قوله تعالى :{ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل } يعني : أمرناه وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة { من قبل } أي من هؤلاء الذين نقضوا عهدك وتركوا الإيمان بي ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى : { لعلهم يتقون } { فنسي } فترك الأمر والمعنى أنهم نقضوا العهد ، فإن آدم أيضاً عهدنا إليه فنسي { ولم نجد له عزماً } قال الحسن : لم نجد له صبراً عما نهى الله عنه . وقال عطية العوفي : حفظاً لما أمر به . وقال ابن قتيبة : رأياً معزوماً حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له . والعزم في اللغة : هو توطين النفس على الفعل . قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم بحلم جميع ولده لرجح حلمه ، وقد قال الله : { ولم نجد له عزماً } فإن قيل : أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة ؟ قيل : يجوز أن يكون نسي أمره ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان ، بل كان مؤاخذاً به ، وإنما رفع عنا . وقيل : نسى عقوبة الله وظن أنه نهاه تنزيهاً .
{ 115 } { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا }
أي : ولقد وصينا آدم وأمرناه ، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به ، فالتزمه ، وأذعن له وانقاد ، وعزم على القيام به ، ومع ذلك نسي ما أمر به ، وانتقضت عزيمته المحكمة ، فجرى عليه ما جرى ، فصار عبرة لذريته ، وصارت طبائعهم مثل طبيعته ، نسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد ، وهم كذلك ، وبادر بالتوبة من خطيئته ، وأقر بها واعترف ، فغفرت له ، ومن يشابه أباه فما ظلم .
ثم ساق - سبحانه - جانبا من قصة آدم - عليه السلام - فذكر لنا كيف أنه نسى عهد ربه له ، فأكل من الشجرة التى نهاه الله - تعالى - عن الأكل منها ، ومع ذلك فقد قبل - سبحانه - توبته ، وغسل حوبته . . . قال - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ . . . } .
اللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ . . . } هى الموطئة للقسم ، والمعهود محذوف ، وهو النهى عن الأكل من شجرة معينة ، كما وضحه فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين } أى : والله لقد عهدنا إلى آدم - عليه السلام - وأوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة { مِن قَبْلُ } أن يخالف أمرنا فيقربها ويأكل منها ، أو من قبل أن نخبرك بذلك - أيها الرسول الكريم - .
والفاء فى قوله { فَنَسِيَ } للتعقيب ، والمفعول محذوف . أى : فنسى العهد الذى أخذناه عليه بعدم الأكل منها .
والنسيان هنا يرى بعضهم أنه بمعنى الترك ، وقد ورد النسيان بمعنى الترك فى كثير من آيات القرآن الكريم . ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا } أى : نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة .
وعليه يكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة فترك الوفاء بعهدنا وخالف ما أمرناه به .
وعلى هذا التفسير فلا إشكال فى وصف الله - تعالى - له بقوله : { ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } لأن آدم بمخالفته لما نهاه الله - تعالى - عنه وهو الأكل من الشجرة - صار عاصيا لأمر ربه .
ومن العلماء من يرى أن النسيان هنا على حقيقته ، أى : أنه ضد التذكر فيكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ما عاهدناه عليه ، وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه ، وهو الأكل من الشجرة .
فإن قيل : إن الناسى معذور . فكيف قال الله - تعالى - فى حقه : { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } فالجواب : أن آدم - عليه السلام - لم يكن معذورا بالنسيان ، لأن الذر بسبب الخطأ والنسيان والإكراه . من خصائص هذه الأمة الإسلامية ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ . . } . للنسيان معنيان : أحدهما : الترك ، أى ترك الأمر والعهد ، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ، ومنه { نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ } وثانيهما : قال ابن عباس : " نسى " هنا من السهو والنسيان ، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسى . . . وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم فى ذلك الوقت مؤاخذا بالنسيان ، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا .
والمراد تسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - أى : أن طاعة بنى آدم للشيطان أمر قديم أى : إن نقَض هؤلاء - المشركون - العهد ، فإن آدم - أيضا - عهدنا إليه فنسى . . . " .
وقوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } مقرر لما قبله من غفلة آدم عن الوفاء بالعهد .
قال الجمل : وقوله : { نَجِدْ } يحتمل أنه من الوجدان بمعنى العلم ، فينصب مفعولين ، وهما " له " و " عزما " ويحتمل أنه من الوجود الذى هو ضد العدم فينصب مفعولا وهو { عَزْماً } والجار والمجرور متعلق بنجد .
والعزم : توطين النفس على الفعل ، والتصميم عليه ، والمضى فى التنفيذ للشىء . .
أى : فنسى آدم عهدنا ، ولم نجد له ثبات قدم فى الأمور ، يجعله يصبر على عدم الأكل من الشجرة بل لانت عريكته وفترت همته بسبب خديعة الشيطان له .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } .
يقول تعالى ذكره : وإن يضيع يا محمد هؤلاء الذين نصرّف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي ، ويخالفوا أمري ، ويتركوا طاعتي ، ويتبعوا أمر عدوّهم إبليس ، ويطيعوه في خلاف أمري ، فقديما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَقَدْ عَهِدْنا إلَيْهِ يقول : ولقد وصينا آدم وقلنا له : إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنّكُما منَ الجَنّةِ فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ، وخالف أمري ، فحلّ به من عقوبتي ما حلّ .
وعنى جلّ ثناؤه بقوله : مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد في هذا القرآن وقوله : فَنَسِيَ يقول : فترك عهدي ، كما :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ " يقول : فترك .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَنَسِيَ قال : ترك أمر ربه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : قال له " يا آدَمُ إِن هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِك فَلا يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الجَنّةِ فَتَشْقَى " فقرأ حتى بلغ : " لا تَظْمَأُ فِيها وَلا تَضْحَى " ، وقرأ حتى بلغ : " وَمُلْكٍ لا يَبْلَى " قال : فنسي ما عهد إليه في ذلك ، قال : وهذا عهد الله إليه ، قال : ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده ، وأبى أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبليس ، وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه ، وأمر ملائكته فسجدوا له .
حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن ، ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما سُمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي .
وقوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " اختلف أهل التأويل في معنى العزم ها هنا ، فقال بعضهم : معناه الصبر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " أي صبرا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " ، قال : صبرا .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجاني ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، مثله .
وقال آخرون : بل معناه : الحفظ ، قالوا : ومعناه : ولم نجد له حفظا لما عهدنا إليه . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا .
حدثنا عباد بن محمد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته به .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجد له حفظا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : العزم : المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه ، والتمسك به .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجعل له عزما .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي أمامة قال : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله تعالى آدم إلى يوم الساعة ، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حلم آدم في الكفة الأخرى ، لرجح حلمه بأحلامهم ، وقد قال الله تعالى : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " .
قال أبو جعفر : وأصل العزم اعتقاد القلب على الشيء ، يقال منه : عزم فلان على كذا : إذا اعتقد عليه ونواه ومن اعتقاد القلب : حفظ الشيء ، ومنه الصبر على الشيء ، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى ، وهو قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " فيكون تأويله : ولم نجد له عزم قلب ، على الوفاء لله بعهده ، ولا على حفظ ما عهد إليه .
قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف ، وذلك أن يكون { آدم } مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، و { آدم } إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية ، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه { فنسي } فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم . و «العهد » هنا في معنى الوصية . و «نسي » معناه ترك ، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب ، وقرأ الأعمش «فنسي » بسكون الياء ووجهها طلب الخفة ، و «العزم » المضي على المعتقد في أي شيء كان ، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله له { ولم نجد له عزماً } .
لما كانت قصة موسى عليه السلام مع فرعون ومع قومه ذات عبرة للمكذبين والمعاندين الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاندوه ، وذلك المقصود من قَصَصها كما أشرنا إليه آنفاً عند قوله { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكراً من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً } [ طه : 99 ، 100 ] فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استحب الزيادة من هذه القِصص ذات العبرة رجاء أن قومه يفيقون من ضلالتهم كما أشرنا إليه قريباً عند قوله { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } [ طه : 114 ] ؛ أعقبت تلك القصة بقصة آدم عليه السلام وما عرّض له به الشيطان ، تحقيقاً لفائدة قوله { وقل رب زدني علماً } [ طه : 114 ] . فالجملة عطف قصة على قصة والمناسبة ما سمعتَ .
والكلام معطوف على جملة { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } . وافتتاح الجملة بحرف التحقيق ولام القسم لمجرد الاهتمام بالقصة تنبيهاً على قصد التنظير بين القصتين في التفريط في العهد ، لأن في القصة الأولى تفريط بني إسرائيل في عهد الله ، كما قال فيها { ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد } [ طه : 86 ] ، وفي قصة آدم تفريطاً في العهد أيضاً . وفي كون ذلك من عمل الشيطان كما قال في القصة الأولى { وكذلك سولت لي نفسي } [ طه : 96 ] وقال في هذه { فوسوس إليه الشيطان } [ طه : 120 ] . وفي أن في القصتين نسياناً لما يجب الحفاظ عليه وتذكره فقال في القصة الأولى { فَنَسِيَ } [ طه : 16 ] وقال في هذه القصة { فنسي ولم نجد له عزماً } .
وعليه فقوله { من قبلُ } حُذف ما أضيف إليه ( قبلُ ) . وتقديره : من قبل إرسال موسى أو من قبل ما ذكر ، فإن بناء ( قبلُ ) على الضم علامة حذف المضاف إليه ونيّة معناه . والذي ذكر : إما عهد موسى الذي في قوله تعالى : { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } [ طه : 13 ] وقوله { فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى } [ طه : 16 ] ؛ وإما عهد الله لبني إسرائيل الذي ذكّرهم به موسى عليه السلام لما رجع إليهم غضبان أسفاً ، وهو ما في قوله { أفطال عليكم العهد } [ طه : 86 ] الآية .
والمراد بالعهد إلى آدم : العهد إليه في الجنّة التي أنسي فيها .
والنسيان : أطلق هنا على إهمال العمل بالعهد عمداً ، كقوله في قصة السامري { فَنَسي } ، فيكون عصياناً ، وهو الذي يقتضيه قوله تعالى : { وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } الآية ، وقد مضت في سورة الأعراف ( 20 ، 21 ) . وهذا العهد هو المُبيّن في الآية بقوله { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } [ طه : 117 ] الآية .
والعزم : الجزم بالفعل وعدم التردد فيه ، وهو مغالبة ما يدعو إليه الخاطر من الانكفاف عنه لعسر عمله أو إيثار ضده عليه . وتقدم قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } في سورة البقرة ( 227 ) . والمراد هنا : العزم على امتثال الأمر وإلغاءُ ما يحسِّن إليه عدمَ الامتثال ، قال تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } [ آل عمران : 159 ] ، وقال { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] ، وهم نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وموسى ، وداوود ، وعيسى عليهم السلام .
واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه تمثيلاً لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه فلم يجده عنده بعد البحث .