تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

الآية 124 : وقوله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } الضنك هو الشدة والضيق . ثم اختلفوا فيه : قال بعضهم : { فإن له معيشة ضنكا } في الدنيا ، وإن كانت واسعة عليه ، لأنهم ينفقون ، ولا يرون لنفقتهم خلفا ولا عاقبة ، ويرون{[12482]} الدنيا تدوم . فذلك يمنعهم عن التوسيع في الإنفاق خوفا [ من نفاد ] {[12483]} ذلك المال وبقاء أنفسهم لما ذكرنا أنهم لا يرون لنفقتهم خلفا ولا عوضا ولا عاقبة لها ، فذلك الضنك .

وقال بعضهم : { فإن له معيشة ضنكا } لأنهم ينغصون{[12484]}بما أعطوا من المال ، وأنعموا فيه ، لأن توسعهم يكون في معصية ، فنفى عنهم الانتفاع به كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان باستعمالهم هذه الجوارح في المعصية على قيامها لما ذهبت منافعها فيها{[12485]} .

وقال بعضهم : { فإن له معيشة ضنكا } في عذاب القبر . لكن لا يقال لمن في القبر : إن له معيشة ضنكا حتى يوصف بالضيق . وعذاب القبر سبيل معرفته السمع . فإن ثبت السمع . وإلا بالترك أولى .

وقال قائلون : ذلك في الآخرة ، والله أعلم ، كقوله { مكانا ضيقا مقرنين } [ الفرقان : 13 ] .

وقوله تعالى : { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال بعضهم : نحشره أعمى عن حججه في دينه . لكن متى كانت له الحجج في الدنيا حتى يعمى عنها في الآخرة ؟ وقال بعضهم : { ونحشره يوم القيامة أعمى } عمى الحقيقة كقوله : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما } [ الإسراء : 97 ] فهو على حقيقة عمى البصر ، وهو أشبه ، والله أعلم .

وقال { معيشة ضنكا } [ طه : 124 ] أي ضيقة . قال أبو عبيدة : وكل ضيق منزل أو غيره فهو ضنك .


[12482]:في الأصل و م: يريدون.
[12483]:في الأصل و م: النفاذ.
[12484]:في الأصل و م: يغصون.
[12485]:في الأصل و م: في الطاعة.