المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

11- وإذا أبصروا متاعاً للتجارة أو لهواً تفرقوا إليها وتركوك قائماً تخطب ، قل : إن ما عند الله من الفضل والثواب أنفع لكم من اللهو ومن التجارة ، والله خير الرازقين ، فاطلبوا رزقه بطاعته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

قوله عز وجل :{ وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما } الآية ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا خالد بن عبد الله ، أنبأنا حصين عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فثار الناس إلا اثني عشر رجلاً فأنزل الله : { وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها } . ويحتج بهاذ الحديث من يرى الجمعة باثني عشر رجلاً ، وليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون حجة ، لاشتراط هذا العدد . وقال ابن عباس في رواية الكلبي : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط . وقال الحسن وأبو مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " . وقال مقاتل : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة ، وكان إذا قدم لم تبق بالمدينة عاتق إلا أتته ، وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه ، فقدم ذات جمعة ، وكان ذلك قبل أن يسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب ، فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم بقي في المسجد ؟ فقالوا : اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء ، فأنزل الله هذه الآية . وأراد باللهو الطبل . وقيل : كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق . وقوله : { انفضوا إليها } رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم . وقال علقمة : سئل عبد الله بن عمر : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً ؟ قال : أما تقرأ { وتركوك قائماً } .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد ، أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد ابن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا أبو الأحوص ، عن سماك عن جابر بن سمرة قال : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس " . وبهذا الإسناد عن جابر بن سمرة قال : " كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً " . والخطبة فريضة في صلاة الجمعة ، ويجب أن يخطب قائماً خطبتين ، وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة : أن يحمد الله ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوصي بتقوى الله ، هذه الثلاثة فرض في الخطبتين جميعاً ، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن ، ويدعو للمؤمنين في الثانية ، فلو ترك واحدة من هذه الخمس لا تصح جمعته عند الشافعي ، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه . وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة ، وهو مأمور بالخطبة .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا عبد الله بن يوسف بن محمد بن مأمونة ، أنبأنا أبو سعيد أحمد من محمد بن زياد البصري بمكة ، حدثنا الحسن بن الصباح الزعفراني ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع أن مروان استخلف أبا هريرة على المدينة ، فصلى بهم أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية : { إذا جاءك المنافقون }( المنافقون- 1 ) فقال عبيد الله : فلما انصرف مشيت إلى جنبه فقلت له : لقد قرأت بسورتين سمعت علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الصلاة ؟ فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن ضمرة بن سعيد المازني ، عن عبيد الله بن عتبة " أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة ؟ فقال : كان يقرأ ب { هل أتاك حديث الغاشية } " .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب { سبح اسم ربك الأعلى } و{ هل أتاك حديث الغاشية } وربما اجتمع في يوم واحد فيقرأ بهما " . ولجواز الجمعة خمس شرائط : الوقت وهو : وقت الظهر ما بين زوال الشمس إلى دخول وقت العصر ، والعدد ، والإمام ، والخطبة ، ودار الإقامة ، فإذا فقد شرط من هذه الخمسة يجب أن يصلوها ظهراً . ولا يجوز للإمام أن يبتدئ الخطبة قبل اجتماع العدد ، وهو عدد الأربعين عند الشافعي ، فلو اجتمعوا وخطب بهم ثم انفضوا قبل افتتاح الصلاة أو انتقص واحد من العدد لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة ، بل يصلي الظهر ، ولو افتتح بهم الصلاة ثم انفضوا ، فأصح أقوال الشافعي : أن بقاء الأربعين شرط إلى آخر الصلاة ، كما أن بقاء الوقت شرط إلى آخر الصلاة فلو انتقص واحد منهم قبل أن يسلم الإمام يجب على الباقين أن يصلوها أربعاً . وفيه قول آخر : إن بقي معه اثنان أتمها جمعة . وقيل : إن بقي معه واحد أتمها جمعة ، وعند المزني إن انفضوا بعد ما صلى الإمام بهم ركعة أتمها جمعة ، وإن بقي وحده فإن كان في الركعة الأولى يتمها أربعاً وإن انتقص من العدد واحد ، وبه قال أبو حنيفة في العدد الذي شرطه كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فإذا سلم الإمام أتمها جمعة فإن أدرك أقل من ركعة أتمها أربعاً . قوله عز وجل : { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة } أي ما عند الله من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من اللهو ومن التجارة ، { والله خير الرازقين } لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسألوا ومنه فاطلبوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } أي : خرجوا من المسجد ، حرصًا على ذلك اللهو ، و [ تلك ] التجارة ، وتركوا الخير ، { وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } تخطب الناس ، وذلك [ في ] يوم جمعة ، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ، إذ قدم المدينة ، عير تحمل تجارة ، فلما سمع الناس بها ، وهم في المسجد ، انفضوا من المسجد ، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استعجالًا لما لا ينبغي أن يستعجل له ، وترك أدب ، { قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ } من الأجر والثواب ، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله .

{ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } التي ، وإن حصل منها بعض المقاصد ، فإن ذلك قليل منغص ، مفوت لخير الآخرة ، وليس الصبر على طاعة الله مفوتًا للرزق ، فإن الله خير الرازقين ، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب .

وفي هذه الآيات فوائد عديدة :

منها : أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين ، يجب عليهم السعي لها ، والمبادرة والاهتمام بشأنها .

ومنها : أن الخطبتين يوم الجمعة ، فريضتان{[1099]}  يجب حضورهما ، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين ، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له .

ومنها : مشروعية النداء ليوم الجمعة ، والأمر به .

ومنها : النهى عن البيع والشراء ، بعد نداء الجمعة ، وتحريم ذلك ، وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه ، فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحًا في الأصل ، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب ، فإنه لا يجوز في تلك الحال .

ومنها : الأمر بحضور الخطبتين{[1100]}  يوم الجمعة ، وذم من لم يحضرهما ، ومن لازم ذلك الإنصات لهما .

ومنها : أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله ، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [ والتجارات ] والشهوات ، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات ، وما لمؤثر رضاه على هواه .

تم تفسير سورة الجمعة ، ولله الحمد والثناء{[1101]} .


[1099]:- في ب: فريضة.
[1100]:- كذا في ب، وفي أ: الخطبة.
[1101]:- في ب: بمن الله وعونه والحمد لله رب العالمين.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بعتاب يحمل فى طياته ثوب التأديب والإرشاد والتأنيب ، لمن آثر مطالب الدنيا على مطالب الآخرة فقال - تعالى - : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ . . } .

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : يعاتب - تبارك وتعالى - على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة ، التى قدمت المدينة يومئذ ، فقال : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً . . } .

فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن جابر قال : قدمت عِيرٌ - أى : تجارة - المدينة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة - فخرج الناس ، وبقى اثنا عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية .

وفى رواية عن جابر - أيضا - أنه قال : " بينما النبى - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة ، فقدمت عير إلى المدينة ، فابتدرها الناس ، حتى لم يبق مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " والذى نفسى بيده ، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد ، لسال بكم الوادى نارا " ونزلت هذه الآية . . "

وفى رواية أن الذين بقوا فى المسجد كانوا أربعين ، وأن العير كانت لعبد الرحمن بن عوف ، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر .

وفى رواية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب ، فقدم دحية الكلى بتجارة له . فتلقاه أهله بالدفوف . فخرج الناس .

و " إذا " فى قوله - تعالى - : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً . . } ظرف للزمان الماضى المجرد عن الشرط ، لأن هذه الآية نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن انفض عنه من انفض وهو يخطب وقوله : { انفضوا } من الانفضاض ، بمعنى التفرق . يقال : انفض فلان عن فلان إذا تركه وانصرف عنه ، وهو من الفض ، بمعنى كسر الشىء والتفريق بين أجزائه .

