فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

{ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ( 13 ) }

{ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } قال أبو عبيدة : الطائر عند العرب الحظ ويقال له البخت فالطائر ما وقع للشخص في الأزل بما هو نصيبه من العقل والفهم والعمل والعمر والرزق والسعادة والشقاوة كان طائرا يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب طيرانا لا نهاية له ولا غاية إلى أن انتهى إلى ذلك الشخص في وقته المقدر من غير خلاص ولا مناص .

وقال الأزهري : الأصل في هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم علم المطيع من ذريته والعاصي فكتب على ما علمه منهم أجمعين وقضى بسعادة من علمه مطيعا وشقاوة من علمه عاصيا فطار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه ، وذلك قوله : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } أي ما طار له في علم الله ، وقيل إن العرب كانوا إذا أرادوا الإقدام على عمل من الأعمال وأرادوا أن يعرفوا أن ذلك العمل يسوقهم إلى خير أو شر اعتبروا أحوال الطير ، فلما كثر ذلك منهم سموا نفس الخير والشر بالطائر تسمية للشيء باسم لازمه .

وفي عنقه عبارة عن شدة اللزوم وكمال الارتباط ، قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس ، قال مجاهد : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد .

أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( طائر كل إنسان في عنقه ) {[1071]} واقل ابن عباس : طائره سعادته وشقاوته وما قدر الله له وعليه فهو لازمه أينما كان . وعن أنس قال : طائره كتابه فالطائر له تفسيران :

الأول – العمل وما قدر له .

والثاني – الكتاب الحقيقي .

{ وَنُخْرِجُ } بنون التعظيم { لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا } وقرئ يخرج بالتحتية وبالراء المضمومة على معنى ويخرج له الطائر فيصير كتابا وقرئ يخرج والفاعل هو الله سبحانه وقرئ على البناء للمفعول أي يخرج له الطائر كتابا والمعنى مكتوبا فيه أعماله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .

قال الحسن : بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وعن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ عليك سيآتك حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت معك في قبرك تخرج لك يوم القيامة .

وإنما قال سبحانه : { يَلْقَاهُ مَنشُورًا } تعجيلا للبشرى بالحسنة والتوبيخ على السيئة قال ابن عباس هوة عمله الذي أحصي عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشورا ، والمعنى يلقاه الإنسان أو يلقى الإنسان .


[1071]:أحمد بن حنبل 3 / 342 – 349 – 360.