السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

وقوله تعالى :

{ أياماً } نصب بصوموا مقدّراً بينهما لدلالة الصيام عليه بالصيام لوقوع الفصل بينهما { معدودات } أي : قلائل كقوله تعالى : { دراهم معدودة } ( يوسف ، 20 ) وأصله أنّ المال القليل يقدر بالعدد ويحكر فيه ، والكثير يهال هيلاً ويحثى حثياً ، أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي ، وقلله تسهيلاً على المكلفين وقيل : هي عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهر رمضان { فمن كان منكم مريضاً } مرضاً يضرّه الصوم ويعسر معه { أو على سفر } أي : مسافراً سفر قصر { فعدّة من أيام أخر } أي : فعليه صوم عدّة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر ، فحذف الشرط وهو إن أفطر ، والمضاف وهو صوم والمضاف إليه وهو أيام المرض والسفر للعلم بها .

واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر ، والأصح فيه ما قدّرناه . وذهب أهل الظاهر إلى أنّ ما ينطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر ، وهو قول ابن سيرين : فقد دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه ، وفي السفر الذي يباح فيه الفطر والأصح فيه أيضاً ما قدّرناه وهو مرحلتان .

وقال الأوزاعي : أقله مرحلة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : ثلاثة أيام { وعلى الذين يطيقونه } أي : إن أفطروا { فدية } هي { طعام مسكين } أي : قدر ما يأكله في يوم وهو مدّ على الأصح من غالب قوت بلده وقال بعضهم : نصف صاع من القمح أو صاع من غيره وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوّته يومه الذي أفطره وقال ابن عباس : يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره .

واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها ، فذهب أكثرهم إلى أنها منسوخة ، وهو قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهما ، وذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا وإنما خيرهم الله تعالى ؛ لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصيام ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال ابن عباس : إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على الولد ، فإنها باقية بلا نسخ في حقهما ، وذهب جماعة منهم إلى أن لفظة لا مقدّرة في الآية أي : وعلى الذين لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فدية وهو قول سعيد بن جبير وجعل الآية محكمة ، وقرأ نافع وابن ذكوان بغير تنوين في فدية وخفض الميم من طعام والباقون بتنوين فدية ورفع الميم من طعام ، وقرأ نافع وابن عامر مساكين بفتح الميم والسين وألف بعد السين وفتح النون ، والباقون بكسر الميم وسكون السين ولا ألف بعدها وكسر النون منونة { فمن تطوّع خيراً } بالزيادة على القدر المذكور في الفدية { فهو } أي : التطوع { خير له } فيثيبكم الله عليه { وأن تصوموا } أي : أيها المطيقون مبتدأ خبره { خير لكم } أي : من الإفطار والفدية { إن كنتم تعلمون } أي : ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمّة وجواب : إن كنتم محذوف دلّ عليه خير لكم أي : فالصوم خير لكم .