرني بعمل ، فقال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له . فقلت : يا رسول الله مرني بعمل أدخل به الجنة . فقال : عليك بالصوم فإنه لا مثل له " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

178

ثم يثني بتقرير أن الصوم أيام معدودات ، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر . ومع هذا فقد أعفي من أدائه المرضى حتى يصحوا ، والمسافرون حتى يقيموا ، تحقيقا وتيسيرا :

( أياما معدودات . فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . .

وظاهر النص في المرض والسفر يطلق ولا يحدد . فأي مرض وأي سفر يسوغ الفطر ، على أن يقضي المريض حين يصح والمسافر حين يقيم . وهذا هو الأولى في فهم هذا النص القرآني المطلق ، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحرج ومنع الضرر . فليست شدة المرض ولا مشقة السفر هي التي يتعلق بها الحكم إنما هي المرض والسفر إطلاقا ، لإرادة اليسر بالناس لا العسر . ونحن لا ندري حكمة الله كلها في تعليقه بمطلق المرض ومطلق السفر ؛ فقد تكون هناك اعتبارات أخرى يعلمها الله ويجهلها البشر في المرض والسفر ؛ وقد تكون هناك مشقات أخرى لا تظهر للحظتها ، أو لا تظهر للتقدير البشري . . وما دام الله لم يكشف عن علة الحكم فنحن لا نتأولها ؛ ولكن نطيع النصوص ولو خفيت علينا حكمتها . فوراءها قطعا حكمة . وليس من الضروري أن نكون نحن ندركها .

يبقى أن القول بهذا يخشى أن يحمل المترخصين على شدة الترخص ، وأن تهمل العبادات المفروضة لأدنى سبب . مما جعل الفقهاء يتشددون ويشترطون . ولكن هذا - في اعتقادي - لا يبرر التقييد فيما أطلقه النص . فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات ، إنما يقودهم بالتقوى . وغاية هذه العبادة خاصة هي التقوى . والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء ، لأن الغاية الأولى من أداء الفريضة لا تتحقق . وهذا الدين دين الله لا دين الناس . والله أعلم بتكامل هذا الدين ، بين مواضع الترخص ومواضع التشدد ؛ وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها . بل لا بد أن يكون الأمر كذلك . ومن ثم أمر رسول الله [ ص ] أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخصها لهم . وإذا حدث أن فسد الناس في جيل من الأجيال فإن إصلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام ؛ ولكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم واستحياء شعور التقوى في أرواحهم . وإذا صح التشدد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج رادع ، وسد للذرائع ، فإن الأمر في الشعائر التعبدية يختلف ، إذ هي حساب بين العبد والرب ، لا تتعلق به مصالح العباد تعلقا مباشرا كأحكام المعاملات التي يراعى فيها الظاهر . والظاهر في العبادات لا يجدي ما لم يقم على تقوى القلوب . وإذا وجدت التقوى لم يتفلت متفلت ، ولم يستخدم الرخصة إلا حيث يرتضيها قلبه ، ويراها هي الأولى ، ويحس أن طاعة الله في أن يأخذ بها في الحالة التي يواجهها . أما تشديد الأحكام جملة في العبادات أو الميل إلى التضييق من إطلاق الرخص التي أطلقتها النصوص ، فقد ينشيء حرجا لبعض المتحرجين . في الوقت الذي لا يجدي كثيرا في تقويم المتفلتين . . والأولى على كل حال أن نأخذ الأمور بالصورة التي أرادها الله في هذا الدين . فهو أحكم منا وأعلم بما وراء رخصه وعزائمه من مصالح قريبة وبعيدة . . وهذا هو جماع القول في هذا المجال .

بقي أن نثبت هنا بعض ما روي من السنة في حالات متعددة من حالات السفر ، في بعضها كان التوجيه إلى الفطر وفي بعضها لم يقع نهي عن الصيام . . وهي بمجموعها تساعد على تصور ما كان عليه السلف الصالح من إدراك للأمر ، قبل أن تأخذ الأحكام شكل التقعيد الفقهي على أيدي الفقهاء المتأخرين . وصورة سلوك أولئك السلف - رضوان الله عليهم - املأ بالحيوية ، وألصق بروح هذا الدين وطبيعته ، من البحوث الفقهية ؛ ومن شأن الحياة معها وفي جوها أن تنشيء في القلب مذاقا حيا لهذه العقيدة وخصائصها :

1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله [ ص ] عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ " كراع الغميم " فصام الناس . ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ، ثم شرب . فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ، فقال : " أولئك العصاة . أولئك العصاة " . . [ أخرجه مسلم والترمذي ] .

