125- واذكروا كذلك قصة بناء إبراهيم مع ابنه إسماعيل لبيت الله الحرام بمكة ، وفى هذه القصة عظة بالغة لمن كان له قلب سليم ، فلتذكروا إذ جعلنا هذا البيت ملاذاً للخلق ومأمناً لكل من يلجأ إليه ، وإذ أمرنا الناس بأن يتخذوا من موضع قيام إبراهيم لبناء الكعبة مكاناً يصلون فيه ، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن يصونا البيت مما لا يليق بحرمته ، وأن يهيئاه تهيئة صالحة لمن يَؤُمُّهُ من الطائفين والمعتكفين والمصلين .
قوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت } . يعني الكعبة .
قوله تعالى : { مثابة للناس } . مرجعاً لهم ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : يثوبون إليه من كل جانب ويحجون ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : معاذاً وملجأ وقال قتادة وعكرمة : مجمعاً .
قوله تعالى : { وأمنا } . أي مأمناً يأمنون فيه من إيذاء المشركين ، فإنهم ما كانوا يتعرضون لأهل مكة ويقولون : هم أهل الله ويتعرضون لمن حوله كما قال الله تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا علي بن عبد الله ، أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر " .
قوله تعالى : { واتخذوا } . قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على الخبر ، وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر .
قوله تعالى : { من مقام إبراهيم مصلى } . قال يمان : المسجد كله مقام إبراهيم ، وقال إبراهيم النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم ، وقيل : أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج ، مثل عرفة ومزدلفة وسائر المشاهد . والصحيح أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي في المسجد يصلي إليه الأئمة ، وذلك الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بناء البيت ، وقيل : كان أثر أصابع رجليه بيناً فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، قال قتادة ومقاتل والسدي : أمروا بالصلاة عند مقام إبراهيم ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد عن يحيى بن حميد عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت الله في ثلاث . أو وافقني ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ، فأنزل الله تعالى { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقلت يا رسول الله : يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله عز وجل آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت لهن : إن انتهيتن ، أو ليبدلنه الله خيراً منكن ، فأنزل الله تعالى : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } الآية . ورواه محمد بن إسماعيل أيضاً عن عمرو ابن عون .
أخبرنا هشام عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : قال عمر رضي الله عنه : " وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت :{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .
وأما بدء قصة المقام ، فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما أتى إبراهيم إسماعيل وهاجر ووضعهما بمكة ، وأتت على ذلك مدة ، ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم امرأة وماتت هاجر ، واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر ، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم مكة ، وقد ماتت هاجر ، فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ قالت ذهب يتصيد . وكان إسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيصيد ، فقال لها إبراهيم : هل عندك ضيافة . قالت ليس عندي ضيافة ، وسألها عن عيشها ؟ فقالت : نحن في ضيق وشدة ، فشكت إليه فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه ، فذهب إبراهيم فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه قال : فما قال لك ؟ قالت : قال : أقرئي زوجك السلام وقولي له فليغير عتبة بابه ، قال ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك ، فطلقها وتزوج منهم أخرى ، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له ، وشرطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم عليه السلام حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ قالت : ذهب يتصيد وهو يجيء الآن إن شاء الله ، فانزل يرحمك الله ، قال : هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم فجاءت باللبن واللحم ، وسألها عن عيشهم ؟ فقالت : نحن بخير وسعة ، فدعا لهما بالبركة ولو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله براً أو شعيراً أو تمراً ، فقالت له : انزل حتى أغسل رأسك ، فلم ينزل فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ، ثم حولته إلى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر ، فبقي أثر قدميه عليه ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له قد استقامت عتبة بابك ، فلما جاء إسماعيل ، وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً ، وقال لي كذا وكذا . وقلت له كذا وكذا ، وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه فقال : ذاك إبراهيم النبي أبي ، وأنت العتبة أمرني أن أمسكك .
