المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (184)

{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }( 184 )

و { أياماً } مفعول ثان ب { كتبَ } ، قاله الفراء ، وقيل : هي نصب على الظرف ، وقيل : نصبها ب { الصيام } ، وهذا لا يحسن إلا على أن يعمل الصيام في الكاف من { كما } على قول من قدر : صوما كما ، وإذا لم يعمل في الكاف قبح الفصل بين المصدر وبين ما عمل فيه بما عمل فيه غيره ، وذلك إذا كان العامل في الكاف { كتب } ، وجوز بعضهم أن يكون { أياماً } ظرفاً يعمل فيه { الصيام } ، و { معدودات }( {[1668]} ) ، قيل : رمضان : وقيل : الثلاثة الأيام( {[1669]} ) .

وقوله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر } ، التقدير : فأفطر { فعدة من أيام أخر } ، وهذا يسمونه فحوى الخطاب( {[1670]} ) .

واختلف العلماء في حد المرض الذي يقع به الفطر : فقال قوم : متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المريض صح الفطر قياساً على المسافر أنه يفطر لعلة السفر وإن لم تدعه إلى الفطر ضرورة ، قاله ابن سيرين .

وقال جمهور من العلماء : إذا كان به مرض يؤذيه ويؤلمه أو يخاف تماديه أو يخاف من الصوم تزيده صح( {[1671]} ) له الفطر ، وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك رحمه الله ، وبه يناظرون ، وأما لفظ مالك فهو : المرض الذي يشق على المرء ويتبلغ( {[1672]} ) به .

وقال الحسن : «إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائماً أفطر » .

وقالت فرقة : لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه الفطر ، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر ، وهذا قول الشافعي رحمه الله .

واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر ، فقال قوم والشافعي ومالك في بعض ما روي عنه : الصوم أفضل لمن قوي ، وجل مذهب مالك التخيير .

وقال ابن عباس وابن عمر وغيرهما : الفطر أفضل .

وقال مجاهد وعمر بن العزيز وغيرهما : أيسرهما أفضلهما ، وكره ابن حنبل وغيره الصوم في السفر .

وقال ابن عمر : من صام في السفر قضى في الحضر ، وهو مذهب عمر رضي الله عنه( {[1673]} ) ، ومذهب مالك في استحبابه الصوم لمن قدر عليه . وتقصير الصلاة حسن ، لأن الذمة تبرأ في رخصة الصلاة وهي مشغولة في أمر الصيام ، والصواب المبادرة بالأعمال( {[1674]} ) . وقال ابن عباس رضي الله عنه : «الفطر في السفر عزمة » ، وذهب أنس بن مالك إلى الصوم ، وقال : إنما نزلت الرخصة ونحن جياع نروح إلى جوع ، ونغدو إلى جوع ، والسفر سفر الطاعة كالحج والجهاد بإجماع ، ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري . وأما سفر التجارة والمباحات فمختلف فيه بالمنع والجواز والقول بالجواز أرجح وأما سفر المعاصي فمختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح ، ومسافة سفر الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة ، واختلف في قدر ذلك ، فقال مالك : يوم وليلة( {[1675]} ) ثم رجع فقال : ثمانية وأربعون ميلاً ، وروي عنه : يومان ، وروي عنه في العتبية : خمسة وأربعون ميلاً ، وفي المبسوط : أربعون ميلاً ، وفي المذهب : ستة وثلاثون ميلاً ، وفيه : ثلاثون .

وقال ابن عمر وابن عباس والثوري : الفطر في سفر ثلاثة أيام ، وفي غير المذهب : يقصر في ثلاثة أميال فصاعداً .

وقوله تعالى : { فعدة } مرفوع على خبر الابتداء تقديره فالحكم أو فالواجب عدة ، ويصح أن يرتفع على ابتداء والخبر بعده والتقدير فعدة أمثل له ، ويصح فعليه عدة ، واختلف في وجوب تتابعها على قولين( {[1676]} ) ، و { أخر } لا ينصرف عند سيبويه لأنه معدول عن الألف واللام لأن هذا البناء إنما يأتي بالألف واللام كما تقول الفضل والكبر فاجتمع فيه العدل والصفة ، وجاء في الآية { أخر } ولم يجىء أخرى لئلا تشكل بأنها صفة للعدة ، والباب أن جمع ما لا يعقل يجري في مثل هذا مجرى الواحدة المؤنثة( {[1677]} ) ومنه قوله تعالى :{ يا جبال أوبي معه }( {[1678]} ) [ سبأ : 10 ] ، إلى غير ذلك .

