المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

64- لهؤلاء الأولياء البشرى بالخير في الدنيا ، وما وعدهم الله به من نصر وعزة ، وفي الآخرة يتحقق وعد الله ، ولا خلف لما وعد الله به ، وهذا الذي بشروا به في الدنيا ، وظفروا به في الآخرة هو الفوز العظيم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ، اختلفوا في هذه البشرى : روي عن عبادة بن الصامت قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا } ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة " . وقيل : البشري في الدنيا هي : الثناء الحسن وفى الآخرة : الجنة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا عبد الرزاق بن أبي شريج ، أنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال : سمعت عبد الله بن الصامت قال : " قال أبو ذر : يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبه الناس ؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن " .

وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن أبي عمران ، وقال : ويحمده الناس عليه . وقال الزهري وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت ، قال الله تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } [ فصلت-30 ] . وقال عطاء عن ابن عباس : البشرى في الدنيا ، يريد : عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة ، وفى الآخرة عند خروج نفس المؤمن ، يعرج بها إلى الله ، ويبشر برضوان الله . وقال الحسن : هي ما بشر الله المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ، كقوله : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ البقرة- 25 ] ، { وبشر المؤمنين } [ الأحزاب-47 ] { وأبشروا بالجنة } [ فصلت-30 ] . وقيل : بشرهم في الدنيا بالكتاب والرسول أنهم أولياء الله ، ويبشرهم في القبور وفى كتب أعمالهم بالجنة . { لا تبديل لكلمات الله } ، لا تغيير لقوله ، ولا خلف لوعده . { ذلك هو الفوز العظيم * }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله [ تعالى ] وليًا ، و { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ْ }

أما البشارة في الدنيا ، فهي : الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ، والرؤيا الصالحة ، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق ، وصرفه عن مساوئ الأخلاق .

وأما في الآخرة ، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ْ }

وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم .

وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم ، والنجاة من العذاب الأليم .

{ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ْ } بل ما وعد الله فهو حق ، لا يمكن تغييره ولا تبديله ، لأنه الصادق في قيله ، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه .

{ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ } لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور ، والظفر بكل مطلوب محبوب ، وحصر الفوز فيه ، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى .

والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب ، رتبه الله في الدنيا والآخرة ، على الإيمان والتقوى ، ولهذا أطلق ذلك ، فلم يقيده .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

وقوله - سبحانه - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة } زيادة تكريم وتشريف لهم .

والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس .

أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته .

قال الآلوسى ما ملخصه : " والثابت في أكثر الروايات ، أن البشرى في الحياة الدنيا ، هي الرؤيا الصالحة . . فقد أخرد الطيالسي وأحمد الدارمي والترمذي . . وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا } فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " .

وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك .

ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائناً ما كان . . . "

وقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفى الآخرة .

واسم الإِشارة في قوله - تعالى - { ذلك هُوَ الفوز العظيم } يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين .

أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والذي لا يفوته نجاح أو فضل .

هذا ، وقبد نقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه :

هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - في كتابه ، وبين رسوله في سنته أن الله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء .

وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما في هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . . "

والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين . . فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان . . .

وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله .

فالناس متفاضلون في ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم في الإِيمان والتقوى .

ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً في دعواه ، أو كان مجنوناً .

وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير . . بل يوجدون في جميع طبقات الأمة . فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع . . .

وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

26

وعلام يحزنون ومم يخافون ، والبشرى لهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ? إنه الوعد الحق الذي لا يتبدل - لا تبديل لكلمات الله - :

( ذلك هو الفوز العظيم ) . .

إن أولياء الله الذين يتحدث عنهم السياق هم المؤمنون حق الإيمان المتقون حق التقوى . والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل . والعمل هو تنفيذ ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه . . هكذا يجب أن نفهم معنى الولاية لله . لا كما يفهمه العوام ، من أنهم المهبولون المخبولون الذين يدعونهم بالأولياء !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَهُمُ الْبُشْرَىَ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : البشرى من الله في الحياة الدنيا وفي الاَخرة لأولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون .

ثم اختلف أهل التأويل في البشرى التي بشّر الله بها هؤلاء القوم ما هي ، وما صفتها ؟ فقال بعضهم : هي الرؤية الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له ، وفي الاَخرة الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن ذكوان ، عن شيخ ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُؤْمِنُ أوْ تَرُى لَهُ » .