2 - وعن أنس رضي الله عنه - قال : كنا مع النبي [ ص ] في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر . فنزلنا منزلا في يوم حار ، أكثرنا ظلا صاحب الكساء ، ومنا من يتقي الشمس بيده . فسقط الصوام وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الركاب ، فقال النبي [ ص ] " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " . . [ أخرجه الشيخان والنسائي ] .

3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : كان النبي [ ص ] في سفر ، فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس ، وقد ظلل عليه . فقال : ما له ؟ فقالوا : رجل صائم . فقال رسول الله [ ص ] : " ليس من البر الصوم في السفر " . . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي ] .

4 - وعن عمرو بن أمية الضمري - رضي الله عنه - قال : قدمت على رسول الله [ ص ] من سفر . فقال : انتظر الغداء يا أبا أمية . قلت : يا رسول الله إني صائم . قال : " إذا أخبرك عن المسافر . إنالله تعالى وضع عنه الصيام ونصف الصلاة " . [ أخرجه النسائي ] . .

5 - وعن رجل من بني عبد الله بن كعب بن مالك اسمه أنس بن مالك . قال : قال رسول الله [ ص ] " إن الله تعالى وضع شطر الصلاة عن المسافر وأرخص له في الإفطار وأرخص فيه للمرضع والحبلى إذا خافتا على ولديهما " . [ أخرجه أصحاب السنن ] .

6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سأل حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - رسول الله [ ص ] عن الصوم في السفر . [ وكان كثير الصيام ] فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي ] وفي رواية أخرى وكان جلدا على الصوم .

7 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كنا مع النبي [ ص ] فمنا الصائم ومنا المفطر . فلا الصائم يعيب على المفطر ، ولا المفطر يعيب على الصائم " . . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود ] .

8 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله [ ص ] في رمضان في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ؛ وما فينا صائم إلا رسول الله [ ص ] وابن رواحة رضي الله عنه . . [ أخرجه الشيخان وأبو داود ] .

9 - وعن محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك - رضي الله عنه - في رمضان وهو يريد سفرا . وقد رحلت له راحلته ، ولبس ثياب سفره ، فدعا بطعام فأكل . فقلت له : سنة ؟ قال : نعم . ثم ركب . . [ أخرجه الترمذي ] .

10 - وعن عبيد بن جبير قال : كنت مع أبي بصرة الغفاري - صاحب رسول الله [ ص ] - رضي الله عنه في سفينة من الفسطاط في رمضان . فدفع فقرب غداؤه ، فقال : اقترب . قلت : ألست ترى البيوت ؟ قال : أترغب عن سنة رسول الله [ ص ] ؟ فأكل وأكلت . . [ أخرجه أبو داود ]

11 - وعن منصور الكلبي : أن دحية بن خليفة - رضي الله عنه - خرج من قرية من دمشق إلى قدر قرية عقبة من الفساط ، وذلك ثلاثة أميال ، في رمضان . فأفطر وأفطر معه ناس كثير . وكره آخرون أن يفطروا . فلما رجع إلى قريته قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه . إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله [ ص ] وأصحابه . اللهم أقبضني إليك . . [ أخرجه أبو داود ] . .

فهذه الأحاديث في جملتها تشير إلى تقبل رخصة الإفطار في السفر في سماحة ويسر . وترجح الأخذ بها . ولا تشترط وقوع المشقة للأخذ بها كما يشير إلى ذلك الحديثان الأخيران بوجه خاص ، وإذا كان الحديث الثامن منها يشير إلى أن رسول الله [ ص ] وحده ظل مرة صائما مع المشقة هو وعبد الله بن رواحة ، فقد كانت له [ ص ] خصوصيات في العبادة يعفي منها أصحابه . كنهيه لهم عن مواصلة الصوم وهو كان يواصل أحيانا . أي يصل اليوم باليوم بلا فطر . فلما قالوا له في هذا ، قال : " إني لست مثلكم ، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني " . . [ أخرجه الشيخان ] وثابت من الحديث الأول أنه أفطر وقال عن الذين لم يفطروا : أولئك العصاة . أولئك العصاة . وهذا الحديث متأخر - في سنة الفتح - فهو أحدث من الأحاديث الأخرى . وأكثر دلالة على الاتجاه المختار . .

والصورة التي تنشأ في الحس من مجموع هذه الحالات . . إنه كانت هناك مراعاة لحالات واقعية ، تقتضي توجيها معينا - كما هو الشأن في الأحاديث التي تروى في الموضوع العام الواحد ، ونجد فيها توجيهات متنوعة -

فالرسول [ ص ] كان يربي وكان يواجه حالات حية . ولم يكن يواجهها بقوالب جامدة !

ولكن الانطباع الأخير في الحس في أمر الصوم في السفر هو استحباب الفطر ، دون تقيد بحصول المشقة بالفعل . . أما المرض فلم أجد فيه شيئا إلا أقوال الفقهاء ، والظاهر أنه مطلق في كل ما يثبت له وصف المرض ، بلا تحديد في نوعه وقدره ولا خوف شدته ، على وجوب القضاء يوما بيوم في المرض والسفر ، من غير موالاة في أيام القضاء على الرأي الأرجح .

وقد استطردت هذا الاستطراد لا لأخوض في خلافات فقهية ؛ ولكن لتقرير قاعدة في النظر إلى الشعائر التعبدية ، وارتباطها الوثيق بإنشاء حالة شعورية هي الغاية المقدمة منها . وهذه الحالة هي التي تحكم سلوك المتعبد ؛ وعليها الاعتماد الأول في تربية ضميره ، وحسن أدائه للعبادة وحسن سلوكه في الحياة . . هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى أن نأخذ هذا الدين - كما أراده الله - بتكاليفه كلها ، طاعة وتقوى وأن نأخذه جملة بعزائمه ورخصه ، متكاملا متناسقا ، في طمأنينة إلى الله ، ويقين بحكمته ، وشعور بتقواه .

ثم نعود إلى استكمال السياق :

( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، فمن تطوع خيرا فهو خير له ، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) . .

وفي أول الأمر كان تكليف الصوم شاقا على المسلمين - وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة قبيل فرض الجهاد - فجعل الله فيه رخصة لمن يستطيع الصوم بجهد - وهو مدلول يطيقونه - فالإطاقة الاحتمال بأقصى جهد - جعل الله هذه الرخصة ، وهي الفطر مع إطعام مسكين . . ثم حببهم في التطوع بإطعام المساكين إطلاقا ، إما تطوعا بغير الفدية ، وإما بالإكثار عن حد الفدية ، كأن يطعم اثنين أو ثلاثة أو أكثر بكل يوم من أيام الفطر في رمضان : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) . . ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة - في غير سفر ولا مرض - : ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) . . لما في الصوم من خير في هذه الحالة . يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة ، وتقوية الاحتمال ، وإيثار عبادة الله على الراحة . وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية . كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية - لغير المريض - حتى ولو أحس الصائم بالجهد .

وعلى أية حال فقد كان هذا التوجيه تمهيدا لرفع هذه الرخصة عن الصحيح المقيم وإيجاب الصيام إطلاقا . كما جاء فيما بعد . وقد بقيت للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ، ولا ترجى له حالة يكون فيها قادرا على القضاء . . فأخرج الإمام مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي . . وقال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . . وعن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل ، فقال : قال ابن عباس نزلت هذه الآية فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر . فالنسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بالآية الآتية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

ثم بين حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فقال : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أي : المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر ؛ لما في ذلك من المشقة عليهما ، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر . وأما الصحيح المقيم الذي يُطيق الصيام ، فقد كان مخيَّرًا بين الصيام وبين الإطعام ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأطعم عن كل يوم مسكينا ، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم ، فهو خير ، وإن صام فهو أفضل من الإطعام ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم من السلف ؛ ولهذا قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المسعودي ، حدثنا عمرو بن مُرّة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ؛ فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، وهو يصلي{[9]} سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، ثم إن الله عز وجل أنزل عليه : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [ البقرة : 144 ] فوجهَهُ اللهُ إلى مكة . هذا حول .

قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويُؤْذِنُ بها بعضهم بعضا حتى نَقَسُوا أو كادوا يَنْقُسُون . ثم إنّ رجلا من الأنصار ، يقال له : عبد الله بن زيد ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فيما يرى النائم - ولو قلتُ : إني لم أكن نائمًا لصدقتُ - أني {[10]}بينا أنا بين النائم واليقظان إذْ رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران ، فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله - مثنى حتى فرغ من الأذان ، ثم أمهل ساعة ، ثم قال مثل الذي قال ، غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة - مرتين - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علمها بلالا فَلْيؤذن بها " . فكان بلال أول من أذن بها . قال : وجاء عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، [ إنه ]{[11]} قد طاف بي مثل الذي طاف به ، غير أنه سبقني ، فهذان حالان{[12]} .

قال : وكانوا يأتون الصلاة - قد سبقهم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ببعضها ، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذًا كم صلى ، فيقول : واحدة أو اثنتين ، فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم . قال : فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدًا إلا كنتُ عليها ، ثم قضيتُ ما سبقني . قال : فجاء وقد سَبَقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها ، قال : فثَبَتَ معه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه قَد سن لكم مُعَاذ ، فهكذا فاصنعوا " . فهذه ثلاثة أحوال{[13]} .

وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فجعل يصومُ من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } إلى قوله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فكان مَنْ شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينًا ، فأجزأ ذلك عنه . ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } إلى قوله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } فأثبت اللهُ صيامَه على المقيم الصحيح{[14]} ورخَّصَ فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعامُ للكبير{[15]} الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حالان{[16]} .

قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له : صرمة ، كان يعمل صائمًا حتى أمسى ، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب ، حتى أصبح فأصبح صائما ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدًا شديدًا ، فقال : ما لي أراك قد جَهِدْت جهدًا شديدا ؟ قال : يا رسول الله ، إني عملت أمس فجئتُ حين جئتُ فألقيتُ نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائمًا . قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله عز وجل : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى قوله : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }

وأخرجه أبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث المسعودي ، به{[17]} .

وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : كان عاشوراء يصام ، فلما نزل فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر{[18]} . وروى البخاري عن ابن عمر وابن مسعود ، مثله{[19]} .

وقوله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كما قال معاذ : كان{[20]} في ابتداء الأمر : من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا . وهكذا روى البخاري عن سَلَمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كان من أراد أن يُفْطر يفتدي ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها{[21]} .

وروي أيضًا من حديث عبيد الله{[22]} عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : هي منسوخة .

وقال السدي ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الآية : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } قال : يقول : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يتجشمونه ، قال عبد الله : فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا { فَمَنْ تَطَوَّعَ } قال : يقول : أطعم مسكينا آخر { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } فكانوا كذلك حتى نسختها : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

وقال البخاري أيضًا : حدثنا إسحاق ، أخبرنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا عَمْرو بن دينار ، عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ : " وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين " . قال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا{[23]} .

وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ قال ]{[24]} نزلت هذه الآية : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينًا .

وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا الحسين بن محمد بن بِهْرام المحرمي ، حدثنا وهب بن بَقِيَّة ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت على عطاء في رمضان ، وهو يأكل ، فقال : قال ابن عباس : نزلت هذه الآية : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا ، ثم نزلت هذه الآية فنسخت الأولى ، إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينًا وأفطر . فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه ، بقوله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وأما الشيخ الفاني [ الهرم ] {[25]}الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه ، لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء ، ولكن هل يجب عليه [ إذا أفطر ]{[26]} أن يطعم عن{[27]} كل يوم مسكينًا إذا كان ذا جِدة ؟ فيه قولان للعلماء ، أحدهما : لا يجب عليه إطعام ؛ لأنه ضعيف عنه لسنّه ، فلم يجب عليه فدية كالصبي ؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها ، وهو أحد قولي الشافعي . والثاني - وهو الصحيح ، وعليه أكثر العلماء - : أنه يجب عليه فدية عن كل يوم ، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يتجشمونه ، كما قاله ابن مسعود وغيره ، وهو اختيار البخاري فإنه قال : وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام ، فقد أطعم أنس - بعد أن{[28]} كبر عامًا أو عامين - كل يوم مسكينًا خبزًا ولحما ، وأفطر{[29]} .

وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده ، فقال : حدثنا عُبَيد الله بن مُعَاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا عمران ، عن أيوب بن أبي تميمة{[30]} قال : ضعف أنس [ بن مالك ]{[31]} عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثيِن مسكينًا فأطعمهم{[32]} .

ورواه عبد بن حميد ، عن روح بن عبادة ، عن عمران - وهو ابن حُدَير{[33]} - عن أيوب ، به .

ورواه عبد أيضًا ، من حديث ستة من أصحاب أنس ، عن أنس - بمعناه .

ومما يلتحق بهذا المعنى : الحامل والمرضع ، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، ففيهما خلاف كثير بين العلماء ، فمنهم من قال : يفطران ويفديان ويقضيان . وقيل : يفديان فقط ، ولا قضاء . وقيل : يجب القضاء بلا فدية . وقيل : يفطران ، ولا فدية ولا قضاء . وقد بسطنا هذه المسألة مستقصاة في كتاب الصيام الذي أفردناه{[34]} . ولله الحمد والمنة .


[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[20]:في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
[21]:في ت، ف، أ: "عن".
[22]:في ت: "قال: فأصاب".
[23]:في أ: "وسباق".
[24]:صحيح البخاري برقم (4727).
[25]:في أ: "فقال وقال".
[26]:في ت: "هل على الأرض"، وفي ف: "هل في الناس".
[27]:في ت: "فبينما".
[28]:في ف، أ: "يريان".
[29]:في و: "طريق أخرى: قال عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا".
[30]:زيادة من ف، أ، والبخاري.
[31]:في ف، أ: "قال لى".
[32]:في ت: "كبده".
[33]:في أ: "أما يكفيك"، وفي ت: "ألا تكفيك.
[34]:في ف: "أما يكفيك أن التوراة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