وروي عن سعيد بن جبير أيضا عن ابن عباس قال : ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً تحت دوحة قريباً من زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، والولد بالوالد ثم قال : إسماعيل : إن الله تعالى أمرني بأمر تعينني عليه ؟ قال : أعينك عليه قال : إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً ، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام إبراهيم على حجر المقام وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
وفي الخبر : " الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولولا مسته أيدي المشركين لأضاء ما بين المشرق والمغرب .
قوله تعالى : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } . أي أمرنا وأوصينا إليهما ، قيل : سمي إسماعيل لأن إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولداً ويقول : اسمع يا إيل ، وإيل هو الله فلما رزق الولد سماه به .
قوله تعالى : { أن طهرا بيتي } . يعنى الكعبة أضافه إليه تخصيصاً وتفضيلاً ، أي ابنياه على الطهارة والتوحيد ، وقال سعيد بن جبير وعطاء : طهراه من الأوثان والريب وقول الزور ، وقيل : بخراه وخلقاه ، قاله يمان بن رباب ، قرأ أهل المدينة وحفص بيتي بفتح الياء هاهنا وفي سورة الحج ، وزاد حفص في سورة نوح
قوله تعالى : { للطائفين } . الدائرين حوله .
قوله تعالى : { والعاكفين } . المقيمين المجاورين .
قوله تعالى : { والركع } . جمع راكع .
قوله تعالى : { السجود } . جمع ساجد وهم المصلون قال الكلبي ومقاتل : الطائفين هم الغرباء والعاكفين أهل مكة ، قال عطاء ومجاهد وعكرمة : الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل .
ثم ذكر تعالى ، نموذجا باقيا دالا على إمامة إبراهيم ، وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده ، ركنا من أركان الإسلام ، حاطا للذنوب والآثام .
وفيه من آثار الخليل وذريته ، ما عرف به إمامته ، وتذكرت به حالته فقال : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ } أي : مرجعا يثوبون إليه ، لحصول منافعهم الدينية والدنيوية ، يترددون إليه ، ولا يقضون منه وطرا ، { و } جعله { أَمْنًا } يأمن به كل أحد ، حتى الوحش ، وحتى الجمادات كالأشجار .
ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام ، ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم ، فلا يهيجه ، فلما جاء الإسلام ، زاده حرمة وتعظيما ، وتشريفا وتكريما .
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } يحتمل أن يكون المراد بذلك ، المقام المعروف الذي قد جعل الآن ، مقابل باب الكعبة ، وأن المراد بهذا ، ركعتا الطواف ، يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم ، وعليه جمهور المفسرين ، ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا ، فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج ، وهي المشاعر كلها : من الطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفة ، ومزدلفة ورمي الجمار والنحر ، وغير ذلك من أفعال الحج .
فيكون معنى قوله : { مُصَلًّى } أي : معبدا ، أي : اقتدوا به في شعائر الحج ، ولعل هذا المعنى أولى ، لدخول المعنى الأول فيه ، واحتمال اللفظ له .
{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } أي : أوحينا إليهما ، وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك ، والكفر والمعاصي ، ومن الرجس والنجاسات والأقذار ، ليكون { لِلطَّائِفِينَ } فيه { وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } أي : المصلين ، قدم الطواف ، لاختصاصه بالمسجد [ الحرام ] ، ثم الاعتكاف ، لأن من شرطه المسجد مطلقا ، ثم الصلاة ، مع أنها أفضل ، لهذا المعنى .
وأضاف الباري البيت إليه لفوائد ، منها : أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره ، لكونه بيت الله ، فيبذلان جهدهما ، ويستفرغان وسعهما في ذلك .
ومنها : أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام ، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه .
ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن مكانة البيت الحرام ، وعن قصة بنائه ، وعن الدعوات الخاشعات التي كان إبراهيم يتضرع بها إلى الله عند رفعه البيت فقال : { وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ . . . }
قوله - تعالى - : { وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنا } معطوف على قوله - تعالى - { وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } وجعلنا : بمعنى صرنا . والبيت : المقصود به الكعبة ، إذ غلب استعمال البيت فيها حتى صار اسما لها .