وقرأ جمهور الناس «يطيقونه » بكسر الطاء وسكون الياء والأصل «يطوقونه » نقلت حركة الواو إلى الطاء وقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، وقرأ حميد «يطوقونه » وذلك على الأصل ، والقياس الإعلال .

وقرأ ابن عباس «يطوقونه » بمعنى يكلفونه .

وقرأت عائشة وطاوس وعمرو بن دينار «يَطَّوقونه » بفتح الياء وشد الطاء مفتوحة .

وقرأت فرقة «يُطَيَّقونه » بضم الياء وشد الطاء وشد الياء المفتوحة بمعنى يتكلفونه ، وحكاها النقاش( {[1679]} ) عن عكرمة ، وتشديد الياء في هذه اللفظة ضعيف( {[1680]} ) .

وقرأ نافع وابن عامر من طريق ابن ذكوان «فديةُ طعام مساكين » بإضافة الفدية .

وقرأ هاشم عن ابن عامر «فديةٌ طعام مساكين » بتنوين الفدية .

وقرأ الباقون «فديةٌ » بالتنوين «طعام مسكين » بالإفراد ، وهي قراءة حسنة لأنها بينت الحكم في اليوم ، وجمع( {[1681]} ) المساكين لا يدرى كم منهم في اليوم إلا من غير الآية .

قال أبو علي : «فإن قلت كيف أفردوا المساكين والمعنى على الكثرة لأن الذين يطيقونه جمع وكل واحد منهم يلزمه مسكين ، فكان الوجه أن يجمعوا كما جمع المطيقون ؟ ، فالجواب أن الإفراد حسن لأنه يفهم بالمعنى أن لكل مسكيناً( {[1682]} ) ، ونظير هذا قوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة }( {[1683]} ) [ النور : 4 ] فليست الثمانون متفرقة في جميعهم بل لكل واحد ثمانون .

واختلف المتأولون في المراد بالآية( {[1684]} ) فقال معاذ بن جبل وعلقمة والنخعي والحسن البصري وابن عمر والشعبي وسلمة بن الأكوع وابن شهاب : كان فرض الصيام هكذا على الناس من أراد صام ومن أراد أطعم مسكيناً وأفطر ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [ البقرة : 185 ] .

وقالت فرقة : و { على الذين يطيقونه }( {[1685]} ) أي على الشيوخ والعجّز ، الذين يطيقون ، لكن بتكلف شديد فأباح الله لهم الفدية والفطر ، وهي محكمة عند قائلي هذا القول . وعلى هذا التأويل تجيء قراءة { يطوقونه } و " يطوقونه " .

وقال ابن عباس : نزلت هذه الرخصة للشيوخ والعجّز خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ثم نسخت بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [ البقرة : 185 ] ، فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم .

وقال السدي : { وعلى الذين يطيقونه } أي على الذين كانوا يطيقونه وهم بحالة الشباب ثم استحالوا بالشَّيَخ فلا يستطيعون الصوم . وهي عنده محكمة ، ويلزم الشيوخ عنده الفدية إذا أفطروا ، ونحوه عن ابن عباس .

وقال مالك : «لا أرى الفدية على الشيخ الضعيف واجبة ، وتستحب لمن قدر عليها » ، والآية عنده إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من المتقدم فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم فتكره فعليه الفدية( {[1686]} ) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : على الشيخ العاجز الإطعام .

وحكى الطبري عن عكرمة أنه كان يقرؤها «وعلى الذين يَطَّيَّقونه » فأفطر ، ومذهب مالك رحمه الله وجماعة من العلماء أن قدر الدية مد لكل مسكين .

وقال قوم : قوت يوم : وقال قوم : عشاء وسحور .

وقال سفيان الثوري : نصف صاع من قمح أو صاع من تمر أو زبيب ، والضمير في { يطيقونه }( {[1687]} ) عائد على { الصيام } ، وقيل على الطعام وهو قول ضعيف .

واختلف في الحامل فقال ابن عمر وابن عباس : تفدي وتفطر ولا قضاء عليها .

وقال الحسن وعطاء والضحاك والزهري وربيعة ومالك : تقضي الحامل إذا أفطرت ولا فدية عليها .

