تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

115

عن ذكري : عن الهداية بكتبي السماوية .

الضنك : الضيق الشديد .

أعمى : عن النظر في الحجج والبراهين الإلهية .

‍‌124- { ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا . . . } .

من اتبع هدى الله ودينه وكتابه وشرعه ؛ فلا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، ومن أعرض عن شرع الله ودينه وكتابه ، وآثر العاجلة ، فإن له معيشة ضنكا ، ضيقة مؤلمة ، وقد يوجد المال أو الجاه أو السلطان أو مظاهر الدنيا ، وهذا الإنسان الغني أو الوجيه في ضنك الداخل ؛ ضنك بعده عن الله ، ضنك الخوف على المال أو الوجاهة ، ضنك الإحباط والحيرة والشقوة ؛ حيث لم ينشرح صدره لوحي الله ودينه ، فصار قاسيا بعيدا عن الأنس بالله ، والرضا بالقضاء والقدر ، والسرور بمحبة الله ، قال تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } . ( الزمر : 22 ) .

{ ونحشره يوم القيامة أعمى } .

قال بعض المفسرين : نحشره أعمى عمًى حسيا ، وهو عمى البصر ؛ عقوبة حسية على إعراضهم عن أدلّة الحق ، وعن عدم النظر إليها ، واعترض آخرون عليهم بقوله تعالى : { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا . . . } ( مريم : 38 ) .

وأجابوا : بأن هناك منازل ومواقف متعددة يوم القيامة .

فالكافر في أول أمره يحشر أعمى لا يرى شيئا إلا جهنم ، وهي المصير الذي ينتظره ، وبعد فترة يبصر ليرى سوء منزلته ، وألوان العذاب الذي ينتظره .

وقال بعض المفسرين :

العمى هنا عمى البصيرة لا عمى البصر ، فهو أعمى عن كل حجة يدافع بها عن نفسه ؛ ذلك أن الله أعطاهم البصر والأذن والعقل في الدنيا ، فلما لم ينظروا إلى الحق ، ولم يسمعوا إلى القرآن سماع تأمل وإنصات ، ولم يتفكروا في هذا الدين ويتأملوا فيما اشتمل عليه ؛ صاروا كأنهم محرومين من هذه النعم في الدنيا ، وكذلك في الآخرة .

قال تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهن أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } . ( الأعراف : 179 ) .

قال ابن كثير في التفسير :

ويحتمل أن يكون المراد : أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصمّا مأواهم جهنم كلّما خبت زدناهم سعيرا } . ( الإسراء : 97 ) . ويؤيد ذلك الآية التي تليها .