المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

22- وقد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات ، وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم ، وأن ذلك خاضع لإرادتنا ، ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتى يصير عنده كالخزائن{[106]} .


[106]:سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم من أن الرياح عامل هام في نقل حبوب اللقاح إلي الأعضاء المؤنثة في النبات ليتم بذلك عقد الثمار، كما أنه لم يعرف إلا في أوائل القرن الحالي أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ أن نوبات التكاثف، أو النوبات التي تتجمع عليها جزئيات بخار الماء لتكون نقطا من الماء نامية داخل السحب هي المكونات الأولي من المطر تحملها الرياح إلي مناطق إثارة السحاب، وقوام هذه النوبات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة ونحوها كلها لازمة للأمطار. لقد ثبت في العلم حديثا أن لمطر دورة مائية، تبدأ بتبخر المياه من سطح الأرض والبحر ثم تعود إليه مرة ثانية علي نحو ما سلف ذكره. فإذا نزل المطر استقى منه كل حي علي الأرض كما تستقى منه الأرض نفسها، ولا يمكن التحكم فيه لأنه بعد ذلك يتسرب من الأحياء ومن الأرض إلي التبخر، ثم تبدأ الدورة ثانية بالتبخر وهكذا دواليك. ومن هذا يستبين معنى الآية في قوله تعالى: {وما أنتم له بخازنين} أي مانعيه من النزول من السماء ولا التسرب إليها علي صورة البخار.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

قوله تعالى : { وأرسلنا الرياح لواقح } أي : حوامل ، لأنها تحمل الماء إلى السحاب ، وهو جمع لاقحة ، يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد . قال ابن مسعود : يرسل الله الريح فتحل الماء فيمر به السحاب ، فيدر كما تدر اللقحة ثم تمطر . وقال أبو عبيدة : أراد باللواقح الملاقح واحدتها ملقحة ، لأنها تلقح الأشجار . قال عبيد بن عمير : يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما ، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر . وقال أبو بكر بن عياش : لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه ، فالصبا تهيجه ، والشمال تجمعه ، والجنوب تذره ، والدبور تفرقه .

وفى الخبر : " إن اللقح رياح الجنوب " . وفى بعض الآثار : ما هبت ريح الجنوب إلا وبعث عينا غدقة . وأما الريح العقيم : فإنها تأتي بالعذاب ولا تلقح .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا من لا أتهم بحديثه ، حدثنا العلاء بن راشد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ، وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ، قال ابن عباس : في كتاب الله عز وجل : { إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } [ القمر-19 ] { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ الذاريات-41 ] ، وقال : { وأرسلنا الرياح لواقح } [ الحجر-22 ] ، وقال : { أن يرسل الرياح مبشرات } [ الروم-46 ] قوله : { فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه } ، أي : جعلنا المطر لكم سقيا ، يقال : أسقى فلان فلانا : إذا جعل له سقيا ، وسقاه : إذا أعطاه ما يشرب . وتقول العرب : سقيت الرجل ماء ولبنا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه ودوابه تقول : أسقيته . { وما أنتم له بخازنين } ، يعني المطر في خزائننا لا في خزائنكم . وقال سفيان : بمانعين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

{ 22 } { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

أي : وسخرنا الرياح ، رياح الرحمة تلقح السحاب ، كما يلقح الذكر الأنثى ، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله ، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم ، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته ، { وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } أي : لا قدرة لكم على خزنه وادخاره ، ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الأرض رحمة بكم وإحسانا إليكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

ثم انتقل - سبحانه - من الاستدلال على وحدانيته وقدرته بظواهر السماء وبظواهر الأرض ، إلى الاستدلال على ذلك بظواهر الرياح والأمطار فقال - تعالى - : { وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } والآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق ذكره من النعم .

والمراد بإرسال الرياح هنا : نقلها من مكان إلى آخر بقدرة الله - تعالى - وحكمته .

وقوله { لواقح } يصح أن يكون جمع لاقح . وأصل اللاقح : الناقة التي قبلت اللقاح فحملت الجنين في بطنها . .

