المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

117- لقد تفضل الله - سبحانه - على نبيه ، وأصحابه المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار ، الذين خرجوا معه إلى الجهاد في وقت الشدة ( في غزوة تبوك ){[86]} فثبتهم وصانهم عن التخلف ، من بعد ما اشتد الضيق بفريق منهم ، حتى كادت قلوبهم تميل إلى التخلف عن الجهاد ، ثم غفر اللَّه لهم هذا الهم الذي خطر بنفوسهم ، إنه - سبحانه - كثير الرأفة بهم ، عظيم الرحمة .


[86]:كانت غزوة تبوك في رجب من السنة التاسعة للهجرة بين المسلمين والروم، والجيش الإسلامي الذي خرج في هذه الغزوة يسمى جيش العسرة، لأن التأهب لها كان في زمن عسرة من الناس وشدة من الحرمان، ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جاء يوحنا وصالح الرسول على الجزية، وأقام الرسول بتبوك بضع عشرة ليلة، ثم خرج بعدها قافلا إلى المدينة وهذه آخر غزوة خرج بها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

قوله تعالى : { لقد تاب الله على النبي } الآية ، تاب الله أي : تجاوز وصفح . ومعنى توبته على النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه للمنافقين بالتخلف عنه . وقيل : افتتح الكلام به لأنه كان سبب توبتهم ، فذكره معهم ، كقوله تعالى : { فأن لله خمسه وللرسول } [ الأنفال -41 ] ، ونحوه . { والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة } ، أي : في وقت العسرة ، ولم يرد ساعة بعينها ، وكانت غزوة تبوك تسمى عزوة العسرة ، والجيش يسمى جيش العسرة . والعسرة : الشدة ، وكانت عليهم غزوة عسرة في الظهر والزاد والماء . قال الحسن : كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه ، يركب الرجل ساعة ، ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ، وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير ، وكان النفر منهم يخرجون ما معهم إلا التمرات بينهم ، فإذا بلغ الجوع من أحدهما أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ، ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم ، ولا يبقى من التمرة إلا النواة ، فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك على صدقهم ويقينهم . وقال عمر بن الخطاب : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادعوا الله لنا . . . قال أتحب ذلك ؟قل : نعم ، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت ، فملؤوا ما معهم ، ثم ذهبنا فلم نجدها جازت العسكر " . { من بعد ما كاد يزيغ } قرأ حمزة وحفص : " يزيغ " بالياء لقوله : { كاد } ولم يقل : كادت . وقرأ الآخرون بالتاء . والزيغ : الميل ، أي : من بعد ما كاد تميل ، { قلوب فريق منهم } ، أي : قلوب بعضهم ، ولم يرد الميل عن الدين ، بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف للشدة التي عليهم . قال الكلبي : هم ناس بالتخلف ثم لحقوه . { ثم تاب عليهم } ، فإن قيل : كيف أعاد ذكر التوبة وقد قال في أول الآية : { لقد تاب الله على النبي } ؟ . قيل : ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب ، وهو محض الفضل من الله عز وجل ، فلما ذكر الذنب أعاد التوبة ، والمراد منه قبولها . { إنه بهم رؤوف رحيم } . قال ابن عباس : من تاب الله عليه لم يعذبه أبدا . قوله عز وجل : { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } ، أي خلفوا عن غزوة تبوك . وقيل : خلفوا أي : أرجىء أمرهم ، عن توبة أبي لبابة وأصحابه ، وهؤلاء الثلاثة هم : كعب بن مالك الشاعر ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، كلهم من الأنصار .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى ين بكير ، ثنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بنمالك -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال : " سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك ، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها ، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ، وكان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط ، حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ، فأخبرهم بوجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، ولا يجمعهم كتاب حافظ -يريد الديوان- قال كعب : فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض شيئا ، وأقول في نفسي : أنا قادر عليه إذا أردت ، فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب ابن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه ، فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال كعب بن مالك : فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي ، فطفقت أتذكر الكذب وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا ، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت صدقة ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ، ثم قال : تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت أقوى قط ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك . فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع وأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قبل لك ، فقلت : من هما قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي . قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ . ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت : فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم . ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار . قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ، فطفق الناس يشيرون له نحوي ، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فقرأته فإذا فيه : أما بعد : فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ، فقلت لما قرأته : وهذا أيضا من البلاء ، فتيممت به التنور فسجرته . حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال : لا بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، ففلت لامرأتي إلحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال كعب : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : لا ، ولكن لا يقربك ، قالت : إنه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا . قال كعب : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه . فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ، فلبثت بعد ذلك عشر ليالي حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ، فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع ، يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر . فخررت لله ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه ، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئنني بالتوبة ويقولون : ليهنك توبة الله علك قال كعب : حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة . قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ! قال قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : لا ، بل من عند الله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . فقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت . وأنزل الله على رسوله : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } ، إلى قوله : { وكونوا مع الصادقين } . وروى إسحاق بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد عن كعب ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي ، فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر ، وما من شيء أهم إلي من أن أموت ولا يصلي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة ، فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي ! وأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقى الثلث الأخير من الليل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني ، معينة في أمري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة تيب على كعب ، قالت : أفلا أرسل إليه فأبشره ؟ قال : إذا يحطمكم الناس ، فيمنعونكم النوم سائر الليلة ، حتى إذا صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

