الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (125)

وقوله : ( وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ )( {[3919]} ) [ 124 ] .

" إذ " في موضع نصب عطف على " إذ " في قوله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ) . و " إذ " ( {[3920]} ) في : ( وَإِذِ ابْتَلى ) معطوفة على النعمة( {[3921]} ) في قوله ( اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ )( {[3922]} ) أي واذكروا إذ ابتلى ، واذكروا إذ جعلنا( {[3923]} ) .

والهاء في " مثابة " دخلت للمبالغة عند الأخفش مثل نسَّابة وعلاَّمة( {[3924]} ) .

وقال الكوفيون : " أُنِّثَ " ( {[3925]} ) لأنه أريد به البقعة التي يثاب( {[3926]} ) إليها ، أي : يرجع إليها ، كما قالوا : المقامة على تأنيث البقعة ، والمقام على تذكير المكان( {[3927]} ) .

ومعنى ( مَثَابَةً ) : " لا يقضون( {[3928]} ) منه وطراً " . قاله مجاهد( {[3929]} ) :

وقال السدي : " إذا أتاه مرة لا يدعه( {[3930]} ) حتى يعود إليه( {[3931]} ) " .

وقيل : معناه : لا ينصرف عنه منصرف إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطراً( {[3932]} ) .

قوله : ( وَأَمْناً ) [ 124 ] . هذا كان في الجاهلية لأنهم كانوا إذا لقي أحدهم قاتل أبيه وأخيه في الحرم لم( {[3933]} ) يؤذه( {[3934]} ) حتى يخرج منه ، قال( {[3935]} ) تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوَا اَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً امِناً ويُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمُ )( {[3936]} )( {[3937]} ) .

ويروى أن عمر( {[3938]} ) قال : " قلت يا رسول الله ، لو اتخذت المقام مصلى ، فأنزل الله عز وجل : ( وَاتَّخَذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى )( {[3939]} ) . فهذا على قراءة من كَسَر الخاء( {[3940]} ) ، كأنه أمر من الله عز وجل بذلك .

فأما مَن فتح( {[3941]} ) فهو خبر معطوف على النعمة عند الأخفش كأنه قال : " اذكروا نعمتي واذكروا إذ اتخذوا " ( {[3942]} ) .

وقال غيره : " هو معطوف على ( جَعَلْنَا ) " ( {[3943]} ) .

والمقام هو الذي يصلى( {[3944]} ) إليه اليوم . وهو الحجر الذي قام عليه إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ارتفع بناؤه/ وضعف عن حمل الحجارة ، فكان إسماعيل صلى الله عليه وسلم يُناوِله الحجارة ويقولان : ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) . قاله ابن/ عباس( {[3945]} ) .

وروي عن ابن عباس أيضاً أن المقام هو الحج كله( {[3946]} ) . وكذلك قال مجاهد وعلماء( {[3947]} ) .

وقيل : هو عرفة والمزدلفة ، والجمار . روي ذلك( {[3948]} ) عن عطاء( {[3949]} ) .

وقيل : مقامه عرفة( {[3950]} ) .

وعن مجاهد أنّ " مقامه الحرمُ كله " ( {[3951]} ) .

وقال الربيع بن( {[3952]} ) أنس : " المقام هو الحجر الذي وضعت زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه ، فوضع رجله عليه وهو راكب ، فغسلت شقه ثم رفعته من تحته وقد غابت رجله في الحَجَر ، فوضعته تحت الشق الآخر/ فغابت رجله أيضاً فيه " ( {[3953]} ) .

وقال عمر بن الخطاب( {[3954]} ) : " وافقني ربي في ثلاثة( {[3955]} ) ، قلت يا رسول الله ، لو اتخذت [ مقام ]( {[3956]} ) إبراهيم مصلى . فأنزل الله تعالى : ( وَاتَّخَذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ ) وأشرت على النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، فأنزل الله سبحانه( {[3957]} ) آية الحجاب ، وعظت نساء النبي فقلت لهن : لئن لم تنتهين( {[3958]} ) ليبدلنه الله خيراً منكن ، فأنزل الله عز وجل : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ )( {[3959]} )( {[3960]} ) .

ومعنى ( مُصَلَّى ) : " مدعى يدعون عنده " . قاله مجاهد( {[3961]} ) .

وقال قتادة : " مصلى يصلون إليه " ( {[3962]} ) .

قوله : ( أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ )[ 124 ] .

أي : من الشرك والأوثان .

وقيل له بيت ولم يكن ثَمَّ بيت ، لأنه كان بيتاً في عهد نوح صلى الله عليه وسلم فأمره أن يطهره( {[3963]} ) قبل( {[3964]} ) بنيانه من الأوساخ ؛ من الأصنام وغيرها( {[3965]} ) .

وقيل : معناه أنهما أمرا( {[3966]} ) ببنيانه( {[3967]} ) مطهراً من الشرك( {[3968]} ) . و( لِلطَّائِفِينَ )( {[3969]} ) هم الغرباء( {[3970]} ) .

وقيل : هم كل من يطوف حوله ، وهو أبين( {[3971]} ) .

و( العَاكِفِينَ ) ؛ قال عطاء : " هم الجالسون من غير طواف " ( {[3972]} ) .

وقال مجاهد : " العاكفون المقيمون به ، المجاورون له من الغرباء " ( {[3973]} ) .

وقال سعيد بن( {[3974]} ) جبير : العاكفون هم أهل البلد " ( {[3975]} ) .

وقال ابن عباس : " العاكفون المصلون " ( {[3976]} ) .

وقوله : ( وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) [ 124 ] يمنع من هذا القول .

والاختيار عند جماعة أن يكون العاكف المجاور( {[3977]} ) للبيت بغير/ صلاة ولا طواف . وهو قول عطاء وغيره .


[3919]:- في ق: خلنا. وهو تحريف.
[3920]:- في ع2، ع3: في قوله.
[3921]:- في ق، ع3: النعت. وهو تحريف.
[3922]:- في ع3: نعمتي التي.
[3923]:- انظر: جامع البيان 3/25.
[3924]:- انظر: معانيه 1/146-147.
[3925]:- في ق: أنت. وفي ع3: أثر. وكلاهما تحريف.
[3926]:- في ع2، ع3: يتاب.
[3927]:- في ع2، ع3: المقام. وهو خطأ.
[3928]:- في ع2، ع3: منها.
[3929]:- انظر: جامع البيان 3/73، والدر المنثور 1/239.
[3930]:- في ع2: يده. وفي ع3: يذل. وكلاهما تحريف.
[3931]:- انظر: جامع البيان 3/27.
[3932]:- انظر: المصدر السابق.
[3933]:- في ع3: ولم.
[3934]:- في ع2: يؤده.
[3935]:- في ع3: قال الله.
[3936]:- العنكبوت آية 67.
[3937]:- وهو قول ابن زيد في جامع البيان 3/29.
[3938]:- في ع3: عمر رضي الله عنه.
[3939]:- انظر: صحيح البخاري 1/105، 6/149، وسنن الترمذي 5/206، وسنن ابن ماجه 1/322.
[3940]:- وهي قراءة ابن كثير وعاصم وأبي عمرو، وحمزة والكسائي. انظر: كتاب السبعة 170، والكشف 1/163، والتبصرة 155، والتيسير 76، والحجة 113، والنشر 2/222.
[3941]:- وهي قراءة نافع وابن عامر. المصادر السابقة وكتاب العنوان 71.
[3942]:- تفسير القرطبي 2/111.
[3943]:- وهو قول المهدوي في تفسير القرطبي 2/111.
[3944]:- في ع1، ع2: يصلي.
[3945]:- انظر: جامع البيان 3/34-35.
[3946]:- انظر: الدر المنثور 1/291.
[3947]:- انظر: جامع البيان 3/33، والمحرر الوجيز 1/353.
[3948]:- سقط من ع2، ع3.
[3949]:- انظر: جامع البيان 3/33، والمحرر الوجيز 1/353.
[3950]:- وهو قول ابن عباس. انظر: جامع البيان 3/34.
[3951]:- انظر: جامع البيان 3/34، وتفسير القرطبي 2/113.
[3952]:- في ع1، ق: ابن. وهو خطأ.
[3953]:- القول لابن مسعود في تفسيره 2/74، وللسدي في جامع البيان 3/35-36، وتفسير ابن كثير 1/169.
[3954]:- في ع3: الخطاب رضي الله عنه.
[3955]:- في ح: ثلاث.
[3956]:- سقط من ع1، ع2.
[3957]:- في ع3: عز وجل.
[3958]:- في ع1، ح، ق: تنتهين. وهو خطأ.
[3959]:- التحريم آية 5.
[3960]:- انظر: تفسير القرطبي 2/112، وتفسير ابن كثير 1/166، ولباب النقول 28.
[3961]:- انظر: جامع البيان 3/37، تفسير القرطبي 2/113.
[3962]:- المصدر السابق.
[3963]:- في ع2: يظهره.
[3964]:- في ع3، قيل. وهو تصحيف.
[3965]:- انظر: جامع البيان 3/39.
[3966]:- في ع2: أمر.
[3967]:- في ع3، ق، بنيانه. وهو خطأ.
[3968]:- انظر: جامع البيان 3/38.
[3969]:- في ع3: الطائفون.
[3970]:- وهو قول سعيد بن جبير. انظر: تفسير القرطبي 2/114.
[3971]:- وهو قول عطاء. انظر: المرجع السابق.
[3972]:- انظر: المرجع السابق.
[3973]:- انظر: المرجع السابق.
[3974]:- في ق: ابن. وهو خطأ.
[3975]:- انظر: جامع البيان 3/43، والمحرر الوجيز 1/354، وتفسير ابن كثير 1/171.
[3976]:- المصدر السابق.
[3977]:- في ق: المجار. وهو تحريف.