حدثنا العباس بن الوليد ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرنا الأوزاعي ، قال : أخبرني يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : سأل عبادة بن الصامت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن هذه الآية : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ لهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ سأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سأَلَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ » ، أو قال : «غْيَركَ » . قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ الصّالِحُ ، أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو داود عمن ذكره ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله تعالى : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ . لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثنا أبو قلابة ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا أبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبادة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

حدثنا ابن المثنى وأبو عثمان بن عمر ، قالا : حدثنا عليّ بن يحيى ، عن أبي سلمة ، قال : نبئت أن عبادة بن الصامت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال : «سألْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سأَلَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية ، فقال : لقد سألتني عن شيء ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، بُشْرَاهُ فِي الحَياةِ الدّنْيا ، وبُشْرَاهُ فِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرك ، إلا رجلاً واحدا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ مُنْذُ أنْزَلَها اللّهُ غيرَكَ إلاّ رَجُلاً وَاحِدا ، هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، سمع عطاء بن يسار ، يخبر عن رجل من أهل مصر ، أنه سأل أبا الدرداء عن : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ثم ذكر نحو حديث سعيد بن عمرو السكوني ، عن عثمان بن سعيد .

حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، قال : ثني يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأخموشي ، عن حميد بن عبد الله المزني ، قال : أتى رجل عبادة بن الصامت ، فقال : آية في كتاب الله أسألك عنها ، قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ؟ فقال عبادة : ما سألني عنها أحد قبلك ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل ذلك : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ المُؤْمِنُ فِي المَنامِ أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرّؤْيا الحَسَنَةُ هِيَ البُشْرَى يَرَاها المُسْلِمُ ، أو تُرَى لَهُ » .

قال : حدثنا أبو بكر ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، قال : قال أبو هريرة : الرؤيا الحسنة بشرى من الله ، وهي المبشرات .

حدثنا محمد بن حاتم المؤدّب ، قال : حدثنا عمار بن محمد ، قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ الصّالِحُ أوْ تُرَى لَهُ ، وَهِيَ فِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، قال : حدثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحرث ، عن أبي الشيخ ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّوْيا الصّالِحَةُ يُبَشّرُ بِها العَبْدُ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان ، عن عبادة بن الصامت ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقد عرفنا بشرى الاَخرة ، فما بشرى الدنيا ؟ قال : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أرْبَعَةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا ، أوْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا فقال : «لَقَدْ سأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز الكعبية ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ذَهَبَتِ النّبُوّةُ وَبَقِيَتِ المُبَشّرَاتُ » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن رجل ، عن أبي الدرداء ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل كان بمصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال أبو الدرداء : ما سألني عنها أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ غيرُكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المْسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .

قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .

قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، قال ابن عيينة ثم سمعته من عبد العزيز ، عن أبي صالح السمان ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : ما سألني عنها أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ مُنْذُ أنْزِلَتْ عَليّ إلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ أوْ تُرَى لَهُ » .

قال : حدثنا عبد الله بكر السهمي ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن عمرو بن دينار : أنه سأل رجلاً من أهل مصر فقيها قدم عليهم في بعض تلك المواسم ، قال : قلت : ألا تخبرني عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا ؟ قال : سألت عنها أبا الدرداء ، فأخبرني أنه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «هِيَ الرّؤْيا الحَسَنَة يَرَاها العَبْد أوْ تُرَى لَهُ » .

قال : حدثنا أبي ، عن عليّ بن مبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْد أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم وأبو الوليد الطيالسي ، قالا : حدثنا أبان ، قال : حدثنا يحيى ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قلت : يا رسول الله ، قال الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ؟ فقال : «لَقَدْ سألْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ أوْ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي » قالَ : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ الصّالِحُ أوْ تُرَى لَهُ » .

قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح ، قال : سمعت أبا الدرداء ، وسئل عن : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا قال : ما سألني عنها أحد قبلك منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن نافع بن جبير ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «هِيَ الرّؤْيا الحَسَنَةُ يَرَاها الإنْسانُ أوْ تُرَى لَهُ » .

وقال : ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن أبي الدرداء ، أو ابن جريج عن محمد بن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ » . وقال ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : هي الرؤيا يراها الرجل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح .

قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .

قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن طلحة القناد ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي الرؤيا الحسنة يراها العبد المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه .

قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يقولون : الرؤيا من المبشرات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد . أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ مِنْ أمّتِي مُنْذُ أنْزِلَتْ عَليّ قَبْلَكَ » . قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَة يَرَاها الرّجُل لِنَفْسِهِ أوْ تُرَى لَه » .

قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن العوّام ، عن إبراهيم التيمي ، أن ابن مسعود قال : ذهبت النبوّة ، وبقيت المبشرات ، قيل : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له .

قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا فهو قوله لنبيه : وَبَشّرِ المُؤْمِنِينَ بأنّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيرا قال : هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو ترى له .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن عطاء ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي رؤيا الرجل المسلم يبشر بها في حياته .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن درّاجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّؤْيا الصّالِحَة يُبَشّر بِها المُؤمِنُ جُزْءا مِنْ سِتّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن هشام ، عن أبيه في هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له .

حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا صفوان ، قال : حدثنا حميد بن عبد الله : أن رجلاً سأل عبادة بن الصامت عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال عبادة : لقد سألتني عن أمر ما سألني عنه أحد قبلك ، ولقد سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال لي : «يا عُبادَةُ لَقَدْ سألْتَنِي عَنْ أمْرٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي تِلْكَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أوْ تُرَى لَهُ » .

وقال آخرون : هي بشارة يبشر بها المؤمن في الدنيا عند الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري وقتادة : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي البشارة عند الموت في الحياة الدنيا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يعلى ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : يعلم أين هو قبل الموت .

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا ، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له منها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله ، كما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ المَلائِكَةَ التي تَحْضُرُه عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ ، تَقُولُ لَنْفْسِهِ : اخْرُجي إلى رَحْمَةِ اللّهِ وَرِضْوَانِهِ » . وَمنها : بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل ، كما قال جلّ ثناؤه : وبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ أنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ . . . الآية . وكلّ هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها ، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى ، فذلك مما عمه جلّ ثناؤه أن لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وأما في الاَخرة فالجنة .

وأما قوله : لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ فإن معناه : إن الله لا خلف لوعده ولا تغيير لقوله عما قال ولكنه يمضي لخلقه مواعيده وينجزها لهم . وقد :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية عن أيوب ، عن نافع ، قال : أطال الحجاج الخطبة ، فوضع ابن عمر رأسه في حجري ، فقال الحجاج : إن ابن الزبير بدّل كتاب الله فقعد ابن عمر فقال : لا تستطيع أنت ذاك ولا ابن الزبير لا تَبْدْيِلَ لِكَلِماتِ اللّهِ . فقال الحجاج : لقد أوتيت علما أن تفعل . قال أيوب : فلما أقبل عليه في خاصة نفسه سكت .

وقوله : ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ يقول تعالى ذكره : هذه البشرى في الحياة الدنيا وفي الاَخرة هي الفوز العظيم ، يعني الظفر بالحاجة والطلبة والنجاة من النار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

{ لهم البشرى في الحياة الدنيا } هو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات ، وبشرى الملائكة عند النزع . { وفي الآخرة } بتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم ، ومحل { الذين آمنوا } النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره { لهم البشرى } . { لا تبديل لكلمات الله } أي لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده . { ذلك } إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين . { هو الفوز العظيم } هذه الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه ، وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

أما بشرى الآخرة فهي بالجنة قولاً واحداً وتلك هي الفضل الكبير الذي في قوله { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً }{[6154]} وأما بشرى الدنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وعمران بن حصين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم على أنه سئل عن ذلك ففسره بالرؤيا{[6155]} ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال : «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة »{[6156]} ، وروت عنه أم كرز الكعبية أنه قال : «ذهبت النبوءة وبقيت المبشرات »{[6157]} ، وقال قتادة والضحاك : البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة .

قال القاضي أبو محمد : ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات ، ويقوى ذلك بقوله في هذه الآية { لا تبديل لكلمات الله } وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «هي الرؤيا » إلا إن قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالاً من البشرى وهي تعم جميع الناس ، وقوله { لا تبديل لكلمات الله } يريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره .

قال القاضي أبو محمد : وقد أخذ ذلك عبد الله بن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك أنه روي : أن الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتى قال : إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله ، فقال له عبد الله بن عمر : إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير { لا تبديل لكلمات الله } ، فقال له الحجاج : لقد أعطيت علماً فلما انصرف إليه في خاصته سكت عنه ، وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجّاج ، ذكره البخاري ، وقوله { ذلك هو الفوز العظيم } إشارة إلى النعيم الذي به وقعت البشرى .


[6154]:- من الآية (47) من سورة (الأحزاب).
[6155]:- أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وغيرهم عن رجل من أهل مصر قال: سألت أبا الدرداء رضي الله عنه عن قول الله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: (ما سألني عنها أحد منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، فهي بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة). الدر المنثور.
[6156]:- أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال: (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)، المرجع السابق.
[6157]:-أخرجه ابن ماجه، وابن جرير. (المرجع السابق).