ومثابة للناس : مرجعاً للناس يرجعون إليه من كل جانب ، وهو مصدر ميمي من ثاب القوم إلى المكان رجعوا إليه . فهم يثوبون إليه ثواباً وثوبانا . أو معاذا لهم يلجأون إليه أو موضع ثواب يثابون بحجة واعتماره .
والأمن : السلامة من الخوف ، وأمن المكان : اطئمنان أهله به ، وعدم خوفهم من أن ينالهم فيه مكروه فالبيت مأمن ، أي موضع أمن . وأخبر - سبحانه - بأنه جعله أمنا ليدل على كثرة ما يقع به من الأمن حتى صار كأنه نفس الأمن .
وكذلك صار البيت الحرام محفوظاً بالأمن من كل ناحية ، فقد كان الناس في الجاهلية يقتتلون ويعتدي بعضهم على بعض من حوله ، أما أهله فكانوا في أمان واطمئنان . قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ } وقال - تعالى - : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } وقد أقرت تعاليم الإِسلام هذه لحرمة للبيت الحرام على وجه لا يضيع حقاً ولا يعطل حداً ، وزادت في تكريمه وتشريفه بأن جعلت الحج إليه فريضة على كل قادر عليها .
قال الإِمام ابن كثير : " ومضمون ما فسر به العلماء هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس . أي : جعهل محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إليه في كل عام استجابة من الله - تعالى - لدعاء خليله إبراهيم في قوله تعالى : { فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ } ويصفه - تعالى - بأنه جعله أمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له :
{ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } الاتخاذ : الجعل ، تقوم اتخذت فلاناً صديقاً أي : جعلته صديقاً . والمقام في اللغة : موضع القدمين من قام يقوم ، ومقام إبراهيم : هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه عند بناء الكعبة لما ارتفع الجدار ، وهو - على المشهور - تحت المصلى المعروف الآن بهذا الاسم .
ومعنى اتخاذ مصلى منه : القصد إلى الصلاة عنده . فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإِمام مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين " .
ومن العلماء من فسر مقام إبراهيم بالمسجد الحرام ، ومنهم من أطلقه على الكعبة لأن إبراهيم كان يقوم عندها لعبادة الله تعالى .
قال الإِمام ابن كثير : " وقد كان هذا المقام - أي الحجر الذي يسمى مقام إبراهيم - ملصقاً بجدار الكعبة قديماً ، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر على يمين الداخل من الباب في البقة المستقلة هناك ، وكان الخليل - عليه السلام - لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة . . ثم قال : وإنما أخره عن جدار الكعبة إلى موضعه الآن عمر - رضي الله عنه - ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة :
ثم قال - تعالى - : { وَعَهِدْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين والركع السجود } .
عهدنا : أمرنا وأوحينا ، و { أَن } مفسرة المأمور به أو الموصى به المشار إليه بقوله : { عَهِدْنَآ } أي : أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي .
وأضاف - سبحانه - البيت إليه والتكريم ومعنى تطهيره : صيانته من كل ما لا يليق ببيوت الله من الأقذار والأرجاس والأوثان وكل ما كان مظنة للشرك ، فالمقصود تطهيره من كل رجس حسى ومعنوى .
والطائفين : جمع طائف من طاف يطوف طوفاً وطوافاً إذا دار حول الشيء والمراد بهم : المتقربون إلى الله بالطواف حول الكعبة .
والعاكفين : جمع عاكف ، من عكف على الشيء عكوفاً إذا أقام عليه ملازماً له ، والمراد بهم : المقيمون في الحرم بقصد العبادة ، ويدخل في العبادة ، ويدخل في العبادة مدارسة العلوم الدينية وما يساعد على فهمها .