ثم ذكر - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على عباده المؤمنين ، حيث تقبل توبتهم ، وتجاوز عن زلاتهم ، فقال - تعالى - : { لَقَدْ تَابَ الله على النبي . . . . } .

قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما استقصى في شرح أحوال غزوة تبوك ، وبين أحوال المتخلفين عنها ، وأطال القول في ذلك على الترتيب الذي لخصناه فيما سبق ، عاد في هذه الآية إلى شرح ما بقى من أحكامها ، ومن بقية تلك الأحكام أنه قد صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجرى مجرى ترك الأولى ، وصدر عن المؤمنين كذلك نوع زلة ، فذكر - سبحانه - أنه تفضل عليهم ، وتاب عليهم ، في تلك الزلات ، فقال - تعالى - : { لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والأنصار } .

وللعلماء أقوال في المراد بالتوبة التي تابها الله على النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى المهاجرين والأنصار : فمنهم من يرى أن المرد بها قبول توبتهم ، وغفران ذنوبهم ، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة أو في غيرها ، وإلى هذا المعنى أشارة القرطبى بقوله :

قال ابن عباس : كانت التوبة على النبى - صلى الله عليه وسلم - لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود ، بدليل قوله - سبحانه - قبل ذلك : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ . . . } وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه - أى : إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك .

ومنهم من يرى أن المقصود بذكر التوبة هنا التنويه بفضلها ، والحض على تجديدها ، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال : { تَابَ الله على النبي } كقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وكقوله : { واستغفر لِذَنبِكَ } وهو بعث للمؤمنين على التوبة ، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار ، حتى النبى والمهاجرين والأنصار ، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله ، وأن صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح . .

ومنهم من يرى أن المراد بالتوبة هنا : دوامها لا أصلها ، وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله : لقد تاب الله على النبى . . " أى : أدام توبته على النبى والمهاجرين والأنصار . وهذا جواب عما يقال : من أن النبى معصوم من الذبن ، وأن المهاجرين والأنصار لم يفعلوا ذنبا في هذه القضية ، بل اتبعوه من غير تلعثم ، قلنا : المراد بالتوبة في حق الجميع دوامها لا أصلها . . " .

ومنهم من يرى أن ذكر النبى هنا إنما هو من باب التشريف ، والمراد قبول توبة المهاجرين والأنصار فيما صدر عن بعضهم من زلات . وقد وضح هذا المعنى الإِمام الآلوسى فقال : قال أصحاب المعانى : المراد ذكر التوبة على المهاجرين والأنصار ، إلا أنه جئ في ذلك بالنبى - صلى الله عليه وسلم - تشريفا لهم ، وتعظيما لقدرهم ، وهذا كما قالوا في ذكره - تعالى - في قوله :

{ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } الآية أى : عفا - سبحانه - عن زلات صدرت منهم يوم أحد ويوم حنين . .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب الآراء إلى الصواب ، لأن الآية الكريمة مسوقة لبيان فضل الله - تعالى - على رسوله وعلى المؤمنين ، حيث غفر لهم ما فرط منهم من هفوات وقعت في هذه الغزوة وهذه الهفوات صدرت منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ، وبمقتضى الاجتهاد في أمور لم يبين الله - تعالى - حكمه فيها ، فهى لا تنقص من منزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من منزلة أصحابه الصادقين في إيمانهم .

