الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

قوله : { وكل إنسان ألزمناه طائره في [ عنقه ] } [ 13 ] إلى قوله : { تدميرا } [ 16 ] .

المعنى : وكل إنسان ألزمناه مما قضي له أنه عامله وصائر إليه من شقاء أو سعادة . فعمله{[40559]} في عنقه لا{[40560]} يفارقه{[40561]} .

وقوله : { ألزمناه طائره في [ عنقه ]{[40562]} إنما هو مثل : خوطبوا به على ما كانوا يستعملون في التشاؤم والتفاؤل من سوائح{[40563]} الطير وبوارحها{[40564]} ، فأعلمهم الله [ عز وجل ]{[40565]} أن كل إنسان قد ألزمه الله طائره في عنقه نحسا كان أو سعدا{[40566]} .

قال ابن عباس : " طائره " عمله وما قدره الله [ عز وجل ]{[40567]} عليه ، وكذلك قال مجاهد{[40568]} ، [ وقال ]{[40569]} : وما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب{[40570]} فيها شقي أو سعيد ، وقرأ : { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب }{[40571]} أي : ما سبق لهم . يعني : كتاب عمله{[40572]} .

وإنما خص العنق بالذكر [ دون ]{[40573]} سائر الأعضاء لأنه تعالى{[40574]} خاطب العرب/ بلسانها وبما تستعمله من لغاتها . والعنق عند العرب هو موضع السمت وموضع القلادة والأطواق{[40575]} وغير ذلك ، فنسب إلزام الكتاب إلى العنق لكثرة استعمالهم المعاليق فيه . ألا ترى أنهم قد أضافوا الأشياء الملازمة سائر الأبدان للأعناق{[40576]} ، كما أضافوا جنايات أعضاء{[40577]} البدن إلى الأيدي فقالوا{[40578]} : " ذلك بما كسبت يداك " . وإن كان الذي كسبه لسانه أو فرجه{[40579]} .

وقيل : " طائره " حظه . من قولهم : طار بينهم فلان بكذا ، إذا أخرج سهمه على نصيب [ من{[40580]} ] الأنصباء{[40581]} .

وقوله : { ونخرج له يوم القيامة كتابا } [ 13 ] .

قرأه مجاهد والحسن وابن محيصن{[40582]} " ويخرج " بياء مفتوحة{[40583]} . على معنى ويخرج له الطائر يوم القيامة كتابا . فيكون الكتاب على هذه القراءة حالا .

وقرأ أبو جعفر " ويخرج " بياء مضمومة{[40584]} ، على ما لم يسم فاعله والذي قام مقام الفاعل مضمر{[40585]} [ في{[40586]} ] الفعل و " كتابا " {[40587]} منصوب أيضا على الحال ، و " كتابا " على قراءة الجماعة مفعول ب " نخرج " {[40588]} .

وقال قتادة : " طائره " عمله{[40589]} .

والمعنى : على قراءة أبي جعفر ونخرج له ذلك العمل { كتابا يلقاه منشورا }{[40590]} قال معمر : وتلى الحسن { عن اليمين وعن الشمال قعيد }{[40591]} ، فقال : يا بن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك ف[ ي ] حفظ{[40592]} حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل{[40593]} ما شئت : أقلل أو أكثر ، حتى [ إذا ]{[40594]} مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا .


[40559]:ق : بعلمة.
[40560]:ق : إلا.
[40561]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/50.
[40562]:ساقط من ط.
[40563]:ق: "سوائح".
[40564]:ق: "قوارحها".
[40565]:ساقط من ق.
[40566]:انظر: هذا المعنى في غريب القرآن 252، وأحكام الجصاص 3/195.
[40567]:ساقط من ط.
[40568]:انظر: هذا القول في جامع البيان 15/51 والدر 5/250.
[40569]:ساقط من ط.
[40570]:ق: "مكتوبة".
[40571]:الأعراف: 37.
[40572]:انظر: قوله في جامع البيان 15/51 والجامع 10/150، والدر 250.
[40573]:ساقط من ق.
[40574]:ط: "تعالى ذكره".
[40575]:ق: "الأطلاق".
[40576]:ط: "إلى الأعناق".
[40577]:ق: "العصاء".
[40578]:ق: "فقولوا".
[40579]:وهذا التوجيه لابن جرير، انظر: جامع البيان 15/51 ومعاني الزجاج 3/230.
[40580]:ساقط من ط.
[40581]:وهو قول ابي عبيدةن انظر: مجاز القرآن 1/372، وغريب القرآن 252.
[40582]:هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، وهو ثقة روى له مسلم، وقيل اسمه عمر وقيل عبد الرحمن بن محمد، وقيل محمد بن عبد الله، وتوفي سنة 223 وقيل 222. انظر: ترجمته في غاية 2/167.
[40583]:وتنسب هذه القراءة لأبي جعفر ويعقوب وابن عباس أيضا، انظر: معاني الفراء 2/118، وجامع البيان 15/52 والجامع 10/150 وتحبير التيسير 135، والدر 5/250.
[40584]:وتنسب أيضا لشيبة، ومحمد بن السميقع، انظر: معاني الفراء 2/118 وغريب القرآن 251، وجامع البيان 15/52، وشواذ القرآن 79. والجامع 10/150، وتحبير التيسير 135.
[40585]:ق: "على مضمر".
[40586]:ساقط من ق.
[40587]:ق : "بكتاب".
[40588]:ق : يخرج.
[40589]:انظر: قوله في جامع البيان 15/53.
[40590]:انظر: هذا التفسير في غريب القرآن 252، وجامع البيان 15/53.
[40591]:ق : 17.
[40592]:ساقط من ط.
[40593]:ق : فاملل.
[40594]:ساقط من ق.