والضمير فى قوله { إِلَيْهَا } يعود للتجارة ، وكانت عودته إليها دون اللهو ، لأن الانفضاض كان لها بالأصالة ، والمراد باللهو هنا : فرحهم بمجىء التجارة واستقبالهم لها بالدفوف ، لأنهم كانوا فى حالة شديدة من الفقر وغلاء الأسعار .

والتعبير بأو يشير إلى أن بعض المنفضين قد انفضوا من أجل التجارة ، وأن البعض الآخر قد انفض من أجل اللهو .

قال الجمل فى حاشيته : والذى سوغ لهم الخروج وترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز ، لانقضاء المقصود وهو الصلاة ، لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - فى أول الإسلام يصلى الجمعة قبل الخطبة كالعيدين ، فلما وقعت هذه الواقعة ، ونزلت الآية ، قدم الخطبة وأخر الصلاة .

وقوله - سبحانه - : { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } جملة حالية من فاعل { انفضوا } والمقصود بها توبيخ على هذا التصرف ، حيث تركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا يخطب على المبنر ، وانصرفوا إلى التجارة واللهو .

وقوله - سبحانه - : { قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة والله خَيْرُ الرازقين } إرشاد لهم إلى ما هو الأنفع والأبقى والأكرم لهم .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الذين انفضوا عنك وأنت تخطب . . . قل لهم : ما عند الله - تعالى - من ثواب ومن عطاء خير من اللهو الذى يشغلكم عن ذكر الله ، ومن التجارة التى تبتغون من ورائها الربح المادى ، والمنافع العاجلة .

والله - تعالى - هو خير الرازقين لأنه - سبحانه - هو وحده الذى يقسم الأرزاق ، وهو الذى يعطى ويمنع ، كما قال - سبحانه - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم } وقدمت التجارة على اللهو فى صدر الآية ، لأن رؤيتها كانت الباعث الأعظم على الانفضاض إليها ، وترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائما يخطب على المنبر ، ولم يبق معه إلا عدد قليل من أصحابه .

وأخرت فى آخر الآية وقدم اللهو عليها ، ليكون ذمهم على انفضاضهم أشد وأوجع ، حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك .

هذا ، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :

1 - فضل يوم الجمعة ، وفضل صلاة يوم الجمعة ، والتحذير من ترك أدائها .

ومن الأحاديث التى وردت فى هذا المعنى ، ما رواه مسلم وأبو داود والنسائى عن أبى هرير ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمع ، فيه خلق آدم . وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا فى يوم الجمعة " .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أنه سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول : " نحن الآخرون - أى : زمنا - السابقون يوم القيامة قبل غيرهم - ، بيد أنهم - أى : اليهود والنصارى - أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم - أى : تعظيمه - فاختلفوا فيه فهدانا الله ، فالناس لنا فيه تبع : اليهود غدا - أى : السبت - والنصارى بعد غد - أى : الأحد - " .

وروى مسلم والنسائى عن ابن عمر أنه سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد مبره : " لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجمعات - أى : تركهم صلاة الجمعة - أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين .

. " .

قال القربطى ما ملخصه : وإنما سميت الجمعة جمعة ، لأنها مشتقة من الجمع حيث يجتمع الناس فيها للصلاة . . . وكان يقال ليوم الجمعة : العَرُوبة . .

قال البيهقى : وروينا عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب الزهرى ، أن مصعب بن عمير ، كان أول من جمَّع الجمعة بالمدينة بالمسلمين ، قبل أن يهاجر إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

ثم قال القرطبى : وأما أول جمعة جمعها - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ، قال أهل السير والتاريخ : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا حتى نزل بقباء ، على بنى عمروا بن عوف ، يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى - ومن تلك السنة يعد التاريخ - فأقام بقباء إلى يوم الخميس ، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة ، فأدركته الجمعة فى بنى سالم بن عوف ، فى بطن وادٍ لهم ، فجمع بهم وخطب ، وهى أول خطبة خطبها بالمدينة ، وقال فيها : الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، وأستغفره ، وأستهديه . . .