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل ومجاهد : تقضي وتفدي إذا أفطرت ، وكذلك قال مالك في المرضع إنها إذا أفطرت تقضي وتفدي ، هذا هو المشهور عنه ، وقال في مختصر ابن عبد الحكم : لا إطعام على المرضع .

وقوله تعالى : { فمن تطوع خيراً فهو خير له } الآية ، قال ابن عباس وطاوس عطاء والسدي : المراد من أطعم مسكينين فصاعداً( {[1688]} ) .

وقال ابن شهاب : «من زاد الإطعام على الصوم » وقال مجاهد : «من زاد في الإطعام على المد » ، و { خير } الثاني صفة تفضيل ، وكذلك الثالث ، و { خير } الأول قد نزل منزلة مالاً أو نفعاً ، وقرأ أبيّ بن كعب «والصوم خير لكم » بدل { وأن تصوموا } .

وقوله تعالى : { إن كنتم تعلمون } يقتضي الحض على الصوم أي فاعلموا ذلك وصوموا .


[1668]:- في قوله تعالى: [كما كتب على الذين من قبلكم] وفي قوله: [أياما معدودات] تسهيل على المكلفين بالصيام وتطييب نفوسهم فإن العمل الشاق إذا عم وشمل المتقدمين والمتأخرين وكانت أيامه معدودة سهل قبوله وتلقّيه، ومن ثم وقع النهي عن سرد الصيام ووصله.
[1669]:- أي من كل شهر، وسبق أن ذلك نسخ بشهر رمضان.
[1670]:- وهو ما يفهم من الكلام قطعا، ومثل هذه الآية قوله تعالى: [فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية] الخ – أي: فَحَلَقَ لإزالة الأذى ففدية، وهذا هو ما يسمى بفحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين.
[1671]:- أي: جاز له الفطر.
[1672]:- أي يشتد عليه وفي بعض النسخ (ويبلغ به) والمراد يجهد به وقد لخص شيخ المالكية المذهب في مختصره بقوله: وبمرض، أي وجاز فطر بمرض خاف زيادته أو تماديه، ووجب إن خاف هلاكا أو شديد أذى. فإذا خاف الزيادة من المرض أو تماديه جاز له الفطر، وإذا خاف الهلاك والأذى وجب عليه الفطر.
[1673]:- على مذهب عمر وابنه جاء قول القائل: إن الصيام لا يجوز في السفر ومَنْ يصم فيه قضى مَهْمَـا حَضَـر حُجَّتُنَـا حديث أفضل البَشَـر (ليْسَ من البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَــرْ)
[1674]:- يعني أن مذهب مالك في تفضيل الصوم على الفطر وتفضيل القصر على الإتمام حسن، لأن الذمة تبرأ بقصر الصلاة وتبقى مشغولة بالفطر، والمطلوب هو المسابقة إلى الخير وأعمال البر، وهذا ثناء من ابن عطية رحمه الله على نظرية المذهب المالكي.
[1675]:- المراد أنها أربع وعشرون ساعة، والمشهور عند المالكية أنها أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا وتقدر بـ 85 كيلومترا تقريبا.
[1676]:- ليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء.
[1677]:- وإنما لم يجر هنا كذلك خوفا من الإلباس وإيهام أنها صفة للعدة لا للأيام، والقاعدة أن جمع مالا يعقل يجوز وصفه بوصف الواحدة المؤنثة، ووصفه بجمعها، فمن الأول: إلا أياما معدودة، ومن الثاني: إلا أياما معدودات.
[1678]:- من الآية (10) من سورة (سبأ).
[1679]:- وفي بعض النسخ: وحكاها النقاش، وأبو عمرو الداني عن عكرمة.
[1680]:- ذكر أربع قراءات: اثنتان بالواو المشددة، واثنتان بالياء المشددة، وقراءة الجمهور، وقراءة حميد، فالمجموع ست قراءات، وحكم ابن عطية على قراءة الياء المشددة بالضعف، قال (ح): وإنما ضعفوا ذلك لأنهم فهموا أن الفعل على وزن تفعل فأشكل ذلك عليهم، وليس كما فهموا، وإنما هو على وزن (تفعيل) من الطوق فأصله تطيْوِقون اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فقيل: (تطيقون) فهذا توجيه هذه القراءة وهو توجيه واضح. البحر المحيط 2-35.