والركع السجود : الركع جمع راكع ، والسجود : جمع ساجد .
والركوع والسجود من هيئات الصلاة وأركانها ، فمعنى " والركع السجود " الصملون .
فالآية الكريمة جمعت أصناف العابدين في البيت الحرام : وهم الطائفون وإن لم يكونوا مقيمين ، كمنن يأتون لحج أو عمرة ثم ينصرفون .
والعاكفون الذين يقيمون في الحرم بقصد الإِكثار من العبادة في المسجد الحرام . والمصلون يتقربون إلى الله بالصلوات سواء أكانت فرائص أم نوافل .
ولم يعطف السجود على الركع ، لأن الوصفين متلازمان ولو عطف لتوهم أنهما وصفان مفترقان .
( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) . .
هذا البيت الحرام الذي قام سدنته من قريش فروعوا المؤمنين وآذوهم وفتنوهم عن دينهم حتى هاجروا من جواره . . لقد أراده الله مثابة يثوب إليها الناس جميعا ، فلا يروعهم أحد ؛ بل يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم . فهو ذاته أمن وطمأنينة وسلام .
ولقد أمروا أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى - ومقام إبراهيم يشير هنا إلى البيت كله وهذا ما نختاره في تفسيره - فاتخاذ البيت قبلة للمسلمين هو الأمر الطبيعي ، الذي لا يثير اعتراضا . وهو أولى قبلة يتوجه إليها المسلمون ، ورثة إبراهيم بالإيمان والتوحيد الصحيح ، بما أنه بيت الله ، لا بيت أحد من الناس . وقد عهد الله - صاحب البيت - إلى عبدين من عباده صالحين أن يقوما بتطهيره وإعداده للطائفين والعاكفين والركع السجود - أي للحجاج الوافدين عليه ، وأهله العاكفين فيه ، والذين يصلون فيه ويركعون ويسجدون فحتى إبراهيم وإسماعيل لم يكن البيت ملكا لهما ، فيورث بالنسب عنهما ، إنما كانا سادنين له بأمر ربهما ، لإعداده لقصاده وعباده من المؤمنين .
{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنّاسِ وَأَمْناً وَاتّخِذُواْ مِن مّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى ، وَعَهِدْنَا إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهّرَا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرّكّعِ السّجُودِ }
أما قوله : وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً فإنه عطف ب«إذْ » على قوله : وَإِذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ . وقوله : { وَإذِا ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ }معطوف على قوله : { يا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي } ، { واذكروا إذ ابتلى إبراهيمَ ربّه } ، { وإذ جعلنا البيت مثابة } . والبيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام .
وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها ، والسبب الذي من أجله أنثت فقال بعض نحويي البصرة : ألحقت الهاء في المثابة لما كثر من يثوب إليه ، كما يقال سيارة لمن يكثر ذلك ، ونَسّابة .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل المَثَابُ والمثابة بمعنى واحد ، نظيرة المقام والمقامة والمقام ، ذُكّر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه ، وأنثت المقامة لأنه أريد بها البقعة . وأنكر هؤلاء أن تكون المثابة كالسّيارة والنّسابة ، وقالوا : إنما أدخلت الهاء في السيارة والنسابة تشبيها لها بالداعية والمثابة مفعلة من ثاب القوم إلى الموضع : إذا رجعوا إليهم فهم يثوبون إليه مَثَابا وَمَثَابةً وَثَوَابا .
فمعنى قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ } وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا يأتونه كل عام ويرجعون إليه ، فلا يقضون منه وطرا . ومن المثاب قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم :
مَثابٌ لأفْنَاء القَبَائِلِ كُلّها تَخُبّ إلَيْهِ اليَعْمَلاتُ الصّلاَئِحُ
ومنه قيل : ثاب إليه عقله ، إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : لا يقضون منه وَطَرا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإذْ جَعَلْنا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : يثوبون إليه ، لا يقضون منه وَطَرا .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : أما المثابةُ فهو الذي يثوبون إليه كل سنة لاَ يَدَعُهُ الإنسان إذا أتاه مرّة أن يعود إليه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه .
وحدثني عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : حدثني الوليد بن مسلم ، قال : قال أبو عمرو ، حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ } قال : لا يَنْصرِف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء في قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : يثوبون إليه من كل مكان ، ولا يقضون منه وطرا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، مثله .
حدثني محمد بن عمار الأسدي ، قال : حدثنا سهل بن عامر ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن عطية في قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ } قال : لا يقضون منه وَطَرا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الهذيل ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ } قال : يحجّون ويثوبون .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الهذيل ، عن سعيد بن جبير في قوله : { مَثَابَةً للنّاسِ } قال : يحجون ، ثم يحجون ، ولا يقضون منه وطرا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا ابن بكير ، قال : حدثنا مسعر ، عن غالب ، عن سعيد بن جبير : { مَثابَةً للنّاسِ } قال : يثوبون إليه .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ وأمْنا }قال : مجمعا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس :
{ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : يثوبون إليه .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { مَثَابَةً للنّاسِ }قال : يثوبون إليه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ }قال : يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأمْنا } .
والأمن : مصدر من قول القائل أمِنَ يَأْمَنُ أَمْنا . وإنما سماه الله أمنا لأنه كان في الجاهلية مَعَاذا لمن استعاذ به ، وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرج منه ، وكان كما قال الله جل ثناؤه : { أَوَ لَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنَا حَرَما آمِنا وَيُتَخَطّف النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وأمْنا }قال : من أَمّ إليه فهو آمن كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما أمْنا فمن دخله كان آمنا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله : { وأمْنا }قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { وَأمْنا }يقول : أمنا من العدوّ أن يحمل فيه السلاح ، وقد كان في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يُسْبَوْنَ .
حدثت عن المنجاب ، قال : أخبرنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وأمْنا } قال : أمنا للناس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : { وَأمْنا }قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } .
اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } بكسر الخاء على وجه الأمر باتخاذه مصلّى وهي قراءة عامة المصرين الكوفة والبصرة ، وقراءة عامة قرّاء أهل مكة وبعض قرّاء أهل المدينة . وذهب إليه الذين قرءوه كذلك من الخبر الذي :
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت المقام مصلّى ؟ فأنزل الله : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية جميعا ، عن حميد ، عن أنس ، عن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله ، فذكر مثله .
قالوا : فإنما أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية أمرا منه نبيّهُ صلى الله عليه وسلم باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى فغير جائز قراءتها وهي أمرٌ على وجه الخبر .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } معطوف على قوله : { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي } ، { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } ، فكان الأمر بهذه الآية وباتخاذ المصلى من مقام إبراهيم على قول هذا القائل لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما :
حدثنا الربيع بن أنس بما حُدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : من الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم قوله : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } فأمرهم أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى ، فهم يصلون خلف المقام .
فتأويل قائل هذا القول : وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمّهُنّ قالَ إنّي جَاعِلُكَ للنّاسِ إماما وقال : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } . والخبر الذي ذكرناه عن عمر بن الخطاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ، يدلّ على خلاف الذي قاله هؤلاء ، وأنه أمر من الله تعالى ذكره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وجميع الخلق المكلفين .
وقرأه بعض قرّاء أهل المدينة والشام : «واتّخَذُوا » بفتح الخاء على وجه الخبر .
ثم اختلف في الذي عطف عليه بقوله : «وَاتّخَذُوا » إذا قرىء كذلك على وجه الخبر ، فقال بعض نحويي البصرة : تأويله إذا قرىء كذلك : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا وإذِ اتخذوا من مقام إبْرَاهِيمَ مصلّى .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل ذلك معطوف على قوله : جَعَلْنَا فكان معنى الكلام على قوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس واتّخَذُوه مصلى .
والصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا : وَاتّخِذُوا بكسر الخاء ، على تأويل الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى للخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا ، وأن عمرو بن عليّ :
حدثنا قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي ، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَاتّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } وفي مقام إبراهيم .
فقال بعضهم : مقام إبراهيم : هو الحجّ كله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله : { مَقامِ إبْرَاهِيمَ } قال : الحجّ كله مقام إبراهيم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : الحجّ كله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان . عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الحجّ كله مقام إبراهيم . وقال آخرون : مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رياح : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : لأني قد جعلْتُه إماما فمقامه عرفة والمزدلفة والجمار .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله :
{ وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : مقامه جمع وعرفة ومِنًى لا أعلمه إلا وقد ذكر مكة .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله :
{ وَاتخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : مقامه عرفة .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبي قال : نزلت عليه وهو واقف بعرفة مقام إبراهيم :
{ اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الآية .
حدثنا عمرو قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبي ، مثله .
وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحرم . ذكر من قال ذلك :
حدثت عن حماد بن زيد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : الحرم كله مقام إبراهيم .
وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه ، وضعف عن رفع الحجارة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سنان القزاز ، قال : حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، قال : حدثنا إبراهيم بن نافع ، قال : سمعت كثير بن كثير يحدّث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جعل إبراهيم يبنيه ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان : { رَبنا تَقَبّلْ مِنّا إنّكَ أنْتَ السّمِيعُ العَلِيمُ } فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر ، فهو مقام إبراهيم .
وقال آخرون : بل مقام إبراهيم ، هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلى } إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا مما تكلفته الأمم قبلها ، ولقد ذكرَ لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها ، فما زالت هذه الأمم يمسحونه حتى اخْلَوْلق وانمحى .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } فهم يصلون خلف المقام .
حدثني يونس ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى }وهو الصلاة عند مقامه في الحجّ . والمقام : هو الحجر الذي كانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه ، فوضع إبراهيم رجله عليه وهو راكب ، فغسلت شقه ثم دفعته من تحته وقد غابت رجله في الحجر ، فوضعته تحت الشقّ الاَخر فغسلته ، فغابت رجله أيضا فيه ، فجعلها الله من شعائره ، فقال : { وَاتّخِذوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى } .
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ما قاله القائلون إن مقام إبراهيم : هو المقام المعروف بهذا الاسم ، الذي هو في المسجد الحرام لما روينا آنفا عن عمر بن الخطاب ، ولما :
حدثنا يوسف بن سليمان ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن ، فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى } فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين . فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره إنما عنى بمقام إبراهيم الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا . ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان الواجب فيه من القول ما قلنا وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول ، حتى يأتي ما يدلّ على خلاف ذلك مما يجب التسليم له .
ولا شكّ أن المعروف في الناس بمقام إبراهيم هو المصلى الذي قال الله تعالى ذكره : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى } فإن أهل التأويل مختلفون في معناه ، فقال بعضهم : هو المُدّعَى . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى } قال : مصلى إبراهيم مُدّعًى .
وقال آخرون : معنى ذلك : اتخذوا مصلى تصلون عنده . ذكر من قال ذلك :
حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : أمروا أن يصلوا عنده .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : هو الصلاة عنده . فكأن الذين قالوا تأويل المصلى ههنا المدعَى ، وجهوا المصلى إلى أنه مفعّل من قول القائل : صليت بمعنى دعوت . وقائلو هذه المقالة هم الذين قالوا : إن مقام إبراهيم هو الحجّ كله .
فكان معناه في تأويل هذه الآية : واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار وسائر أماكن الحجّ التي كان إبراهيم يقوم بها مداعي تدعونني عندها ، وتأتمون بإبراهيم خليلي عليه السلام فيها ، فإني قد جعلته لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إماما يقتدون به وبآثاره ، فاقتدوا به .
