المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

124- ومن أعرض عن هدى الله وطاعته فإنه يحيا حياة لا سعادة فيها ، فلا يقنع بما قسم الله ، ولا يستسلم إلي قضاء الله وقدره ، حتى إذا كان يوم القيامة جاء إلي موقف الحساب مأخوذاً بذنبه ، عاجزاً عن الحجة التي يعتذر بها ، كما كان في دنياه أعمى البصيرة عن النظر في آيات الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

قوله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري } يعني : القرآن ، فلم يؤمن به ولم يتبعه ، { فإن له معيشة ضنكاً } ، ضيقاً .

روي عن ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : هو عذاب القبر . قال أبو سعيد : يضغط حتى تختلف أضلاعه . وفي بعض المسانيد مرفوعاً يلتئم عليه القبر ، حتى تختلف أضلاعه ، فلا يزال يعذب حتى يبعث .

وقال الحسن : هو الزقوم والضريع والغسلين في النار . وقال عكرمة : هو الحرام . وقال الضحاك : هو الكسب الخبيث . وعن ابن عباس قال : الشقاء . وروى عنه أنه قال : كل مال أعطى العبد قل أم كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه ، وهو : الضنك في المعيشة ، وإن أقواماً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين ، فكانت معيشتهم ضنكاً ، وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله . قال سعيد بن جبير : يسلبه القناعة حتى لا يشبع . { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال ابن عباس : أعمى البصر . وقال مجاهد أعمى عن الحجة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي } أي : كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية ، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه ، أو ما هو أعظم من ذلك ، بأن يكون على وجه الإنكار له ، والكفر به { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } أي : فإن جزاءه ، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة ، ولا يكون ذلك إلا عذابا .

وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ، وأنه يضيق عليه قبره ، ويحصر فيه ويعذب ، جزاء لإعراضه عن ذكر ربه ، وهذه إحدى الآيات الدالة على عذاب القبر . والثانية قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } الآية . والثالثة قوله : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ } والرابعة قوله عن آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } الآية .

والذي أوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف ، وقصرها على ذلك -والله أعلم- آخر الآية ، وأن الله ذكر في آخرها عذاب يوم القيامة . وبعض المفسرين ، يرى أن المعيشة الضنك ، عامة في دار الدنيا ، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه ، من الهموم والغموم والآلام ، التي هي عذاب معجل ، وفي دار البرزخ ، وفي الدار الآخرة ، لإطلاق المعيشة الضنك ، وعدم تقييدها . { وَنَحْشُرُهُ } أي : هذا المعرض عن ذكر ربه { يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } البصر على الصحيح ، كما قال تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

وبعد أن بين - سبحانه - حسن عاقبة من اتبع هداه ، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة من أعرض عن ذكره وطاعته فقال - تعالى - : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي . . . } .

قوله : { ضَنكاً } أى : شديدة الضيق . وكل شىء ضاق فهو ضنك .

وهو مصدر يستوى فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع يقال : ضنك - ككرم - عيش فلان ضنكا وضناكة إذا ضاق .

والمعنى أن من اتبع هداى الذى جاءت به رسلى فلن يضل ولن يشقى ، أما من أعرض عن { ذِكْرِي } أى : عن هداى الذى جاءت به رسلى ، واشتملت عليه كتبى { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } .

أى : فإن لهذا المعرض معيشة ضيقة مليئة بالهم والغم والأحزان وسوء العاقبة ، حتى ولو ملك المال الوفير ، والحطام الكثير . . . فإن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة الله ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه .

قال - تعالى - : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أى : فى الدنيا فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى . فهو فى قلق وحيرة وشك ، فلا يزال فى ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة . . .

وقال سفيان بن عيينة ، عن أبى حازم ، عن أبى سلمة ، عن ابى سعيد فى قوله { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال : يضيق عليه قبره . حتى تختلف أضلاعه .

والمراد بالعمى فى قوله - سبحانه - : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى } : عمى البصر ، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك : { قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

99

( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة ، ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع . إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه . ضنك الحيرة والقلق والشك . ضنك الحرص والحذر : الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت . ضنك الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت . وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله . وما يحس راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . . إن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولا وعرضا وعمقا وسعة ، والحرمان منه شقوة لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان .

( ومن أعرض عن ذكري )وانقطع عن الاتصال بي ( فإن له معيشة ضنكا ) . .

( ونحشره يوم القيامة أعمى ) . . وذلك ضلال من نوع ضلاله في الدنيا . وذلك جزاء على إعراضه عن الذكر في الأولى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي } أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره [ ضيق ]{[19538]} حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد . فهذا من ضنك المعيشة .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : الشقاء .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : كل مال{[19539]} أعطيته عبدًا من عبادي ، قل أو كثر ، لا يتقيني فيه ، فلا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة . ويقال : إن قومًا ضُلالا أعرضوا عن الحق ، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين ، فكانت معيشتهم ضنكا ؛ [ و ]{[19540]} ذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفًا لهم معايشهم ، من سوء ظنّهم بالله والتكذيب ، فإذا كان العبد يكذب بالله ، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته ، فذلك الضنك .

وقال الضحاك : هو العمل السيئ ، والرزق الخبيث ، وكذا قال عكرمة ، ومالك بن دينار .

وقال سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد في قوله : { مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : يضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه فيه . قال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش{[19541]} يكنى أبا سلمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " ضمة القبر " الموقوف أصح . {[19542]}

وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، عن ابن حُجَيْرة - اسمه عبد الرحمن - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المؤمن في قبره في روضة خضراء ، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر ، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا ، أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رؤوس ، ينفخون في جسمه ، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " {[19543]} .

رفعه منكر جدًا .

وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا محمد بن عمرو{[19544]} حدثنا هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، [ عن أبي حُجَيْرة ]{[19545]} عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " المعيشة الضنك الذي قال الله تعالى : أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " {[19546]} .

وقال أيضًا : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " عذاب القبر " . إسناد جيد{[19547]} .

وقوله : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } قال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدي : لا حجة له .

وقال عكرمة : عُمِّي عليه كل شيء إلا جهنم .

124


[19538]:زيادة من ف، أ.
[19539]:في هـ: "ما" والمثبت من ف، أ.
[19540]:زيادة من ف.
[19541]:في ف: "عياض".
[19542]:والمرفوع في إسناده دراج عن أبي الهيثم وهو ضعيف.
[19543]:ورواه أبو يعلى في مسنده (11/521) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به.
[19544]:في ف: "محمد بن عمر".
[19545]:زيادة من ف، أ.
[19546]:مسند البزار برقم (2233) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (7/67) "فيه من لم أعرفه".
[19547]:وروي من حديث أبي سعيد مثله، ورواه الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في المصنف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىَ * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِيَ أَعْمَىَ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ } .

يقول تعالى ذكره : وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري الذي أذكره به فتولى عنه ولم يقبله ولم يستجب له ، ولم يتعظ به فينزجر عما هو عليه مقيم من خلافه أمر ربه فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا يقول : فإن له معيشة ضيقة . والضنك من المنازل والأماكن والمعايش : الشديد يقال : هذا منزل ضنك : إذا كان ضيقا ، وعيش ضنك : الذكر والأنثى والواحد والاثنان والجمع بلفظ واحد ومنه قول عنترة :

*** وإنْ نَزَلُوا بضَنْكٍ أنْزلِ ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " يقول : الشقاء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ضَنْكا قال : ضيقة .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : الضنك : الضيق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : " فإنّ لَهُ مَعَيشَةً ضَنْكا " يقول : ضيقة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

واختلف أهل التأويل في الموضع الذي جعل الله لهؤلاء المعرضين عن ذكره العيشة الضنك ، والحال التي جعلهم فيها ، فقال بعضهم : جعل ذلك لهم في الاَخرة في جهنم ، وذلك أنهم جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو بن عليّ بن مقدم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوفُ ، عن الحسن ، في قوله : " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : في جهنم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " فقرأ حتى بلغ : " ولَمْ يُؤْمِنْ بآياتِ رَبّهِ " قال : هؤلاء أهل الكفر . قال : ومعيشة ضنكا في النار شوك من نار وزقوم وغسلين ، والضريع : شوك من نار ، وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة ، ما المعيشة والحياة إلا في الاَخرة ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : " يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي " قال : لمعيشتي قال : والغسلين والزقوم : شيء لا يعرفه أهل الدنيا .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : في النار .

وقال آخرون : بل عنى بذلك : فإن له معيشة في الدنيا حراما . قال : ووصف الله جلّ وعزّ معيشتهم بالضنك ، لأن الحرام وإن اتسع فهو ضنك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرِمة في قوله : " مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : هي المعيشة التي أوسع الله عليه من الحرام .

حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب من أهل البصرة ، قال : حدثنا عمرو بن جرير البجلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم في قول الله : مَعِيشَةً ضَنْكا قال : رزقا في معصيته .

حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا أبو بسطام ، عن الضحاك " فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا " قال : الكسب الخبيث .

حدثني محمد بن إسماعيل الصراري ، قال : حدثنا محمد بن سوار ، قال : حدثنا أبو اليقظان عمار بن محمد ، عن هارون بن محمد التيمي ، عن الضحاك ، في قوله : " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : العمل الخبيث ، والرزق السيىء .

وقال آخرون ممن قال عنى أن لهؤلاء القوم المعيشة الضنك في الدنيا ، إنما قيل لها ضنك وإن كانت واسعة ، لأنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم على تكذيب منهم بالخلف من الله ، وإياس من فضل الله ، وسوء ظنّ منهم بربهم ، فتشتدّ لذلك عليهم معيشتهم وتضيق ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " يقول : كلّ مال أعطيته عبدا من عبادي قلّ أو كثر ، لا يتقيني فيه ، لا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة . ويقال : إن قوما ضُلاّلاً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين ، فكانت معيشتهم ضنكا ، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله عزّ وجلّ ليس بمخلف لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله ، والتكذيب به ، فإذا كان العبد يكذّب بالله ، ويسيء الظنّ به ، اشتدّت عليه معيشته ، فذلك الضنك .

وقال آخرون : بل عني بذلك : أن ذلك لهم في البرزخ ، وهو عذاب القبر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يزيد بن مخلد الواسطي ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال في قول الله : " مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : عذاب القبر .

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بِشر بن المفضل ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : إن المعيشة الضنك ، التي قال الله : عذاب القبر .

حدثني حوثرة بن محمد المنقري ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخُدريّ " فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا " قال : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، قال : حدثنا خالد بن زيد ، عن ابن أبي هلال ، عن أبي حازم ، عن أبي سعيد ، أنه كان يقول : المعيشة الضنك : عذاب القبر ، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنّينا تنهشه وتخدش لحمه حتى يُبعث . وكان يقال : لو أن تنّينا منها نفخ الأرض لم تنبت زرعا .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : يطبق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، وهي المعيشة الضنك التي قال الله : " مَعِيشَةً ضَنْكا ونحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمَى " .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح والسديّ في قوله : مَعِيشَةً ضَنْكا قال : عذاب القبر .

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال : عذاب القبر .

حدثني عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : حدثنا أبو عُمَيس ، عن عبد الله بن مخارق عن أبيه ، عن عبد الله ، في قوله : مَعِيشَةً ضَنْكا قال : عذاب القبر .

حدثني عبد الرحيم البرقيّ ، قال : حدثنا ابن أبي مَريم ، قال : حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي حازم ، قالا : حدثنا أبو حازم ، عن النعمان بن أبي عياش ، عن أبي سعيد الخدريّ مَعِيشَةً ضَنْكا قال : عذاب القبر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هو عذاب القبر الذي :

حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن درّاج ، عن ابن حُجَيرة عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ : فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا وَنحْشُرُهُ يَوْمَ القيامَةِ أعْمَى ، أتَدْرُونَ ما المَعِيشَةً الضّنْكُ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «عَذَابُ الكافرِ في قَبْرِهِ ، والّذِي نَفْسي بيَدِهِ ، إنّه لَيُسَلّطُ عَلَيْهِ تَسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنّينا ، أتَدْرُونَ ما التّنِينُ : تسْعَةٌ وَتسْعُونَ حَيّة ، لكلّ حَيّة سَبْعَةُ رُؤُوسٍ ، يَنْفُخُونَ في جِسْمِهِ وَيَلْسَعُونَهُ ويَخْدِشُونَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ » . وإن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك بقوله : " وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَى " فكان معلوما بذلك أن المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الاَخرة ، لأن ذلك لو كان في الاَخرة لم يكن لقوله " وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَى " معنى مفهوم ، لأن ذلك إن لم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الاَخرة ، حتى يكون الذي في الاَخرة أشدّ منه ، بطل معنى قوله وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَى . فإذ كان ذلك كذلك ، فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون لهم في حياتهم الدنيا ، أو في قبورهم قبل البعث ، إذ كان لأوجه لأن تكون في الاَخرة لما قد بيّنا ، فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا ، فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر الله من الكفار ، فإن معيشته فيها ضنك ، وفي وجودنا كثيرا منهم أوسع معيشة من كثير من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى ، القائلين له المؤمنين في ذلك ، ما يدلّ على أن ذلك ليس كذلك ، وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث ، وهو أن ذلك في البرزخ .

وقوله : " ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمَى " اختلف أهل التأويل في صفة العمى الذي ذكر الله في هذه الاَية ، أنه يبعث هؤلاء الكفار يوم القيامة به ، فقال بعضهم : ذلك عمى عن الحجة ، لا عمى عن البصر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : " ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمَى " قال : ليس له حجة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمَى " قال : عن الحجة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله ، وقيل : يحشر أعمى البصر .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قال الله تعالى ذكره ، وهو أنه يحشر أعمى عن الحجة ورؤية الشيء كما أخبر جلّ ثناؤه ، فعمّ ولم يخصص .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ ومن أعرض عن ذكري } عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي { فإن له معيشة ضنكا } ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقرىء " ضنكى " كسكرى ، وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انقصاها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقو } الآيات ، وقيل هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل عذاب القبر { ونحشره } قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل { فإن له معيشة ضنكا } لأنه جواب الشرط . يوم القيامة أعمى البصر أو القلب ويؤيد الأول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ من أعرض } عن ذكر الله وكفر به { فإن له معيشة ضنكاً } والضنك النكد الشاق من العيش أو المنازل أو مواطن الحرب ونحو هذا ، ومنه قول عنترة وإن نزلوا بضنك أنزل{[8172]} ، وصف به الواحد والجمع والمؤنث ، وقرأت فرقة : [ ضنكى ]{[8173]} ، أتبعت بالصفة لفظة " المعيشة " . واختلف الناس في المعيشة الضنك ، متى هو الوقت الذي هي فيه فقالت فرقة : هي الدنيا ، ومعنى ذلك عندهم أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة واتساع صفاء العيش بذلك ما يصير معيشيته ضنكا ، وقالت فرقة : هي ضنك بأكل الحرام ، وقالت فرقة : بل المعيشة الضنك هي في البرزخ ، وهو أن يرى مقعده من النار غدوا ورواحا ، وبالجملة عذاب القبر على ما روي فيه . ذلك من وعيد لهم .


[8172]:هذا جزء من بيت لعنترة، وهو من قصيدة له يعرض فيها بقيس بن زهير سيد بني تميم، فقد حمى عنترة بني عبس من تميم في إحدى المعارك، فقال قيس: "والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء"، والبيت بتمامه مع بيت قبله: إني امرؤ من خير عبس منصبا شطري وأحمي سائري بالمنصل إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل والمعنى: إن لحقهم العدو يوما فإني لا أهرب بل أعود فأقابل العدو بالهجوم، وإن اشتبكوا في معركة والتحموا بعدوهم في القتال أشدد من هجومي وقتالي، وإن اشتدت الضائقة عليهم في المعركة نزلت عن فرسي حتى أتجنب التحام الخيل، وفي القصيدة نفسها يقول: إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل وهو شاهد لمعنى الضنك مثل الشاهد في البيت الذي ذكره المؤلف.
[8173]:على وزن "فعلى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

ويدل لهذا مقابلة ضده في قوله { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى } ، إذ رتب على الإعراض عن هدي الله اختلال حَاله في الدنيا والآخرة ، فالمعيشة مراد بها مدة المعيشة ، أي مدّة الحياة .

والضنك : مصدر ضَنُك ، من باب كَرُم ضناكة وضنكاً ، ولكونه مصدراً لم يتغيّر لفظه باختلاف موصوفه ، فوصف به هنا { معيشة وهي مؤنث . والضنك : الضيق ، يقال : مكان ضنك ، أي ضيق . ويستعمل مجازاً في عسر الأمور في الحياة ، قال عنترة :

إن يلحقوا أكرُر وإن يستلحموا *** أشدد وإن نَزلوا بضَنْك أنْزِلِ

أي بمنزل ضنك ، أي فيه عسر على نازله . وهو هنا بمعنى عسر الحال من اضطراب البال وتبلبله . والمعنى : أن مجامع همه ومطامح نظره تكون إلى التحيل في إيجاد الأسباب والوسائل لمطالبه ، فهو متهالك على الازدياد خائف على الانتقاص غير ملتفت إلى الكمالات ولا مأنوس بما يسعى إليه من الفضائل ، يجعله الله في تلك الحالة وهو لا يشعر ، وبعضهم يبدو للناس في حالة حسنة ورفاهية عيش ولكن نفسَه غير مطمئنة .