بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (125)

قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً } ، يقول : وضعنا البيت ، يعني الكعبة معاداً لهم ، يعودون إليه مرة بعد مرة . وقال قتادة : مجمعاً للناس يثوبون إليه من كل جهة ، وفي كل سنة فلا يقضون منها وطراً . { وَأَمْناً } ، أي جعلناه أمناً لمن التجأ إليه ، يعني من وجب عليه القصاص . ولهذا قالوا : لو أن رجلاً وجب عليه القصاص فدخل الحرم ، لا يقتص منه في الحرم . وهكذا روي عن ابن عمر أنه قال : لو وجدت قاتل عمر في الحرم ، ما هيجته ، أي ما أزعجته ولكن يمنع منه المنافع ، حتى يضطر ويخرج فيقتص منه . ويقال : { آمنا }ً لغير الممتحنين ، وهي الصيود إذا دخلت الحرم أمنت . ويقال : آمناً من الجذام .

ثم قال تعالى : { واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى } ، قرأ نافع وابن عامر { واتخذوا } بفتح الخاء على وجه الخبر ، معناه : جعلنا البيت مثابة للناس فاتخذوه مصلى . وقرأ الباقون بكسر الخاء على معنى الأمر . قال : حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا الديلمي قال : حدثنا أبو عبيد الله قال : حدثنا سفيان ، عن زكريا بن زائدة ، عمن حدثه ، عن عمر بن الخطاب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت يوم الفتح ، فلما فرغ من طوافه أتى المقام فقال : «هذا مَقَامُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ » ، فقال عمر : أفلا تتخذه مصلى يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : { واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى } ويقال : المسجد الحرام كله مقام إبراهيم عليه السلام هكذا روي عن مجاهد وعطاء .

وقوله تعالى : { وَعَهِدْنَا إلى إبراهيم وإسماعيل } ، أي أمرنا إبراهيم وإسماعيل : { أَن طَهّرَا بَيْتِيَ } ، أي مسجدي من الأوثان ، ويقال : من جميع النجاسات ، ثم قال : { لِلطَّائِفِينَ } ، أي طهرا المسجد من الأوثان والنجاسات ، لأجل الطائفين الذين يطوفون بالبيت وهم الغرباء ، { والعاكفين } وهم أهل الحرم المقيمون بمكة من أهله وغيرهم { والركع السجود } ، أي أهل الصلاة من كل جهة من الآفاق . قرأ نافع وعاصم في رواية حفص { طَهّرَا بَيْتِيَ } بنصب الياء وقرأ الباقون بسكون الياء .