وأما تأويل القائلين القول الاَخر ، فإنه : اتخذوا أيها الناس من مقام إبراهيم مصلى تصلون عنده ، عبادة منكم ، وتكرمة مني لإبراهيم . وهذا القول هو أولى بالصواب لما ذكرنا من الخبر عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ أنْ طَهّرَا بَيْتِي } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَعَهِدْنَا وأمرنا . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .
حدثني يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ } قال : أمرناه .
فمعنى الآية : وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين . والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت ، هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك بالله .
فإن قال قائل : وما معنى قوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أنْ طَهّرَا بَيْتِيَ لِلطائِفِينَ } وهل كان أيام إبراهيم قبل بنائه البيت بيت يطهر من الشرك وعبادة الأوثان في الحرم ، فيجوز أن يكونا أُمِرا بتطهيره ؟ قيل : لذلك وجهان من التأويل ، قد كان لكل واحد من الوجهين جماعة من أهل التأويل ، أحدهما : أن يكون معناه : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطهّرا من الشرك والريب ، كما قال تعالى ذكره : أفَمنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أمْ مَنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هارٍ ، فكذلك قوله : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أنْ طَهّرَا بَيْتِيَ } أي ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب . كما :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أنْ طَهّرَا بَيْتِيَ } يقول : ابنيا بيتي .
فهذا أحد وجهيه ، والوجه الاَخر منهما أن يكونا أُمرا بأن يطهرا مكان البيت قبل بنيانه والبيت بعد بنيانه مما كان أهل الشرك بالله يجعلونه فيه على عهد نوح ومن قبله من الأوثان ، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما ، إذ كان الله تعالى ذكره قد جعل إبراهيم إماما يقتدي به مَنْ بعده . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أنْ طَهّرَا }قال : من الأصنام التي يعبدون التي كان المشركون يعظمونها .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير : { أنْ طَهّرَا بَيتِيَ للطّائِفِينَ }قال : من الأوثان والريب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، مثله .
حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : من الشرك .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن مجاهد : { طَهّرَا بَيْتِيَ للطّائَفِينَ }قال : من الأوثان .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { طَهّرَا بَيْتِيَ للطّائِفِينَ }قال : من الشرك وعبادة الأوثان .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بمثله ، وزاد فيه : وقول الزور .
القول في تأويل قوله تعالى : للطّائِفِينَ .
اختلف أهل التأويل في معنى الطائفين في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هم الغرباء الذين يأتون البيت الحرام من غربة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير في قوله : { للطّائِفِينَ } قال : من أتاه من غربة .
وقال آخرون : بل الطائفون هم الذين يطوفون به غرباء كانوا أو من أهله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء : { للطّائِفِينَ } قال : إذا كان طائفا بالبيت ، فهو من الطائفين .
وأولى التأويلين بالآية ما قاله عطاء لأن الطائف هو الذي يطوف بالشيء دون غيره ، والطارىء من غربة لا يستحقّ اسم طائف بالبيت إن لم يطف به .
القول في تأويل قوله تعالى : { والعاكِفِينَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : { وَالعاكِفِينَ } والمقيمين به ، والعاكف على الشيء : هو المقيم عليه ، كما قال نابغة بني ذبيان :
عُكُوفا لَدَى أبْياتِهِمْ يَثْمِدُونَهُمْ *** رمى اللّهُ فِي تِلْكَ الأكُفّ الكوَانِعِ
وإنما قيل للمعتكف معتكف من أجل مقامه في الموضع الذي حبس فيه نفسه لله تعالى .
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : وَالعاكِفِينَ فقال بعضهم : عنى به الجالس في البيت الحرام بغير طواف ولا صلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء ، قال : إذا كان طائفا بالبيت فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين .
وقال بعضهم : العاكفون هم المعتكفون المجاورون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا شريك ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : { طَهّرَا بَيْتِيَ للطائِفِينَ وَالعاكِفِينَ } قال : المجاورون .
