فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

{ وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } قال أبو عبيدة : الطائر عند العرب الحظ . ويقال له البخت : فالطائر ما وقع للشخص في الأزل بما هو نصيبه من العقل والعمل والعمر والرزق والسعادة والشقاوة ؛ كأن طائراً يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب طيراناً لا نهاية له ولا غاية إلى أن انتهى إلى ذلك الشخص في وقته المقدّر من غير خلاص ولا مناص . وقال الأزهري : الأصل في هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم علم المطيع من ذريته والعاصي ، فكتب ما علمه منهم أجمعين ، وقضى سعادة من علمه مطيعاً وشقاوة من علمه عاصياً ، فطار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه ؛ وذلك قوله : { وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } أي : ما طار له في علم الله ، وفي عنقه عبارة عن اللزوم ، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس . قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق . { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً } . قرأ ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وأبو جعفر ، ويعقوب ( ويخرج ) بالمثناة التحتية المفتوحة وبالراء المضمومة على معنى ويخرج له الطائر . { وكتاباً } منصوب على الحال ، ويجوز أن يكون المعنى : يخرج لها الطائر فيصير كتاباً . وقرأ يحيى بن وثاب ( يُخِرج ) بضم الياء وكسر الراء : أي : يخرج الله . وقرأ شيبة ومحمد بن السميفع ، وروي أيضاً عن أبي جعفر ( يُخرج ) بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول أي : ويخرج له الطائر كتاباً . وقرأ الباقون { ونخرج } بالنون على أن المخرج هو الله سبحانه . و{ كتاباً } مفعول به ، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله تعالى : { ألزمناه } . وقرأ أبو جعفر ، والحسن ، وابن عامر ( يلقاه ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف . وإنما قال سبحانه : { يلقاه مَنْشُوراً } تعجيلاً للبشرى بالحسنة وللتوبيخ على السيئة .

/خ17