ووصف - سبحانه - الرياح بكونها لواقح . لأنها حوامل تحمل ما يكون سببا في نزول الأمطار كما تحمل النوق الأجنة في بطونها .

أى : وأرسلنا بقدرتنا ورحمتنا الرياح حاملة للسحاب وللأمطار ولغيرهما ، مما يعود على الناس بالنفع والخير والبركة .

ويصح أن يكون لفظ { لواقح } جمع ملقح - اسم فاعل - وهو الذي يلقح غيره ، فتكون الرياح ملقحة لغيرها كما يلقح الذكر الأنثى .

قال الإِمام ابن كثير : قوله { وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ } أى : تلقح السحب فتدر ماء ، وتلقح الأشجار فتتفتح عن أوراقها وأكمامها .

وقال بعض العلماء : ومعنى الإِلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين ، فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ، ثم ينزل مطرًا على الأرض ، وأنها تلقح الشجر ذا الثمرة ، بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نوْر الشجر الذكر ، فتصلح ثمرته أو تثبت . .

وهذا هو الإبار . وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة . وبعضه يكتفى منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر

ومن بلاغة الآية الكريمة ، إيراد هذا الوصف - لواقح - لإِفادة كلا العملين اللذين تعملهما الرياح - وهما الحمل للسحاب والمطر وغيرهما ، أو التلقيح لغيرها - .

وقوله { فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ . . } تفريع على ما تقدم .

أى : وأرسلنا الرياح بقدرتنا من مكان إلى آخر ، حالة كونها حاملة للسحاب وغيره ، فأنزلنا - بسبب هذا الحمل - من جهة السماء ، ماء كثيرًا هو المطر ، لتنتفعوا به في شرابكم ، وفى معاشكم ، وفى غير ذلك من ضرورات حياتكم .

قال - تعالى - : { هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات . . . } وقوله { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } تتميم لنعمة إنزال الماء .

أى : أنزلنا المطر من السماء ، وليست خزائنه عندكم . وإنما نحن الخازنون له ، ونحن الذين ننزله متى شئنا ، ونحن الذين نمنعه متى شئنا ، كما قال - تعالى - قبل ذلك : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } .

ويصح أن يكون المعنى : أنزلنا المطر من السماء فجعلناه لسقياكم ، وأنتم لستم بقادرين على خزنه وحفظه في الآبار والعيون وغيرها ، وإنما نحن القادرون على ذلك . قال - تعالى - { وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

16

ومما يرسله الله بقدر معلوم الرياح والماء :

( وأرسلنا الرياح لواقح ، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه . وما أنتم له بخازنين )

أرسلنا الرياح لواقح بالماء ، كما تلقح الناقة بالنتاج ؛ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح ، فأسقيناكموه فعشتم به :

( وما أنتم له بخازنين ) . .

فما من خزائنكم جاء ، إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم .

والرياح تنطلق وفق نواميس كونية ، وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس ؛ وتسقط الماء كذلك بحسبها . ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس ? لقد قدره الخالق ، ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر :

( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر معلوم ) .

ونلحظ في التعبير أنه يرد كل حركة إلى الله حتى شرب الماء . . ( فأسقيناكموه ) . . والمقصود أننا جعلنا خلقتكم تطلب الماء ، وجعلنا الماء صالحا لحاجتكم ، وقدرنا هذا وذاك . وأجريناه وحققناه بقدر الله . والتعبير يجيء على هذا النحو لتنسيق الجو كله ، ورجع الأمر كله إلى الله حتى في حركة تناول الماء للشراب . لأن الجو جو تعليق كل شيء في هذا الكون بإرادة الله المباشرة وقدره المتعلق بكل حركة وحادث . . سنة الله هنا في حركات الأفلاك كسنته في حركات الأنفس . . تضمن المقطع الأول سنته في المكذبين ، وتضمن المقطع الثاني سنته في السماوات والأرضين ، وفي الرياح والماء والاستقاء . وكله من سنة الله التي يجري بها قدر الله . وهذه وتلك موصولتان بالحق الكبير الذي خلق الله به السماوات والأرض والناس والأشياء سواء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة القرّاء : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ ، وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة : «وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ » فوحّد الريح وهي موصوفة بالجمع أعنى بقوله : «لواقح » . وينبغي أن يكون معنى ذلك : أن الريح وإن كان لفظها واحدا ، فمعناها الجمع لأنه يقال : جاءت الريح من كلّ وجه ، وهبّت من كلّ مكان ، فقيل لواقح لذلك ، فيكون معنى جمعهم نعتها وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم : أرض سباسب ، وأرض أغفال ، وثوب أخلاق ، كما قال الشاعر :

جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصي أخْلاقْ *** شَرَاذِمٌ يَضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ

وكذلك تفعل العرب في كلّ شيء اتسع .

واختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح وإنما هي ملقحة لا لاقحة ، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر ، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح ، كما يقال : ناقة لاقح . وكان بعض نحويي البصرة يقول : قيل : الرياح لواقح ، فجعلها على لاقح ، كأن الرياح لقحت ، لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير . قال : وقال بعضهم : الرياح تلقح السحاب ، فهذا يدلّ على ذلك المعنى لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : في ذلك معنيان : أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح ، فيقال : ريح لاقح ، كما يقال : ناقة لاقح ، قال : ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال : عَلَيهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ فجعلها عقيما إذا لم تلقح . قال : والوجه الاَخر أن يكون وصفها باللقح وإن كانت تلقح ، كما قيل : ليل نائم والنوم فيه وسرّكاتم ، وكما قيل : المبروز والمختوم ، فجعل مبروزا ولم يقل مبرزا بَنَاهُ على غير فعله ، أي أن ذلك من صفاته ، فجاز مفعول لمفعل كما جاز فاعل لمفعول إذا لم يرد البناء على الفعل ، كما قيل : ماء دافق .

والصواب من القول في ذلك عندي : أن الرياح لواقح كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها ، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار ، فهي لاقحة ملقحة ، ولقحها : حملها الماء ، وإلقاحها السحاب والشجر : عملها فيه ، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكن ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال : يرسل الله الرياح فتحمل الماء ، فتجري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن قيس بن سكن ، عن عبد الله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال : يبعث الله الريح فتلقح السحاب ، ثم تمريه فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال » : يرسل الرياح ، فتحمل الماء من السحاب ، ثم تمري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة .

فقد بين عبد الله بقوله : يرسل الرياح فتحمل الماء ، أنها هي اللاقحة بحملها الماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر .

وأما جماعة أُخَر من أهل التأويل ، فإنهم وجّهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح إلى أنه بمعنى ملقحة ، وأن اللواقح وُضعت ملاقح ، كما قال نهشل بن حريّ :

لِيُبْكَ يَزِيدُ بائِسٌ لِضَرَاعَةً *** وأشْعَثُ ممّنْ طَوّحَتْهُ الطّوَائحُ

يريد المطاوح . وكما قال النابغة :

كليني لِهَمَ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ *** ولَيْلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكوَاكبِ

بمعنى : مُنْصِب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم في قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال : تلقح السحاب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، مثله .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبراهيم ، مثله .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال : لواقح للشجر . قلت : أو للسحاب ؟ قال : وللسحاب ، تمريه حتى يمطر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبيد بن عمير ، قال : يبعث الله المبشرة فَتَقُمّ الأرض قَمّا ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلّفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر . ثم تلا عبيد : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ يقول : لواقح للسحاب ، وإن من الريح عذابا وإن منها رحمة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَوَاقِحَ قال : تلقح الماء في السحاب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس : لَوَاقِحَ قال : تُلقح الشجر وتُمري السحاب .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبيس بن ميمون ، قال : حدثنا أبو المهزم ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «الرّيحُ الجَنُوبُ مِنَ الجَنّةِ ، وَهِيَ الرّيحُ اللّوَاقِحُ ، وَهِيَ التي ذَكَرَ اللّهُ تَعَالى فِي كِتابِهِ وَفِيها منَافِعٌ للنّاسِ » .

