فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } أي عن ديني ، وتلاوة كتابي ، والعمل بما فيه ، ولم يتبع هداي { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي فإن له في هذه الدنيا معيشة ضنكاً ، أي عيشاً ضيقاً . يقال : منزل ضنك وعيش ضنك ، مصدر يستوي فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث ، قال عنترة :

إن المنية لو تمثل مثلت *** مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل

وقرئ { ضُنكي } بضم الضاد على فُعلى ، ومعنى الآية : أن الله عزّ وجلّ جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشاً هنياً غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه ، كما قال سبحانه : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً } [ النحل : 97 ] . وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشاً ضيقاً وفي تعب ونصب ، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب ، فهو في الأخرى أشدّ تعباً وأعظم ضيقاً وأكثر نصباً ، وذلك معنى : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى } أي مسلوب البصر . وقيل : المراد : العمى عن الحجة . وقيل : أعمى عن جهات الخير لا يهتدي إلى شيء منها ، وقد قيل : إن المراد بالمعيشة الضنكي : عذاب القبر ، وسيأتي ما يرجح هذا ويقوّيه .

/خ127