بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

{ أَيَّامًا معدودات } ، أي معلومات ؛ وإنما صارت الأيام نصباً لنزع الخافض ، ومعناه في أيام معدودات . وقال مقاتل : كل شيء في القرآن معدودة أو معدودات فهو دون الأربعين ، وما زاد على ذلك لا يقال معدودة .

ثم قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا } ، فلم يقدر على الصوم { أَوْ على سَفَرٍ } ، فلم يصم . { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، أي فعليه أن يقضيها بعد مضي الشهر مثل عدد الأيام التي فاتته . { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ } ، أي يطيقون الصوم { فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ، أي يدفع لكل مسكين مقدار نصف صاع من حنطة ويفطر ذلك اليوم . { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } ، أي تصدق على مسكينين مكان كل يوم أفطره ، { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } من أن يطعم مسكيناً واحداً . والصيام خير له من الإفطار وهو قوله : { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } من أن تفطروا وتطعموا . قال الكلبي : كان هذا في أول الإسلام ثم نسخت هذه الآية بالآية التي بعدها ، وهكذا قال القتبي ، وهكذا روي ، عن سلمة بن الأكوع أنه قال : لمّا نزلت هذه الآية : { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ، كان من أراد أن يفطر ويفدي فعل ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وهو قوله : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . وقال الشعبي : لما نزلت هذه الآية : { وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ، كان الأغنياء يطعمون ويفطرون ويفتدون ولا يصومون ، فصار الصوم على الفقراء ، فنسختها هذه الآية { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، فوجب الصوم على الغني والفقير ، وقال بعضهم : ليست بمنسوخة ، وإنما نزلت في الشيخ الكبير . وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ : «وَعَلَى الَّذِينَ يَطُوقُونَهُ » ، يعني يكلفونه فلا يطيقونه . وروي عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قال : ليست بمنسوخة وإنما هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان كل يوم مسكيناً . قرأ نافع وابن عامر «فِدْيَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ » بضم الهاء وكسر الميم بالألف على الإضافة . وقرأ الباقون بتنوين الهاء { فِدْيَةٌ طَعَامُ } بضم الميم { مّسْكِينٌ } بغير ألف .