حدثني أبو الجماهر الحمصي أو الحضرمي محمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد العزيز بن موسى ، قال : حدثنا عبيس بن ميمون أبو عبيدة ، عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء .

وقوله : فأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً فأسْقَيْنا كمُوهُ يقول تعالى ذكره : فأنزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم . ولو كان معناه : أنزلناه لتشربوه ، لقيل : فسقينا كموه . وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره : «سقيته » بغير ألف إذا كان لسقيه ، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته ، قالوا : «أسقبته وأسقيت أرضه وماشيته » ، وكذلك إذا استسقت له ، قالوا «أسقيته واستسقيته » ، كما قال ذو الرّمّة :

وَقَفْتُ على رَسْمٍ لِمَيّةَ ناقَتِي *** فَمَا زِلْتُ أبْكي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ

وأُسْقِيهِ حتى كادَ مِمّا أبُثّهُ *** تُكَلّمُني أحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ

وكذلك إذا وَهَبْتَ لرجل إهابا ليجعله سقاء ، قلت : أسقيته إياه .

وقوله : وَما أنْتُمْ لَهُ بِخازِنِيَنَ يقول : ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقينا كموه فتمنعوه من أسقيه لأن ذلك بيدي وإليّ ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء . كما :

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : سفيان : وَما أنْتمْ لَهُ بِخازِنِينَ قال : بمانعين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

انتقال من الاستدلال بظواهر السماء وظواهر الأرض إلى الاستدلال بظواهر كرة الهواء الواقعة بين السماء والأرض ، وذلك للاستدلال بفعل الرياح والمنة بما فيها من الفوائد .

والإرسال : مجاز في نقل الشيء من مكان إلى مكان . وهذا يدل على أن الرياح مستمرة الهبوب في الكرة الهوائية . وهي تظهر في مكان آتية إليه من مكان آخر وهكذا . . . .

و { لواقح } حال من { الرياح } . وقع هذا الحال إدماجاً لإفادة معنيين كما سيأتي عن مالك رحمه الله .

و { لواقح } صالحٌ لأن يكون جمع لاَقح وهي الناقة الحبلى . واستعمل هنا استعارة للريح المشتملة على الرطوبة التي تكون سبباً في نزول المطر ، كما استعمل في ضدها العقيم ضد اللاقح في قوله تعالى { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ سورة الذاريات : 41 ] .

وصالح لأن يكون جمع مُلقح وهو الذي يجعل غيره لاقحاً ، أي الفحل إذا ألقح الناقة ، فإن فواعل يجيء جمعَ مُفعل مذكرٍ نادراً كقول الحارث أو ضرار النهشلي :

لبيك يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط مما تطيحُ الطوايح

روعي فيه جواز تأنيث المشبه به . وهي جمع الفحول لأن جمع ما لا يعقل يجوز تأنيثه .

ومعنى الإلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطراً على الأرض ؛ وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تَنقُلَ إلى نَوْره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت ، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح . وهذا هو الإبّار . وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة . وبعضه يكتفي منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر .

ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العمليْن اللّذين تعملهما الرياح ، وقد فُسرت الآية بهما . واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر .

وروى أبو بكر بن العربي عن مالك أنه قال : قال الله تعالى { وأرسلنا الرياح لواقح } فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ولا أريد ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذٍ لم يكن فساداً لا خير فيه . ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت .

وفرع قوله { فأنزلنا من السماء ماء } على قوله { وأرسلنا الرياح } .

وقرأ حمزة { وأرسلنا الريح لواقح } بإفراد « الريح » وجمع « لواقح » على إرادة الجنس والجنس له عدة أفراد .

و { أسقيناكموه } بمعنى جعلناه لكم سقياً ، فالهمزة فيه للجعل . وكثر إطلاق أسقى بمعنى سقى .

واستعمل الخزن هنا في معنى الخزن في قوله آنفاً { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ سورة الحجر : 21 ] أي وما أنتم له بحافظين ومنشئين عندما تريدون .