والمعنى : لقد تقبل الله - تعالى - توبة النبى - صلى الله عليه وسلم - كما تقبل توبة أصحابه المهاجرين والأنصار ، الذين اتبعوه عن طواعية واختيار وإخلاص في ساعة العسرة . أى في وقت الشدة والضيق ، وهو وقت غزوة تبوك ، فالمراد بالساعة هنا مطلق الوقت .

وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة ، كما كان الجيش الذي اشترك فيها يسمى بجيش العسرة ، وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في مجدبة ، وحر شديد ، وفقر في الزاد والماء والراحلة .

قال ابن كثير : قال مجاهد وغير واحد : نزلت هذه الآية في غزة تبوك ، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر ، في سنة مجدبة ، وحر شديد ، وعسر في الزاد والماء .

وقال قتادة : خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر - أى شدته - على ما يعلم الله من الجهد ، أصابهم تعب شديد ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما .

وقال الحسن : كان العشرة منهم يعتقبون بعيرا واحداً . يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ، وكان النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ، ثم يشر عليها جرعة من الماء . . ومضوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - على صدقهم ويقينهم - رضى الله عنهم .

وقوله : { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } بيان لتناهى الشدة ، وبلوغها الغاية القصوى .

أى : تاب - سبحانه - على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار من بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك ، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب .

وفى ذكر { فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } إشارة إلى أن معظم المهاجرين والأنصار ، مضوا معه - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك دون أن تؤثر هذه الشدائد في قوة إيمانهم وصدق يقينهم ، وضماء عزيمتهم ، وشدة إخلاصهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : وفى " كاد " ضمير الشأن و " قلوب " فاعل " يزيغ " والجملة في موضع الخبر لكاد . . وهذا على قراءة " يزيغ " بالياء ، وهى قراءة حمزة ، وحفص والأعمش .

وأما على قراء " تزيغ " بالتاء ، وهى قراءة الباقين . فيحتمل أن يكون " قلوب " اسم كان " وتزيغ " خبرها ، وهي ضمير يعود على اسمها .

وقوه : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } تذييل مؤكد لقبول التوبة ولعظيم فضل الله عليهم . ولطفه بهم .

أى : ثم تاب عليهم - سبحانه - بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة ومجاهدة النفس . إنه بهم رءوف رحيم .

قال بعضهم : فإن قلت : قد ذكر التوبة أولا ثم ذكرها ثانياً فما فائدة التكرار ؟

قلت : إنه - سبحانه - ذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى ، تعظيما لشأنهم ، وليعلموا أنه - تعالى - قد قبل توبتهم ، وعفا عنهم ، ثم أتبعه بقوله - سبحانه - { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } تأكيدا لذلك . والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع .

وقال القرطبى : قوله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } قيل : توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ وتلك سنة الحق - سبحانه - مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك ، أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم .

قال الشاعر :

منك أرجوا ولست أعرب ربا . . . يرتجى منه بعض ما منك أرجو

وإذا اشتدت الشدائد في الأر . . . ض على الخلق فاستغاثوا وعجوا

وابتليت العباد بالخوف والجو . . . ع ، وصروا على الذنوب ولجوا

لم يكن لى سواك ربى ملاذ . . . فتيقنت أننى بك أنجو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

«التوبة » من الله رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها ، فقد تكون في الأكثر رجوعاً من حالة طاعة إلى أكمل منها وهذه توبته في هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه رجع به من حاله قبل تحصيل الغزوة وأجرها وتحمل مشقاتها إلى حاله بعد ذلك كله ، وأما توبته عل «المهاجرين والأنصار » فحالها معرضة لأن تكون من تقصير إلى طاعة وجد في الغزو ونصرة الدين ، وأما توبته على الفريق الذي كاد أن يزيغ فرجوع من حالة محطوطة إلى حال غفران ورضا ، و { اتبعوه } معناه : دخلوا في أمره وانبعاثه ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، وقوله { في ساعة العسرة } ، يريد في وقت العسرة فأنزل الساعة منزلة المدة والوقت والزمن ، وإن كان عرف الساعة في اللغة أنه لما قلَّ من الزمن كالقطعة من النهار .

ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم في رواح يوم الجمعة «في الساعة الأولى وفي الثانية » الحديث{[5950]} ، فهي هنا بتجوز ، ويمكن أن يريد بقوله { في ساعة العسرة } الساعة التي وقع فيها عزمهم وانقيادهم لتحمل المشقة إذ السفرة كلها تبع لتلك الساعة وبها وفيها يقع الأجر على الله ، وترتبط النية ، فمن اعتزم على الغزو وهو معسر فقد اتبع في ساعة العسرة ولو اتفق أن يطرأ لهم غنى في سائر سفرتهم لما اختل كونهم متبعين «في ساعة عسرة » و { العسرة } الشدة وضيق الحال والعدم ، ومنه قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة }{[5951]} وهذا هو جيش العسرة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : «من جهز جيش العسرة فله الجنة »{[5952]} فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف جمل وألف دينار .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلب الدنانير بيده وقال : «وما على عثمان ما عمل بعد هذا » ، وجاء أيضاً رجل من الأنصار بسبعمائة وسق من تمر{[5953]} ، وقال مجاهد وقتادة : إن العسرة بلغت بهم في تلك الغزوة وهي غزوة تبوك إلى أن قسموا التمرة بين رجلين ، ثم كان النفر يأخذون التمرة الواحدة فيمضغها أحدهم ويشرب عليها الماء ثم يفعل كلهم بها ذلك .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وأصابهم في بعضها عطش شديد حتى جعلوا ينحرون الإبل ويشربون ما في كروشها من الماء ويعصرون الفرث حتى استسقى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه يدعو فما رجعهما حتى انسكبت سحابة فشربوا وادخروا ثم ارتحلوا ، فإذا السحابة لم تخرج عن العسكر ، وحينئذ قال رجل من المنافقين : وهل هذه إلا سحابة مرت ؟{[5954]} ، وكانت الغزوة في شدة الحر ، وكان الناس كثيراً ، فَقَّل الَّظْهر فجاءتهم العسرة من جهات ، ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوائل بلد العدو فصالحه أهل أذرج وأيلة{[5955]} وغيرهما على الجزية ونحوهما ، وانصرف وأما «الزيغ » الذي كادت قلوب فريق منهم أن تواقعه ، فقيل همت فرقة بالانصراف لما لقوا من المشقة والعسرة ، قاله الحسن ، وقيل زيغها إنما بظنون لها ساءت في معنى عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الغزوة لما رأته من شدة العسرة وقلة الوفر وبعد المشقة وقوة العدو المقصود ، وقرأ جمهور الناس وأبو بكر عن عاصم «تزيغ » بالتاء من فوق على لفظ القلوب .

وروي عن أبي عمرو أنه كان يدغم الدال في التاء ، وقرأ حمزة وحفص عن عاصم والأعمش والجحدري «يزيغ » بالياء على معنى جمع القلوب ، وقرأ ابن مسعود «من بعد ما زاغت قلوب فريق » وقرأ أبي بن كعب «من بعد ما كادت تزيغ » وأما كان فيحتمل أن يرتفع بها ثلاثة أشياء أولها وأقواها القصة والشأن هذا مذهب سيبويه ، وترتفع «القلوبُ » على هذا ب «تزيغ » والثاني أن يرتفع بها ما يقتضيه ذكر المهاجرين والأنصار أولاً ، ويقدر ذلك القوم فكأنه قال من بعد ما كاد القوم تزيغ قلوبهم فريق منهم ، والثالث أن يرتفع بها «القلوب » ويكون في قوله «تزيغ » ضمير «القلوب » ، وجاز ذلك تشبيهاً بكان في قوله { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }{[5956]} وأيضاً فلأن هذا التقديم للخبر يراد به التأخير ، وشبهت { كاد } ب «كان » للزوم الخبر لها ، قال أبو علي ولا يجوز ذلك في عسى{[5957]} .