2 - الآية الكريمة وإن كانت قد أمرت المؤمنين بالسعى إلى صلاة الجمعة عند النداء لها ، إلا أن هناك أحاديث متعددة تحض على التبكير بالحضور إليها ، وبالغسل لها ، وبمس الطب ، وبالحضور إليها على أحسن حالة . . .

ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة - أى : كغسل الجنابة - ثم راح إلى المسجد ، فكأنما قرب بدنة - أى : ناقة ضخمة . . . . ومن راح فى الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح فى الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن - أى له قرون - ومن راح فى الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " .

وروى ابن ماجه عن ابن مسعود قال : سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر تراوحهم إلى الجمعات ، الأول ثم الثانى ثم الثالث ثم الرابع ، وما رابع أربعة من الله ببعيد " .

وروى الشيخان عن أبى سعيد الخدرى ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ، ويلبس من صالح ثيابه ، وإن كل طيب مس منه . . . " .

3 - أخذ العلماء من قوله - تعالى - : { . . . إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع . . . } أن صلاة الجمعة فريضة محكمة ، وأن السعى لأدائها واجب ، وأن ترك ذلك محرم شرعا .

. .

ومن المعروف بين العلمءا أن الأمر يقتضى الوجوب ، ما لم يوجد له صارف ، ولا صارف له هنا . . .

قال الإمام القرطبى : فرض الله - تعالى - الجمعة على كل مسلم ، ردا على من يقول : إنها فرض على الكفاية ، ونقل عن بعض الشافعية أنها سنة .

وجمهور الأمة الأئمة أنها فرض على الأعيان ، لقوله - تعالى - : { . . . إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع . . . } .

وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لينتهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعَاتِ أو ليخَتِمَنَّ الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين " .

وهذا حجة واضحة فى وجوب الجمعة وفرضيتها . .

قال بعض العلماء : جاء فى الآية الكريمة الأمر بالسعى ، والأمر للوجوب فيكون السعى واجبا ، وقد أخذ العلماء من ذلك أن الجمعة فريضة ، لأنه - سبحانه - قد رتب الأمر للذكر على النداء للصلاة ، فأذا كان المراد بالذكر هو الصلاة ، فالدلالة ظاهرة ، لأنه لا يكون السعى لشىء واجبا ، حتى يكون ذلك الشىء واجبا .

وأما إذا كان المراد بالذكر الخطبة فقط ، فهو كذلك لأن الخطبة شرط الصلاة ، وقد أمر بالسعى إليه ، والأمر للوجوب ، فإذا وجب السعى للمقصود تبعا ، فما ذلك إلا لأن المقصود بالذات واجب . .

كما أن الاشتغال بالبيع أو الشراء وقت النداء محرم ، لأن الأمر للوجوب ، وقال بعضهم : هو مكروه كراهة تحريم .

ومما يدل على أن صلاة الجمعة فريضة محكمة ، وأن السعى إليها واجب ، وأن الاشتغال عنها بالبيع أبو الشراء محرم ، ما جاء فى الأحاديث من الأمر بالمحافظة عليها ، ومن التحذير من تركها ، ومن ذلك ما رواه أبو داود من حديث أبى الجعد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها ، طبع الله على قلبه " .

4 - قوله - تعالى - : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض . . } يدل دلالة واضحة ، على سمو شريعة الإسلام ، وعلى سماحتها ويسرها ، وجمعها بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة .

ومع أن هذا الأمر بالانتشار بعد الصلاة للإباحة - كما سبق أن قلنا - إلا أن بعض السف كان إذا انتهت الصلاة ، خرج من المسجد ، ودار فى السوق ساعة ، ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء أن يصلى .