{ أياما معدودات } مؤقتات بعدد معلوم ، أو قلائل . فإن القليل من المال يعد عدا والكثير يهال هيلا ، ونصبها ليس بالصيام لوقوع الفصل بينهما ، بل بإضمار صوموا لدلالة الصيام عليه ، والمراد به رمضان أو ما وجب صومه قبل وجوبه ونسخ به ، وهو عاشوراء أو ثلاثة أيام من كل شهر ، أو ب " كما كتب " على الظرفية ، أو على أنه مفعول ثان ل{ كتب عليكم } على السعة . وقيل معناه صومكم كصومهم في عدد الأيام ، لما روي : أن رمضان كتب على النصارى ، فوقع في برد أو حر شديد فحولوه إلى الربيع وزادوا عليه عشرين كفارة لتحويله . وقيل زادوا ذلك لموتان أصابهم . { فمن كان منكم مريضا } مرضا يضره الصوم أو يعسر معه . { أو على سفر } أو راكب سفر ، وفيه إيماء إلى أن من سافر أثناء اليوم لم يفطر . { فعدة من أيام أخر } أي فعليه صوم عدد أيام المرض ، أو السفر من أيام أخر إن أفطر ، فحذف الشرط والمضاف والمضاف إليه للعلم بها . وقرئ بالنصب أي فليصم عدة ، وهذا على سبيل الرخصة . وقيل على الوجوب وإليه ذهب الظاهرية وبه قال أبو هريرة رضي الله عنه { وعلى الذين يطيقونه } وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا . { فدية طعام مسكين } نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند فقهاء العراق ، ومد عند فقهاء الحجاز . رخص لهم في ذلك أول الأمر لما أمروا بالصوم فاشتد عليهم لأنهم لم يتعودوه ، ثم نسخ . وقرأ نافع وابن عامر برواية ابن ذكوان بإضافة الفدية إلى الطعام وجمع " المساكين " . وقرأ ابن عامر برواية هشام " مساكين " بغير إضافة الفدية إلى الطعام ، والباقون بغير إضافة وتوحيد مسكين ، وقرئ " يطوقونه " أي يكلفونه ويقلدونه في الطوق بمعنى الطاقة أو القلادة ويتطوقونه أي يتكلفونه ، أو يتقلدونه ويطوقونه بالإدغام ، و " يطيقونه " و " يطيقونه " على أن أصلهما يطيقونه من فيعل وتفيعل بمعنى يطوقونه ويتطوقونه ، وعلى هذه القراءات يحتمل معنى ثانيا وه والرخصة لمن يتعبه الصوم ويجهده وهم الشيوخ والعجائز- في الإفطار والفدية ، فيكون ثابتا وقد أول به القراءة المشهورة ، أي يصومونه جهدهم وطاقتهم . { فمن تطوع خيرا } فزاد في الفدية . { فهو } فالتطوع أو الخير . { خير له وأن تصوموا } أيها المطيقون ، أو المطوقون وجهدتم طاقتكم . أو المرخصون في الإفطار ليندرج تحته المريض والمسافر . { خير لكم } من الفدية أو تطوع الخير أو منهما ومن التأخير للقضاء . { إن كنتم تعلمون } ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمة ، وجوابه محذوف دل عليه ما قبله أي اخترتموه . وقيل معناه إن كنتم من أهل العلم والتدبر علمتم أن الصوم خير لكم من ذلك .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وكان ذلك على الذين من قبلنا {أياما معدودات}: وهي دون الأربعين، فإذا كانت فوق الأربعين فلا يقال لهم: {معدودات}.

{فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية}: أي ومن كان يطيق الصوم، وليس بمريض ولا مسافر، فإن شاء صام، وإن شاء أفطر، وعليه فدية {طعام مسكين}: لكل مسكين نصف صاع حنطة.

{فمن تطوع خيرا}: فزاد على مسكين فأطعم مسكينين أو ثلاثة مكان كل يوم.

{فهو خير له}: من أن يطعم مسكينا واحدا.

{وأن تصوموا خير}: ولأن تصوموا خير {لكم} من الطعام.

{إن كنتم تعلمون}: وكان المؤمنون قبل رمضان يصومون عاشوراء ولا يصومون غيره، ثم أنزل الله عز وجل صوم رمضان بعد، فنسخ الطعام، وثبت الصوم، إلا على من لا يطيق الصوم، فليفطر وليطعم مكان كل يوم مسكينا نصف صاع حنطة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"كتب عليكم "أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات. ونصب «أياما» بمضمر من الفعل، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات.

{كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: من الصيام، كأنه قيل: كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات.

ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله: {أيّاما مَعْدُودَاتٍ} فقال بعضهم: الأيام المعدودات: صوم ثلاثة أيام من كل شهر... وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان. ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان، فأنزل الله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكم الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} حتى بلغ: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ}.