[1681]:- يعني أنه لا يعرف على قراءة الجمع مقدار المساكين في اليوم من نفس الآية، وإنما يعرف ذلك من السنة.
[1682]:- حاصلة أن قراءة (مساكين) فيها مقابلة الجمع بالجمع، وقراءة (مِسْكِين) روعي فيها إفراد العموم.
[1683]:- من الآية (4) من سورة (النور).
[1684]:- كان الحكم عندما فرض الصيام في أول الإسلام أن من أراد أن يصوم صام، ومن أراد أن يطعم أطعم، ثم وقع النسخ بقوله تعالى: [فمن شهد منكم الشهر فليصمه] وهذا هو القول الأول من الأقوال المعروضة في معنى الآية، وقيل: إنها محكمة وهي في الشيوخ والعجز الذين يطيقون الصوم بتكلف، وقيل: إنها في الشيوخ والعجز الذين يطيقون وأفطروا ثم نسخت، وقيل: إنها في الذين لا يستطيعون الصيام من الشيوخ والعجائز فهي إذا محكمة إلا أن الفدية تجب عليهم، وقيل: لا تجب بل تستحب، وقيل: إنها فيمن يدركه رمضان وعليه رمضان سابق فقد كان يطيق الصوم في تلك المدة وتركه فعليه الفدية لتفريطه. فهذه جملة الأقوال، وملخصها يرجع إلى قولنا أهي منسوخة كما قال الجمهور أم محكمة في الشيوخ والعجائز، ويلتحق بذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما ؟ وهذا أحسن من تقدير (لا). قبل (يطيقونه) لأن حذف (لا)، خاص بمواقع القسم، ولموافقة الإثبات لسنة التشريع في الأمور الشاقة على النفوس مثل: الخمر، والربا، والقتال، فكان التخيير بين الصوم والإطعام ثم أفضلية الصوم مع التخيير، ثم تحتيم الصوم بقوله تعالى: [فمن شهد منكم الشهر فليصمه].
[1685]:- الإطاقة: هي القدرة على الفعل بمشقة فادحة، فقوله تعالى: [وعلى الذين يطيقونه] ليس ظاهره مرادا، فقد صرحت الآثار عن الصحابة والتابعين أن موضوع الآية على أنها محكمة فيمن لا يستطيعون الصوم أصلا، لا في الحاضر ولا في المستقبل، وهم الذين عليهم فدية إطعام مسكين عن كل يوم إذا قدروا على الفدية – وأما المرضى الذين يقدرون على قضائه مستقبلا فلا فدية عليهم – والمراد بالمشقة المشقة الجسيمة لا الفكرية والعقلية إذ لم يؤثر عن أحد ممن سلف ما سمي بالمشقة الفكرية، فمن قال: إن من قام بعمل فكري شاق كامتحان له أن يفطر ليس بمصيب، بل الحقيقة هي أن الصوم لا يعوق التفكير ولا يبطئ الفهم، بل يصفي القلب ويدفع بصاحبه إلى التفكير المستقيم، فإن استقامة الفكر في استقامة القلب، وسلامة التفكير في طهارة القلب وسمو الروح – ومن ثَمَّ كان السلف الصالح يلجؤون إلى الصوم لتصفية مرآتهم، واستنارة قلوبهم، وارتقاء مداركهم، فالصوم إنما يضعف صاحبه عن علاقات الجسم، وأما الروح فإنه يقوي مداركها، ويصقل مرآتها – ففي الإنسان عنصران: جسمي وروحي، فالصوم يغلب الروح على الجسم، وإذا غلبت كان إدراكها خيرا من إدراك الممتلئ طعاما وشرابا، والله أعلم.
[1686]:- هذا هو رأي الإمام مالك رحمه الله في الآية، وما أشار إليه ابن عطية رحمه الله من قول الإمام مالك هو قول شيخ المالكية في مختصره: "ووجب إطعام مُدِّه عليه الصلاة والسلام لمفرط في قضاء رمضان لمثله عن كل يوم مسكين" ا هـ.
[1687]:- لتأخر معاد الضمير، وليس المحل لذلك.
[1688]:- أي: بالتطوع، ويعني أنه زاد على ما وجب في المساكين، أو في الطعام تطوعا، بأن أطعم عن كل يوم أكثر من واحد، أو أعطى أكثر من مد لكل مسكين، أو جمع بين الصوم والإطعام، أو جمع بين الخبز واللحم والإدام.