وقال بعضهم : العاكفون هم أهل البلد الحرام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَالعاكِفِينَ } قال : أهل البلد .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالعاكِفِينَ } قال : العاكفون : أهله .
وقال آخرون : العاكفون : هم المصلون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في قوله : { طَهّرَا بَيْتِي للطّائِفِينَ وَالعاكِفِينَ } قال : العاكفون : المصلون .
وأولى هذه التأويلات بالصواب ما قاله عطاء ، وهو أن العاكف في هذا الموضع : المقيم في البيت مجاورا فيه بغير طواف ولا صلاة ، لأن صفة العكوف ما وصفنا من الإقامة بالمكان . والمقيم بالمكان قد يكون مقيما به وهو جالس ومصلَ وطائف وقائم ، وعلى غير ذلك من الأحوال فلما كان تعالى ذكره قد ذكر في قوله : { أنْ طَهّرَا بَيْتِيَ للطّائِفِينَ والعاكِفِينَ والركّعِ السّجُودِ } المصلين والطائفين ، علم بذلك أن الحال التي عنى الله تعالى ذكره من العاكف غير حال المصلي والطائف ، وأن التي عنى من أحواله هو العكوف بالبيت على سبيل الجوار فيه ، وإن لم يكن مصليا فيه ولا راكعا ولا ساجدا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالرّكّعِ السّجودِ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَالرّكّعِ جماعة القوم الراكعين فيه له ، واحدهم راكع . وكذلك السجود هم جماعة القوم الساجدين فيه له واحدهم ساجد ، كما يقال رجل قاعد ورجال قعود ورجل جالس ورجال جلوس فكذلك رجل ساجد ورجال سجود . وقيل : بل عنى بالركّع السجود : المصلين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء : { وَالرّكّعِ السّجُودِ } قال : إذا كان يصلي فهو من الركّع السجود .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالرّكّعِ السجّودِ }أهل الصلاة . وقد بينا فيما مضى بيان معنى الركوع والسجود ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .
{ وإذ جعلنا البيت } أي الكعبة ، غلب عليها كالنجم على الثريا . { مثابة للناس } مرجعا يثوب إليه أعيان الزوار أو أمثالهم ، أو موضع ثواب يثابون بحجة واعتماره . وقرئ : " مثابات " أي لأنه مثابة كل أحد . { وأمنا } وموضع أمن لا يتعرض لأهله كقوله تعالى : { حرما آمنا } . ويتخطف الناس من حولهم ، أو يأمن حاجه من عذاب الآخرة من حيث أن الحج يجب ما قبله ، أولا يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه حتى يخرج ، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه . { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } على إرادة القول ، أو عطف على المقدر عاملا لإذ ، أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره توبوا إليه واتخذوا ، على أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر استحباب ، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه ، أو الموضع الذي كان فيه الحجر حين قام عليه ودعا الناس إلى الحج ، أو رفع بناء البيت وهو موضعه اليوم . روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد عمر رضي الله تعالى عنه وقال : " هذا مقام إبراهيم ، فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى ، فقال : لم أومر بذلك ، فلم تغب الشمس حتى نزلت " وقيل المراد به الأمر بركعتي الطواف ، لما روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام : لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وللشافعي رحمه الله تعالى في وجوبهما قولان . وقيل : مقام إبراهيم الحرم كله . وقيل مواقف الحج واتخاذها مصلى أن يدعى فيها ، ويتقرب إلى الله تعالى . وقرأ نافع وابن عامر { واتخذوا } بلفظ الماضي عطفا على { جعلنا } أي : واتخذوا الناس مقامه الموسوم به ، يعني الكعبة قبلة يصلون إليها . { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } أمرناهما . { أن طهرا بيتي } ويجوز أن تكون أن مفسرة لتضمن العهد معنى القول ، يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به ، أو أخلصاه . { للطائفين } حوله . { والعاكفين } المقيمين عنده ، أو المعتكفين فيه { والركع السجود } . أي المصلين ، جمع راكع وساجد .