وقال آخرون: بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوّعا صومهن، وإنما عنى الله جل وعز بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ... أيّاما مَعْدُوداتٍ} أيام شهر رمضان، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان.

وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله: {أيّاما مَعْدُودَاتٍ}: أيام شهر رمضان، وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبانته، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرآنُ} فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك، سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر. وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا، فتأويل الآية: كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات، هي شهر رمضان.

وجائز أيضا أن يكون معناه: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ": كتب عليكم شهر رمضان.

وأما "المعدودات ": فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها، ويعني بقوله "معدودات: "محصيات.

{فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أوْ على سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ، وعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين.}: من كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر "فعدة من أيام أخر": فعليه صوم عدّة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره.

{وعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين" فإن قراءة كافة المسلمين:"وعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ "وعلى ذلك خطوط مصاحفهم، وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عباس يقرأها فيما رُوِي عنه: «وعلى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ».

ثم اختلف قرّاء ذلك:"وعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ "في معناه، فقال بعضهم: كان ذلك في أوّل ما فرض الصوم، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء، وإن شاء أفطره وافتدى، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتى نسخ ذلك.

وقال آخرون: بل كان قوله: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين} حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا، ثم نسخ ذلك بقوله: {فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله... وللحبلى والمرضع إذا خافتا.

وقال آخرون ممن قرأ ذلك: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ} لم ينسخ ذلك ولا شيء منه، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة. وقالوا: إنما تأويل ذلك: على الذين يطيقونه في حال شبابهم وحداثتهم، وفي حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا...

وقرأ ذلك آخرون: {وَعلى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين} وقالوا: إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا. وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ، وأنكروا قول من قال إنها منسوخة.

وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين} منسوخ بقول الله تعالى ذكره: "فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" لأن الهاء التي في قوله: وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ من ذكر الصيام. ومعناه: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين، كان معلوما أن الآية منسوخة. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت: {فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فألزموا فرض صومه، وبطل الخيار والفدية.

فإن قال قائل: وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه، وقد علمت قول من قال: الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الإفطار، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما، مع الخبر الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:

حدثنا به هناد بن السري، قال: حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال: «تَعالَ أُحدّثْكَ، إن اللّهَ وَضَعَ عَنِ المُسافِرِ وَالحامِلِ وَالمُرْضِعِ الصّوْمَ وَشَطْرَ الصّلاة».

قيل: إنا لم نّدع إجماعا في الحامل والمرضع، وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهنّ غير معنيات بقوله: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ} وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لأنهنّ لو كنّ معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل: وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين لأن ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال فلما قيل: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ} كان معلوما أن المعنيّ به الرجال دون النساء، أو الرجال والنساء. فلما صحّ بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الإفطار والافتداء، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه، والتنزيل بغير ذلك.

وأما الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان صحيحا، فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا، كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه، لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء، ولو كان في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ وَضَعَ عَنِ المُسافِرِ وَالمُرْضِعِ وَالحامِلِ الصّوْمَ» دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين،} لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع، وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام.

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: {وَعلى الّذِينَ يُطِيقُونَه} وعلى الذين يطيقون الطعام، وذلك لتأويل أهل العلم مخالف.

وأما قراءة من قرأ ذلك: «وَعلى الّذِينَ يُطَوّقُونَه» فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلاً ظاهرا قاطعا للعذر، لأن ما جاءت به الحجة من الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله، ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة.

وأما معنى «الفدية» فإنه الجزاء من قولك: فديت هذا بهذا: أي جزيته به، وأعطيته بدلاً منه.

ومعنى الكلام: وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه.

"فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين": فإن القرّاء مختلفة في قراءته، فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلى الطعام، وخفض الطعام وذلك قراءة معظم قرّاء أهل المدينة بمعنى: وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين، فلما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلى الطعام، كما يقال: لزمني غرامة درهم لك بمعنى لزمني أن أغرم لك درهما، وآخرون يقرؤونه بتنوين الفدية ورفع الطعام بمعنى الإبانة في الطعام عن معنى الفدية الواجبة على من أفطر في صومه الواجب، كما يقال لزمني غرامةُ درهمٍ لك، فتبين بالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدّها، وذلك قراءة عُظْم قرّاء أهل العراق.

وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: «فِديةُ طعَام» بإضافة الفدية إلى الطعامِ، لأن الفدية اسم للفعل، وهي غير الطعام المفدى به الصوم. وذلك أن الفدية مصدر من قول القائل: فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين، أفديه فدية، كما يقال: جلست جلسة، ومشيت مشية، والفدية فعل والطعام غيرها. فإذا كان ذلك كذلك، فبَيّنٌ أن أصحّ القراءتين إضافة الفدية إلى الطعام، وواضح خطأ قول من قال: إن ترك إضافة الفدية إلى الطعام أصحّ في المعنى من أجل أن الطعام عنده هو الفدية. فيقال لقائل ذلك: قد علمنا أن الفدية مقتضية مفديّا ومفديّا به وفدية، فإن كان الطعام هو الفدية والصوم هو المفدى به، فأين اسم فعل المفتدى الذي هو فدية؟ إن هذا القول خطأ بين غير مشكل.

وأما الطعام فإنه مضاف إلى المسكين والقراء في قراءة ذلك مختلفون، فقرأه بعضهم بتوحيد المسكين بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره... عن أبي عمرو: أنه قرأ «فديةٌ» رفع منون «طعامُ» رفع بغير تنوين «مسكين». وقال: عن كل يوم مسكين. وعلى ذلك عُظْم قرّاء أهل العراق. وقرأه آخرون بجمع المساكين: «فِدْيَةٌ طَعامُ مَساكِين» بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر إذا أفطر الشهر كله.

وأعجب القراءتين إليّ في ذلك قراءة من قرأ "طعامُ مِسكين" على الواحد بمعنى: وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا وصولاً إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر، وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر، وأن كل واحد يترجم عن الجميع وأن الجميع لا يترجم به عن الواحد، فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد.

واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا، فقال بعضهم: كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح.

وقال بعضهم: كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم مدّا من قمح ومن سائر أقواتهم.

وقال بعضهم: كان ذلك نصف صاع من قمح أو صاعا من تمر أو زبيب.

وقال بعضهم: ما كان المفطر يتقوّته يومه الذي أفطره.

وقال بعضهم: كان ذلك سحورا وعشاء يكون للمسكين إفطارا.

{فَمِنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.}: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم:... عن ابن عباس: {فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا} فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له. {وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.}

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوّع خيرا فصام مع الفدية.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوّع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله: "فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا" فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض، فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوّع الخير وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوّع الخير.

وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله: {فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا} أيُّ هذه المعاني تطوّع به المفتدي من صومه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لأن كل ذلك من تطوّع الخير ونوافل الفضل.

{وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.}: وأنْ تَصُومُوا ما كتب عليكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا.

{إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: إن كنتم تعلمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية أو الصوم على ما أمركم الله به.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والسفر سفر الطاعة كالحج والجهاد بإجماع، ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري. وأما سفر التجارة والمباحات فمختلف فيه بالمنع والجواز، والقول بالجواز أرجح، وأما سفر المعاصي فمختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فالمراد منه أن فرض الصوم في الأيام المعدودات إنما يلزم الأصحاء المقيمين فأما من كان مريضا أو مسافرا فله تأخير الصوم عن هذه الأيام إلى أيام أخر

قال القفال رحمه الله: انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف، وأنه تعالى بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمة المتقدمة والغرض منه ما ذكرنا أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت، ثم ثانيا بين وجه الحكمة في إيجاب الصوم، وهو أنه سبب لحصول التقوى، فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف،

ثم ثالثا: بين أنه مختص بأيام معدودة، فإنه لو جعله أبدا أو في أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة. ثم بين رابعا: أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة. ثم بين خامسا: إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون، فهو سبحانه راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمه كثيرا...

أما قوله: {إن كنتم تعلمون} أي أن الصوم عليكم فاعلموا صدق قولنا وأن تصوموا خير لكم.

الثاني: أن آخر الآية متعلق بأولها والتقدير كتب عليكم الصيام وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون أي أنكم إذا تدبرتم علمتم ما في الصوم من المعاني المورثة للتقوى وغيرها مما ذكرناه في صدر هذه الآية.

الثالث: أن العالم بالله لا بد وأن يكون في قلبه خشية الله على ما قال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فذكر العلم والمراد الخشية، وصاحب الخشية يراعي الاحتياط، والاحتياط في فعل الصوم، فكأنه قيل: إن كنتم تعلمون الله حتى تخشونه كان الصوم خيرا لكم.

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

يقال: إن فريضة رمضان نزلت في السنة الثانية من الهجرة وذلك قبل غزوة بدر بشهر وأيام،... وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة...

تفسير ابن عرفة 803 هـ :

قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً...} [عن] ابن عطية: قال قوم: متى صدق على المكلف أنه مريض صحّ له الفطر، وقاله ابن سيرين فيمن وجعته أصبعه، فأفطر، وحكاه عنه ابن رشد في مقدماته.