ثم أخبر عز وجل أنه تاب أيضاً على هذا الفريق وراجع به ، وأنس بإعلامه للأمة بأنه { رؤوف رحيم } والثلاثة هم كعب بن مالك{[5958]} وهلال بن أمية الواقفي{[5959]} ومرارة بن الربيع العامري ويقال ابن ربيعة ويقال ابن ربعي{[5960]} ، وقد خرج حديثهم بكماله البخاري ومسلم{[5961]} وهو في السير ، فلذلك اختصرنا سوقه ، وهم الذين تقدم فيهم { وآخرون مرجون } [ الآية : 106 ] .


[5950]:- رواه البخاري في كتاب الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكذلك رواه مسلم، والترمذي، ومالك في الموطأ في كتاب الجمعة، ورواه أبو داود في كتاب الطهارة، ولفظه كما جاء في البخاري: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة" فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).
[5951]:-من الآية (280) من سورة (البقرة).
[5952]:- رواه البخاري في مناقب عثمان رضي الله عنه، ولفظه: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحفر بئر رومة فله الجنة، فخفرها عثمان، وقال: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان).
[5953]:- الوسق بفتح الواو: مكيلة معلومة، وهي ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث. والوسق أيضا: حمل البعير والعربة والسفينة. (المعجم الوسيط).
[5954]:-أخرجه ابن جرير، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال: خرجنا***إلى قوله: العسكر، وليس فيه كلام الرجل المنافق. (الدر المنثور).
[5955]:- أذرج (بالذال المعجمة والراء المضمومة) قال في التاج: هي مدنية السراة، وقيل: إنما هي أدرج، وذكر ذلك في اللسان، وصوب ياقوت ذلك وخطأ ما قبله وأطال في ذلك، وآيلة معروفة الآن باسم إيلات قال في اللسان: "وأيلة: قرية عربية ورد ذكرها في الحديث، وهو بفتح الهمزة وسكون الياء البلد المعروف فيما بين مصر والشام". وقال حسان بن ثابت: ملكا من جبل الثلج إلى جانبي أيلة من عبد وحر.
[5956]:- من الآية (47) من سورة (الروم).
[5957]:- أورد أبو حيان في "البحر المحيط" إشكالات على هذه الإعرابات الثلاثة على قراءة التاء في [تزيغ] فقال: إذا قدّرنا فيها ضمير الشأن كانت الجملة في موضع نصب على الخبر والمرفوع ليس ضميرا يعود على اسم كاد، بل ولا سببا له، وهذا يلزم في قراءة الياء أيضا. وأما توسيط الخبر فهو مبني على جواز مثل هذا التركيب في مثل: "كان يقوم زيد"، وفيه خلاف والصحيح المنع. وأما توجيه الآخر فضعيف جدا من حيث أضمر في كاد ضمير لا يعود إلا بتوهم، ومن حيث يكون خبر كاد واقعا سببيا. ويخلص من هذا الإشكالات اعتقاد كون (كاد) زائدة ومعناها مراد ولا عمل لها" (البحر المحيط 5-109).
[5958]:- كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري الخزرجي، اشتهر في الجاهلية، وكان من شعراء النبي في الإسلام، شهد الوقائع ثم كان من أصحاب عثمان، كفّ بصره في آخر عمره، مات سنة 50هـ وعمره سبع وسبعون سنة، ولد 80 حديثا. (الأعلام، الإصابة، الأغاني).
[5959]:- هلال بن أمية بن عامر بن قيس الأنصاري الواقفي، شهد بدرا وما بعدها، له ذكر في الصحيحين من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر. (الإصابة والاستيعاب).
[5960]:- مُرارة بن ربيعة، ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري من بني عمرو بن عوف كما جاء في (الاستيعاب)، ومُرارة بن ربعي بن عدي بن يزيد بن جُشم، ذكره ابن الكلبي وقال: كان أحد البكائين كما جاء في (الإصابة).
[5961]:- الحديث كما رواه البخاري طويل جدا، ويروى فيه كعب بلاءه وبيعته ليلة العقبة، ويروي بصدق لما تخلف وكيف اعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نزلت الآية الكريمة، قال: (فوالله ما أنعم علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا)، ثم قال كعب: (وكنا تخلفنا أيّها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وعلى الثلاثة الذين حلّفوا}، ليس الذي ذكر الله مما خلّفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه).