تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

أي : أياماً معيَّنة ، وهي رمضان . فمن كان مريضاً أو مسافرا فإن الله تعالى أباح له الافطار ، ثم يقضي صيام ما أفطر في وقت آخر .

وعلى الذين يطيقون الصيام لكن بشدة ، افتداء إفطارهم بإطعام مسكين . وذلك مثل : الشيوخ الضعفاء ، والمرضى الذين لا يرجى برء أمراضهم ، والعمال الذين معاشهم الدائم بالعمل الشاق ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما . فكل هؤلاء يفطرون ، ويطعمون مسكينا عن كل يوم ، ومن أوسط ما يطعمون أهليهم ، بقدر كفايته ، أكلة واحدة مشبعة .

وخلاصة ما تقدم أن المسلمين أمام الصوم أقسام ثلاثة :

المقيم الصحيح القادر على الصيام بلا ضرر ولا مشقة ، فالصوم عليه واجب ، وإذا أفطر أخلّ بأحد أركان الإسلام .

المريض والمسافر ، ويباح لهما الإفطار مع وجوب القضاء ، ولو كان السفر في البحر أو البر أو الطائرة . والمرض غير محدّد بل هو متروك للشخص يقدره . فقد روى طريف بن تمام العطاردي قال : دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل ، فلما فرغ قال : وجعتْ أصبعي هذه . ومحمد بن سيرين من كبار العلماء المشهورين .

وقال البخاري : اعتللت بنيسا بور علة خفيفة ، في رمضان ، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي : أفطرت يا أبا عبد الله ؟ قلت : نعم . فقال : خشيت أن تضعُف عن قبول الرخصة .

وكما رخّص الله تعالى في المرض كمارخص في السفر . روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال : «خرج رسول الله في سفر في رمضان والناس مختلفون فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء ، فشرب نهاراً ليراه الناس » .

وعن محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رحلتْ راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سُنّة ؟ فقال : سنة ، ثم ركب . رواه الترمذي .

وهذا من تمام نعمة الله على عباده وسيره بهم في طريق اليسر والسهولة ، فلا ينبغي لمؤمن أن يضيق صدره برخَص الله ، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه ، إنه بعباده رؤوف رحيم .

الشيخ الكبير ومن يماثله ممن يشق عليهم الصوم لسبب من الأسباب التي لا يرجى زوالها . وهؤلاء أباح الله لهم أن يفطروا ، وكلّفهم بالإطعام بدلاً عن الصوم . ومن تطوع فزاد في الفدية فذلك من عنده وهو خير له .

وفي حكم ما ذكرنا من الشيخوخة والمرض ما يزاوله بعض العمال والصناع من أعمال تكاد تكون مستمرة طوال العام ، ويشق عليهم الصوم معها مشقة عظيمة . فإذا تعينت هذه الأعمال سبيلاً لعيشهم بأن لم يجدوا سواها ، أو لم يحسنوا غيرها ، فلهم أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكينا . { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ . . . } . { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر . . . } .

القراءات :

قرأ ابن عامر براوية ذكوان ونافع «فدية طعام مساكين » بإضافة فدية إلى طعام ومساكين بالجمع . وقرأ عامر برواية هشام «فدية طعام مساكين . . . » بدون إضافة .