الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

وإنَّ من أعرض عن ذِكْر اللّه ، وكفر به .

{ فَإنَّ له معيشةً ضَنْكاً } [ طه : 124 ] .

و«الضَّنْك » : النكدُ الشاقّ من العيش والمنازل ، ونحو ذلك .

وهل هذه المعيشةُ الضنك تكون في الدنيا ، أو في البَرْزَخ ، أو في الآخرة ؟ أقوال .

( ت ) : ويُحْتَمَلُ في الجميع ، قال القرطبي : قال أبو سعيد الخُدْرِيّ ، وابن مسعودٍ : ضَنْكاً : عذاب القبر ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتَدْرُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ : { فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أعمى } أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنك ؟ قالوا : اللّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : عَذَابُ الكَافِرِ فِي الْقَبْرِ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً وَهِيَ الحَيَّاتُ لكُلِّ حَيَّةٍ تِسْعَةُ رُؤُوسٍ ، يَنْفُخْنَ في جِسْمِهِ ، وَيَلْسَعْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ، ويُحْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ إلى مَوْقِفِهِ أعمى ) انتهى من «التذكرة » .

فَإنْ صَحَّ هذا الحديث ، فلا نظر لأحد معه ، وإن لم يصحَّ ، فالصوابُ حملُ الآية على عُمُومها والله أعلم .

قال الثَّعْلَبِيُّ : قال ابن عباس : { فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يضِلُّ وَلاَ يشقى } [ طه : 123 ] .

قال : أَجار اللّهُ تعالى تابعَ القرآن من أنْ يضل في الدنيا ، أو يشقى في الآخرة . وفي لفظ آخر : ( ضمن اللّهُ تعالى لمن قرأَ القرآن ) الحديث ، وعنه : مَنْ قرأَ القرآن واتَّبع ما فيه ، هَدَاهُ اللّه تعالى مِنَ الضَّلاَلَةِ ووقاه اللّهُ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ سُوءَ الحِسَابِ . انتهى .

وقولُه سبحانه : «ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أعمى » [ طه : 124 ] قالت فرقةٌ : وهو عَمَى البَصَر ، وهذا هو الأوْجه ، وأما عمى البَصِيرة ، فهو حاصل للكافر .