تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

{ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ 117 }

التفسير :

117 { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ . . . } الآية .

سبب النزول :

جاء في تفسير ابن كثير : أخرج ابن جرير : عن ابن عباس قال : قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة ؛ فقال عمر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، وحتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء ؛ فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ، ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا ، فادع لنا ! فقال : ( تحب ذلك ؟ ) قال : نعم ؛ فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت ، فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر151 .

من تفسير القاسمي :

ذكر سبحانه في هذه الآية وما بعدها فضله على فرقة من المؤمنين فكروا في التخلف ، ميلا إلى الدعة والراحة ، أو تأثروا من بعد الشقة وطول الطريق ووعثاء السفر ، فاضطربت قلوبهم وترددت رغبتهم في الجهاد ثم ندموا فتابوا وأنابوا .

ثم علم الله صدق توبتهم فقبلها ، ثم أنزل توبتهم في هذه الآية ، وصدّرها بتوبته على رسوله وكبار صحبه ؛ جبرا لقلوبهم ، وتنويها لشأنهم ، بضمهم مع المقطوع بالرضا عنهم ، وبعثا للمؤمنين على التوبة ، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار ، حتى النبي والمهاجرين والأنصار كل على حسبه ، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله ، وأنها صفة التوابين الأوابين ، صفة الأنبياء ، كما وصفهم بالصالحين ؛ ليظهر فضيلة الصلاح ، والوصف للمدح ، كما يكون لمدح الموصوف ، يكون لمدح الصفة وهو كما قال حسان بن ثابت :

ما إن مدحت محمدا بمقالتي *** لكن مدحت مقالتي بمحمد152

وفي هذه الآية فضل المهاجرين والأنصار ، حيث ذكرهم الله تعالى بعد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم .

جاء في التفسير القرآني للقرآن :

( وذكر النبي هنا في التوبة وهو صلوات الله وسلامه عليه لم يقع منه شيء وحاشاه في هذا تكريم للمهاجرين والأنصار ، وتشريف لهم بنظمهم مع هذا الكوكب الدري الوضيء في ساحة رضوان الله تعالى ومغفرته . . وقد قرأ الرضا على بن موسى : لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة . . . )153 .

المعنى :

لقد غفر الله سبحانه وتعالى ، وعفا عن النبي وعن المهاجرين والأنصار ، { الذين اتبعوه في ساعة العسرة } . أي : خرجوا معه في غزوة تبوك لقتال الأعداء ، وكانت الغزوة في وقت شديد الحرارة ، وضيق في الرواحل ، بعد في الطريق ؛ حتى سميت «غزوة العسرة » وسمّى الجيش الذي خرج فيها : «جيش العسرة » .

{ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغ قلوب فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } . أي : من بعد ما قرب أن تميل قلوب بعضهم إلى التخلف والدعة ؛ خوفا من الشدة والمشقة ؛ ولكن الله ثبتهم وأيدهم وقواهم .

{ ثم تاب عليهم ليتوبوا } . وفقهم الله ورزقهم الإنابة إلى ربهم ، والرجوع إلى الثبات على دينه ، والالتزام بهدى نبيه ، حتى تابوا إلى الله ، وندموا على تفكيرهم في القعود عن الجهاد .

{ إنه بهم رءوف رحيم } . إنه عليم بالعباد وطبائعهم ، رحيم بالمؤمنين ولهذا من عليهم بالتوبة ؛ وقبلها منهم وثبتهم عليها ، قال بعضهم : «ذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب ؛ تفضلا منه ، وتطيبا لقلوبهم ، ثم ذكر الذنب بعد ذلك ، وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى ؛ تعظيما لشأنهم ، وليعلموا أنه تعالى قبل توبتهم وعفا عنهم ، ثم أتبعه بقوله : { إنه بهم رءوف رحيم }154 ؛ تأكيدا لذلك .