التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

قوله تعالى { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه }

القول الأول : المراد بالطائر ما سبق في علم الله من شقاوة أو سعادة .

قال الطبري : وإنما قوله : { ألزمناه طائره } مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها فأعلمهم جل ثناءه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر ، وشقاء يورده سعيرا ، أو كان سعدا يورده جنات عدن ، وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن بشار قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنى أبي ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله أن نبي الله قال : " لا عدوى ولا طيرة ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " .

( ورجال ثقات إلا معاذ بن هشام صدوق له أوهام وإسناده حسن ، وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق آخر عن أبي الزبير عن جابر بلفظ : " طائر كل إنسان في عنقه " كما ذكره ابن كثير وحسنه السيوطي في الدر المنثور ) .

أخرج أحمد عن علي بن إسحاق قال : ثنا عبد الله أخبرني ابن لهيعة قال : حدثني يزيد أن أبي الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس من عمل يوم إلا هو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب عز وجل : اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت " .

( المسند4/641 ) . قال ابن كثير إسناد جيد قوي ولم يخرجوه ، وهو كما قال لأن عبد الله هو ابن المبارك معروف بالرواية عن ابن لهيعة ، وبرواية علي بن إسحاق المروزي عنه ، وعبد الله بن المبارك من العبادلة الأربعة الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه ، وقد أمنا تدليس ابن لهيعة لأنه صرح بالتحديث ) .

القول الثاني : المراد بالطائر العمل .

أخرج الطبري وآدم بن أبي إياس بالإسناد الصحيح عن مجاهد : { طائره } عمله .

وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة ، وعن معمر عن الحسن بلفظ : عمله شقاوة أو سعادة .

وجمع الشيخ الشنقيطي بين القولين فقال : والقولان متلازمان لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يئول إليه من الشقاوة والسعادة .

قوله تعالى { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }

قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ذلك العمل الذي ألزم الإنسان إياه يخرجه له يوم القيامة مكتوبا في كتاب يلقاه منشورا أي مفتوحا يقرؤه هو وغيره ، وبين أشياء من صفات هذا الكتاب الذي يلقاه منشورا في آيات أخر ، فبين أن من صفاته : أن المجرمين مشفقون أي خائفون مما فيه ، وأنه لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها ، وأنهم يجدون فيه جميع ما عملوا حاضرا ليس منه شيء غالبا ، وأن الله جل وعلا لا يظلمهم في الجزاء عليه شيئا وذلك في قوله جل وعلا : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجد ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد } ، وبين في موضع آخر : أن بعض الناس يؤتي هذا الكتاب بيمينه -جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم ، وإن من أوتيه بيمينه يحاسب حسابا يسيرا ، ويرجع إلى أهله مسرورا ، وأنه في عيشة راضية ، في جنة عالية ، قطوفها دانية قال تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا } ، وقال تعالى { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ، فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية } ، وبين في موضع آخر : أن من أوتيه بشماله يتمنى أنه لم يؤته ، وأنه يؤمر به فيصلى الجحيم ، ويسلك في سلسلة من سلاسل النار ذرعها سبعون ذراعا وذلك في قوله : { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدرى ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه } -أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من النار ، ومما قرب إليها من قول وعمل- ، وبين في مواضع آخر : أن من أوتي كتابه وراء ظهره يصلى السعير ، ويدعو الثبور وذلك في قوله : { وأما من أوتي وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا } .

وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } أي : عمله .