نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

ولما كان هذا أمراً دقيقاً جداً ، أتبعه ما هو أدق منه وأغرب في القدرة والعلم من تفاصيل أحوال الآدميين ، بل كل مكلف بعضها من بعض من قبل أن يخلقهم ، فقال تعالى : { وكل إنسان } أي من في طبعه التحرك والاضطراب { ألزمناه } أي بعظمتنا { طائره } أي عمله الذي قدرناه عليه من خير وشر ، ولعله عبر به لأنهم كانوا لا يقدمون ولا يحجمون في المهم من أعمالهم إلا بالطائر فيقولون : جرى لفلان الطائر بكذا .

( في عنقه } أي الذي محل الزين بالقلادة ونحوها ، والشين بالغل ونحوه ، إلزاماً لا يقدر أن ينفك عن شيء منه كما لا يقدر على الانفكاك عن العنق ، وذلك كما ألزمنا بني إسرائيل ما قضينا إليهم في الكتاب ، فكان كما قلنا ، وهم يعلمون أنه من السوء بمكان ، فلم يقدروا على الاحتراز منه والانفصال عنه ، فلا يمكن أن يظهر في الأبد إلا ما قضى به في الأزل " جف القلم بما هو كائن " { ونخرج } أي بما لنا من العظمة وشمول العلم وتمام القدرة { له يوم القيامة } أي الذي لا بد من إيجاده { كتاباً } بجميع ما عمل { يلقاه } حال كونه { منشوراً * } تكتبه حَفَظَتَنا كل يوم ، ثم إذا صعدوا قابلوا ما فيه على ما سطرناه قديماً في اللوح المحفوظ فيجدونه كما هو ، لا خلاف فيه أصلاً ،