والمراد عند الجمهور] المرض الذي يشق معه الصوم. قال ابن عرفة: سبب الخلاف ما يحكيه المازري وابن بشير من الاختلاف في الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها، فظاهر الآية عندي حجة للجمهور لقول الله {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} ولم يقل: فمن مرض، فظاهره أنه لا يفطر بمطلق المرض بل مرض محقق ثابت يصدق أن يقال في صاحبه كان مريضا لأن « كان» تقتضي الدوام...

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184]. يقتضي الحضَّ على الصوْمِ، أي: فاعلموا ذلك وصوموا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ساق سبحانه وتعالى الإفطار عند الإطاقة والفدية واجبها ومندوبها مساق الغيبة وترك ذكر الفطر وإن دل السياق عليه إشارة إلى خساسته تنفيراً عنه، جعل أهل الصوم محل حضرة الخطاب إيذاناً بما له من الشرف على ذلك كله ترغيباً فيه وحضاً عليه فقال: {وأن تصوموا} أيها المطيقون {خير لكم} من الفدية وإن زادت.

قال الحرالي: ففيه إشعار بأن الصائم يناله من الخير في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة، كما أشار إليه الحديث القدسي:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" وذلك لأنه لما كانت الأعمال أفعالاً وإنفاقاً وسيراً وأحوالاً مما شأن العبد أن يعمله لنفسه ولأهله في دنياه وكان من شأنه كانت له، ولما كان الصوم ليس من شأنه لم يكن له، فالصلاة مثلاً أفعال وأقوال وذلك من شأن المرء والزكاة إنفاق وذلك من شأنه، والحج ضرب في الأرض وذلك من شأنه وليس من شأنه أن لا يأكل ولا يشرب ولا ينكح ولا ينتصف ممن يعتدى عليه فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، فليس جملة مقاصد الصوم من شأنه وحقيقته إذبال جسمه وإضعاف نفسه وإماتته، ولذلك كان الصوم كفارة للقتل خطأ لينال بالصوم من قتل نفسه بوجه ما ما جرى على يده خطأ من القتل، فكان في الصوم تنقص ذات الصائم فلذلك قال تعالى: "فإنه لي "حين لم يكن من جنس عمل الآدمي، قال سبحانه وتعالى: "وأنا أجزي به" ففي إشارته أن جزاءه من غيب الله مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كل ذلك في مضمون قوله {إن كنتم تعلمون}

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{أَوْ على سَفَرٍ} مستمرّين عليه، وفيه تلويحٌ ورمزٌ إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يُفطر...

{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي ما في صومِكم مع تحقّق المبيحِ للإفطار من الفضيلة، والجوابُ محذوفٌ ثقةً بظهوره أي اخترتموه أو سارعتم إليه، وقيل: معناه إن كنتم من أهلِ العلمِ والتدبُّر علمتم أن الصومَ خيرٌ من ذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة -في غير سفر ولا مرض -: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).. لما في الصوم من خير في هذه الحالة. يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة، وتقوية الاحتمال، وإيثار عبادة الله على الراحة. وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية. كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية- لغير المريض -حتى ولو أحس الصائم بالجهد...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

والإطاقة كما قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: الطاقة: اسم لمقدار ما يمكن الإنسان أن يفعله بمشقة..، فقوله تعالى: {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به... 286} [البقرة]؛ معناه: ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا...

{فمن تطوع} الفاء هنا للإفصاح، أي إذا كان كتب عليكم الصوم ويسر الله تعالى عليكم بالرخص التي رخص بها فمن تطوع خيرا، أي فمن قصد الطاعة، وتكلفها قاصدا الخير فهو خير يدخره له يوم القيامة، فالتطوع هنا ليس النافلة كما قال الفقهاء فإن ذلك اصطلاح فقهي لا تخضع له عبارات القرآن في دلالاتها، بل تخضع للغة، والآثار النبوية فقط، والتطوع هنا هو المبالغة في الطاعة قاصدا أو طالبا خيرا، فهو خير له...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

"وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تعْلَمُونَ": الظاهر منها بقرينة السياق هو أنها خطاب للذين يجهدهم القضاء، فتباح لهم الفدية، لإعلامهم بأنَّ الفدية، وإن كانت جائزة، إلاَّ أنَّ الصوم خيرٌ لهم إن كانوا يعلمون لما فيه من النتائج الروحية والعملية. وهناك احتمال بأنَّ الفقرة واردة في الحديث عن الصوم، بأنه خير للنّاس في ذاته بحسب فلسفة الصوم في تشريعه من حيث المنافع الكثيرة العائدة إلى النّاس،

وقد جرى أسلوب القرآن على الإتيان بهذه الفقرة بعد كلّ تشريع، لما ورد في قوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة:] يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللّه وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [[الجمعة: 9] وقوله تعالى:] وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُواْ اللّه وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [[العنكبوت: 16].