المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

13- وألزمنا كل إنسان عمله لزوم القلادة للعنق ، ونخرج له يوم القيامة كتاباً فيه أعماله ، يلقاه مفتوحاً ، ليسرع في قراءته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

قوله عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } ، قال ابن عباس : عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان . وقال الكلبي و مقاتل : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسبه به . وقال الحسن : يمنه وشؤمه . وعن مجاهد : ما من مولود إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد . وقال أهل المعاني : أراد بالطائر ما قضى الله عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة سمي طائراً على عادة العرب فيما كانت تتفاءل وتتشاءم به من سوانح الطير وبوارحها . وقال أبو عبيدة و القتيبي : أراد بالطائر حظه من الخير والشر ، من قولهم : طار سهم فلان بكذا ، وخص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق وغيرهما مما يزين أو يشين ، فجرى على كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة إلى الأعناق . { ونخرج له } ، يقول الله تعالى : ونحن نخرج له ، { يوم القيامة كتاباً } ، وقرأ الحسن و مجاهد و يعقوب : { ونخرج له } بفتح الياء وضم الراء ، معناه : ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً . وقرأ أبو جعفر يخرج بالياء وضمها وفتح الراء . { يلقاه } ، قرأ ابن عامر و أبو جعفر يلقاه بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، يعني : يلقى الإنسان ذلك الكتاب ، أي : يؤتاه . وقرأ الباقون بفتح الياء خفيفة أي لا يراه { منشوراً } ، وفي الآثار : إن الله تعالى يأمر الملك بطي الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر إلى يوم القيامة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

{ 13-14 } { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

وهذا إخبار عن كمال عدله أن كل إنسان يلزمه طائره في عنقه ، أي : ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازما له لا يتعداه إلى غيره ، فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله .

{ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } فيه ما عمله من الخير والشر حاضرا صغيره وكبيره ويقال له : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

ثم ساق - سبحانه - صورة من صور هذا التفصيل المحكم فى كل شئ فقال - تعالى - : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } .

والمراد بطائره : عمله الصادر عنه باختياره وكسبه ، حسبما قدره الله - تعالى - عليه من خير وشر .

أى : وألزمنا كل إنسان مكلف عمله الناتج عنه ، إلزاما لا فكاك له منه ، ولا قدرة له على مفارقته .

وعبر - سبحانه - عن عمل الإِنسان بطائره ، لأن العرب كانوا - كما يقول الآلوسى - يتفاءلون بالطير ، فإذا سافروا ومر بهم الطير زجروه ، فإن مر بهم سانحا - أى من جهة الشمال إلى اليمين - تيمنوا وتفاءلوا ، وإن مر بارحا ، أى : من جهة اليمين الى الشمال تشاءموا ، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر ، استعير استعارة تصريحية ، لما يشبههما من قدر الله - تعالى - وعمل العبد ، لأنه سبب للخير والشر .

وقوله - سبحانه - : { فى عنقه } تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط بين الإِنسان وعمله .

وخص - سبحانه - العنق بالذكر من بين سائر الأعضاء ، لأن اللزوم فيه أشد ، ولأنه العضو الذى تارة يكون عليه ما يزينه كالقلادة وما يشبهها ، وتارة يكون فيه ما يشينه كالغل والقيد وما يشبههما .

قال الامام ابن كثير : وطائره : هو ما طار عنه من عمله كما قال ابن عباس ومجاهد ، وغير واحد - من خير أو شر ، يلزم به ويجازى عليه : كما قال - تعالى - : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وكما قال - تعالى - : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره : ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء .

وقوله - سبحانه - : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } بيان لحاله فى الآخرة بعد بيان حاله فى الدنيا .

والمراد بالكتاب هنا صحائف أعماله التى سجلت عليه فى الدنيا .

أى : ألزمنا كل إنسان مكلف عمله الصادر عنه فى الدنيا ، وجعلناه مسئولا عنه دون غيره . أما فى الآخرة فسنخرج له ما عمله من خير أو شر " في كتاب يلقاه منشورا " أى : مفتوحا بحيث يستطيع قراءته ، ومكشوفا بحيث لا يملك إخفاء شئ منه ، أو تجاهله ، أو المغالطة فيه .

كتاب ظهرت فيه الخبايا والأسرار ظهورا يغنى عن الشهود والجدال .

كتاب مشتمل على كل صغيرة وكبيرة من أعمال الإِنسان ، كما قال - تعالى - : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } .

يقول تعالى ذكره : وكلّ إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله ، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه . وإنما قوله ألْزَمْناهُ طائِرَهُ مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها ، فأعلمهم جلّ ثناؤه أن كلّ إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر ، وشقاء يورده سعيرا ، أو كان سعدا يورده جنات عدن . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَه فِي عُنُقِهِ » .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : الطائر : عمله ، قال : والطائر في أشياء كثيرة ، فمنه التشاؤم الذي يتشاءم به الناس بعضهم من بعض .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس ، قوله : وكُلّ إنْسانٍ ألْزمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : عمله وما قدر عليه ، فهو ملازمه أينما كان ، فزائل معه أينما زال . قال ابن جريج : وقال : طائره : عمله .

قال : ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : عمله وما كتب الله له .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طائره : عمله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو جميعا عن منصور ، عن مجاهد وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : عمله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني واصل بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في قوله : وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : ما من مولدو يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقيّ أو سعيد . قال : وسمعته يقول : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ، قال : هو ما سبق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ : إي والله بسعادته وشقائه بعمله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طائره : عمله .

فإن قال قائل : وكيف قال : ألزمناه طائره في عنقه إن كان الأمر على ما وصفت ، ولم يقل : ألزمناه في يديه ورجليه أو غير ذلك من أعضاء الجسد ؟ قيل : لأن العنق هو موضع السمات ، وموضع القلائد والأطوقة ، وغير ذلك مما يزين أو يشين ، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة بني آدم وغيرهم من ذلك إلى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك حتى أضافوا الأشياء اللازمة سائر الأبدان إلى الأعناق ، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلى اليد ، فقالوا : ذلك بما كسبت يداه ، وإن كان الذي جرّ عليه لسانه أو فرجه ، فكذلك قوله ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كتابا يَلْقاهُ مَنْشُورا فقرأه بعض أهل المدينة ومكة ، وهو نافع وابن كثير وعامة قرّاء العراق ونُخْرِجُ بالنون لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا يَلْقاه مَنْشُورا بفتح الياء من يَلْقاه وتخفيف القاف منه ، بمعنى : ونخرج له نحن يوم القيامة ردّا على قوله ألْزَمْناهُ ونحن نخرج له يوم القيامة كتاب عمله منشورا . وكان بعض قرّاء أهل الشام يوافق هؤلاء على قراءة قوله ونُخْرِجُ ويخالفهم في قوله يَلْقاهُ فيقرؤه : «يُلَقّاهُ » بضم الياء وتشديد القاف ، بمعنى : ونخرج له نحن يوم القيامة كتابا يلقاه ، ثم يردّه إلى ما لم يسمّ فاعله ، فيقول : يلقى الإنسان ذلك الكتاب منشورا . وذكر عن مجاهد ما :

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا يزيد ، عن جرير بن حازم عن حميد ، عن مجاهد أنه قرأها ، «وَيَخْرَجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا » قال : يزيد : يعني يَخرج الطائر كتابا ، هكذا أحسبه قرأها بفتح الياء ، وهي قراءة الحسن البصري وابن محيصن وكأن من قرأ هذه القراءة وجّه تأويل الكلام إلى : ويخرج له الطائر الذي ألزمناه عنق الإنسان يوم القيامة ، فيصير كتابا يقرؤه منشورا .

وقرأ ذلك بعض أهل المدينة : «ويُخَرجُ لَهُ » بضم الياء على مذهب ما لم يسمّ فاعله ، وكأنه وجّه معنى الكلام إلى ويخرج له الطائر يوم القيامة كتابا ، يريد : ويخرج الله ذلك الطائر قد صيره كتابا ، إلا أنه نحاه نحو ما لم يسمّ فاعله .

وأولى القراءات في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأه : ونُخْرِجُ بالنون وضمها لَهُ يَوْمَ القيامَةِ كِتابا يَلقاهُ منْشُورا بفتح الياء وتخفيف القاف ، لأن الخبر جري قبل ذلك عن الله تعالى أنه الذي ألزم خلقه ما ألزم من ذلك فالصواب أن يكون الذي يليه خبرا عنه ، أنه هو الذي يخرجه لهم يوم القيامة ، أن يكون بالنون كما كان الخبر الذي قبله بالنون . وأما قوله : يَلقاهُ فإنّ في إجماع الحجة من القرّاء على تصويب ما اخترنا من القراءة في ذلك ، وشذوذ ما خالفه الحجة الكافية لنا على تقارب معنى القراءتين : أعني ضمّ الياء وفتحها في ذلك ، وتشديد القاف وتخفيفها فيه فإذا كان الصواب في القراءة هو ما اخترنا بالذي عليه دللنا ، فتأويل الكلام : وكلّ إنسان منكم يا معشر بني آدم ، ألزمناه نحسه وسعده ، وشقاءه وسعادته ، بما سبق له في علمنا أنه صائر إليه ، وعامل من الخير والشرّ في عنقه ، فلا يجاوز في شيء من أعماله ما قضينا عليه أنه عامله ، وما كتبنا له أنه صائر إليه ، ونحن نخرج له إذا وافانا كتابا يصادفه منشورا بأعماله التي عملها في الدنيا ، وبطائره الذي كتبنا له ، وألزمناه إياه في عنقه ، قد أحصى عليه ربه فيه كلّ ما سلف في الدنيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ونُخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا يَلقاهُ مَنْشُورا قال : هو عمله الذي عمل أحصي عليه ، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل يلقاه منشورا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ونُخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا يَلقاهُ مَنْشُورا : أي عمله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ألزَمناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : عمله ونُخرِجُ لَهُ قال : نخرج ذلك العمل كِتابا يَلقاهُ مَنْشُورا قال معمر : وتلا الحسن : عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملَكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والاَخر عن يسارك . فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك . وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا متّ طُويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيكَ حَسِيبا قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طائره : عمله ، ونخرج له بذلك العمل كتابا يلقاه منشورا .

وقد كان بعض أهل العربية يتأوّل قوله وكُلّ إنْسانٍ ألزَمناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ : أي حظه ، من قولهم : طار سهم فلان بكذا : إذا خرج سهمه على نصيب من الأنصباء وذلك وإن كان قولاً له وجه ، فإن تأويل أهل التأويل على ما قد بينت ، وغير جائز أن يتجاوز في تأويل القرآن ما قالوه إلى غيره ، على أن ما قاله هذا القائل ، إن كان عنى بقوله حظه من العمل والشقاء والسعادة ، فلم يبعد معنى قوله من معنى قولهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

وقوله { وكل إنسان ألزمناه طائره } الآية ، قوله { كل } منصوب بفعل مقدر ، وقرأ الحسن وأبو رجاء ومجاهد ؛ «طيره في عنقه » ، قال ابن عباس { طائره } ما قدر له وعليه ، وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف ، وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة{[7488]} وكثر ذلك حتى فعلته بالظبا وحيوان الفلاة ، وسميت ذلك كله تطيراً ، وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر ، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية في أوجز لفظ وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر قد سبق به القضاء . وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه ، وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا عدوى ولا طيرة » { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } فعبر عن الحظ والعمل إذ هما متلازمان ب «الطائر » ، قال مجاهد وقتادة بحسب معتقد العرب في التطير ، وقولهم في أمور على الطائر الميمون ، وبأسعد طائر ومنه طار في المحاجة والسهم{[7489]} كقول أم العلا الأنصارية فطار لنا من القادمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة عثمان بن مظعون{[7490]} ، أي كان ذلك حظنا ، وأصل هذا كله من الطير التي تقضي عندهم بلقاء الخير والشر وأبطل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة »{[7491]} ، وقوله { في عنقه } جرى أيضاً على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاماً وقلادة وأمانة ونحو هذا إلى العنق كقولهم : دمي في عنق فلان وكقول الأعشى :

والشعر قلدته سلامة ذا . . . فائش والشيء حيثما جعلا{[7492]}

وهذا كثير ، ونحوه جعلهم ما كان تكسباً وجناية وإثماً منسوباً إلى اليد إذ هي الأصل في التكسب ، وقرأ أبو جعفر ونافع والناس «ونخرج » بنون العظمة «كتاباً » بالنصب ، وقرأ الحسن ومجاهد وابن محيصن : و «يخرُج » بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل «كتاباً » أي طائره الذي كني به عن عمله يخرج له ذا كتاب ، وقرأ الحسن من هؤلاء «كتابٌ » بالرفع ، وقرأ أبو جعفر أيضاً «ويُخرَج » بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله ، «كتاباً » أي طائره ، وقرأ أيضاً «كتاباً » وقرأت فرقة «ويُخرِج » بضم الياء وكسر الراء أي يخرج الله ، وفي مصحف أبي بن كعب «في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً » ، وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته{[7493]} ، وقرأ الجمهور «يَلْقاه » بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف ، وقرأ ابن عامر{[7494]} وحده ، «يُلَقّاه » بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وهي قراءة الحسن بخلاف ، وأبي جعفر والجحدري ،


[7488]:السانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك، والبارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك.
[7489]:أي في الاقتسام والتخصيص، أو في الاختيار وفي حديث رويفع: إن كان أحدنا ليطير له النصل وللآخر القدح، معناه أن الرجلين كانا يقتسمان السهم، فيقع لأحدهما نصله وللآخر قدحه.
[7490]:حديث أم العلاء أخرجه البخاري في الجنائز والتعبير، وأحمد (6ـ436)، ففي البخاري، عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء – امرأة من الأنصار – بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا.
[7491]:أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في السلام، وأبو داود في الطب، وابن ماجه في المقدمة والطب، وأحمد في مواضع كثيرة من مسنده، ولفظه كما في بعض روايات مسلم، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، قال: قيل: وما الفـأل؟ قال: الكلمة الطيبة)، وفي رواية: (وأحب الفأل الصالح).
[7492]:البيت من قصيدة للأعشى يمدح سلامة ذا فائش، ومطلعها: إن محلا وإن مرتحلا وإن في السفر ما مضى مهلا وقبله يقول: يا خير من يركب المطي و لا يشرب كأسا بكف من بخلا. والتفضال: الإحسان، وأن يكون للإنسان فضل على غيره في القدر والمنزلة.
[7493]:قال الطبري: "وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأ: [ونخرج] بالنون وضمها ؛ لأن الخبر جرى قبل ذلك عن الله تعالى أنه الذي ألزم خلقه ما ألزم من ذلك، فالصواب أن يكون الذي يليه خبرا عنه، أنه هو الذي يخرجه لهم يوم القيامة، أن يكون بالنون كما كان الخبر الذي قبله بالنون".
[7494]:أي : قرأ وحده من السبعة، وإلا فقد قرأ بها غيره كالحسن، والجحدري.