قال الإمام ابن كثير : كان عراك بن مالك - أحد كبار التابعين - أحد كبار التابعين - إذا صلى الجمعة ، انصرف فوقف على باب المسجد وقال : اللهم إنى أجبت دعوتك وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتنى ، فارزقنى من فضلك وأنت خير الرازقين .

هذا ، وهناك أحكام أخرى توسع المفسرون والفقهاء فى الحديث عنها ، فليرجع إليها من شاء المزيد من معرفة هذه الأحكام والآداب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . قل : ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة . والله خير الرازقين ) . .

عن جابر - رضي الله عنه - قال : " بينا نحن نصلي مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذ أقبلت عير تحمل طعاما ، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلا اثنا عشر رجلا ، منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . فنزلت : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) . . "

وفي الآية تلويح لهم بما عند الله وأنه خير من اللهو ومن التجارة . وتذكير لهم بأن الرزق من عند الله ( والله خير الرازقين ) . .

وهذا الحادث كما أسلفنا يكشف عن مدى الجهد الذي بذل في التربية وبناء النفوس حتى انتهت إلى إنشاء تلك الجماعة الفريدة في التاريخ . ويمنح القائمين على دعوة الله في كل زمان رصيدا من الصبر على ما يجدونه من ضعف ونقص وتخلف وتعثر في الطريق . فهذه هي النفس البشرية بخيرها وشرها . وهي قابلة أن تصعد مراقي العقيدة والتطهر والتزكي بلا حدود ، مع الصبر والفهم والإدراك والثبات والمثابرة ، وعدم النكوص من منتصف الطريق . والله المستعان

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ مّنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا انْفَضّوا إلَيْها يعني أسرعوا إلى التجارة وَتَركُوكَ قائما يقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم : وتركوك يا محمد قائما على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفضّ القوم إليها ، وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما كانت زيتا قدم به دحية بن خليفة من الشام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي مالك ، قال : قدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، قال : فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن قرة إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : جاء دحية الكلبي بتجارة والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم في الصلاة يوم الجمعة ، فتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وخرجوا إليه ، فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما حتى ختم السورة .

حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة ، فمرّت عير تحمل الطعام ، قال : فخرج الناس إلا اثني عشر رجلاً ، فنزلت آية الجمعة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن : إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر ، فقدمت عير والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فسمعوا بها ، فخرجوا والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم ، كما قال الله عزّ وجلّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما قال : جاءت تجارة فانصرفوا إليها ، وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقينَ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإذَا رَأَوْا تجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها قال : رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال : كم أنتم ؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم قال سفيان : ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة ، فقال : كم أنتم ، فعدّوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال كم أنتم ؟ فعدّوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتّبَعَ آخِرُكمْ أوّلكمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الوَادي نارا » وأنزل الله عزّ وجلّ : وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله انْفَضوا إلَيْها وَتَركُوكَ قَائما قال : لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارا .

قال : ثنا ابن ثور ، قال معمر ، قال قتادة : لم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة معهم .

حدثنا محمد بن عمارة الرازي ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سالم وأبي سفيان ، عن جابر ، في قوله وَتَرَكُوكَ قائما قال : قدمت عير فانفضّوا إليها ، ولم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلى ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن سالم ، عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً ، قال : فنزلت هذه الاَية في الجمعة وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما .

وأما اللهو ، فإنه اختُلف من أيّ أجناس اللهو كان ، فقال بعضهم : كان كَبَرا ومزامير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرّون بالكبر والمزامير ويتركون النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ، وينفضون إليها ، فأنزل الله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها .

وقال آخرون : كان طبلاً . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : اللهو : الطبل .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، قال : ذكر عبد الله بن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكير ، عن مجاهد أن اللهو : هو الطبل .

والذي هو أولى بالصواب في ذلك الخبر الذي رويناه عن جابر ، لأنه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم .

وقوله : قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد الذي عند الله من الثواب ، لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضون إليها وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقِينَ يقول : والله خير رازق ، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم ، وإياه فأسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره .