الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

قوله : { لقد تاب الله على النبيء والمهاجرين والانصار }{[30146]} ، إلى قوله : { هو التواب الرحيم }[ 117 ، 118 ] .

قوله : { من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم } ، رفع القلوب عند سيبويه ب : " تزيغ } ، و{ كاد } ، فيها إضمار الحديث{[30147]} .

ويجوز أن ترفع القلوب ب : { كاد } ، ويكون{[30148]} التقدير : من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ{[30149]} .

وقال أبو حاتم : من قرأ : { تزيغ } بالياء{[30150]} ، لا يجوز أن يرفع القلوب ب : { كاد } ، وهو جائز عند غيره على تذكير الجمع{[30151]} .

والمعنى : لقد رزق الله رسوله الإنابة إلى أمره ، ورزق المهاجرين وذراريهم وعشيرتهم الإنابة إلى أمره ، ورزق الأنصار ذلك ، { الذين اتبعوه في ساعة العسرة }{[30152]} وهي غزوة تبوك ، خرجوا في حر شديد ، فاشتد عليهم العطش ، فكانوا ينحرون إبلهم ، ويعصرون كروشها ، ويشربون ماءها ، فهي العسرة التي لحقتهم ، قال ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، فسأل أبو بكر النبي عليه السلام ، أن يدعو ، فدعا ، فأمطروا فشربوا وملأوا ما معهم . قال عمر : ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر{[30153]} .

وكانوا أيضا في قلة من الظهر وقلة من مال{[30154]} .

قال مجاهد : أصابهم جهد شديد ، حتى إن الرجلين يشقان التمرة بينهما{[30155]} .

وقوله : { ثم تاب عليهم ليتوبوا }[ 117 ] .

أي : ليثبتوا على التوبة{[30156]} ، كما قال : { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله }{[30157]} ، أي : اثبتوا على الإيمان .

وقيل : المعنى : ثم فسح عليهم ، ولم يعجل عقابهم ليتوبوا{[30158]} .

وقيل المعنى : ثم وفقهم الله للتوبة{[30159]} .

يقال : " تاب الله عليه " ، أي : دعاه إلى التوبة ، و " تاب عليه " ، أي : وفقه للتوبة ، و " تاب عليه " : قبل توبته{[30160]} .

وقوله : { وإما يتوب عليهم }[ 107 ] .

أي : وإما{[30161]} يوفقهم للتوبة{[30162]} .

وأصل التوبة في اللغة ، الرجوع عما كان عليه{[30163]} .

وهي تكون بثلاث شرائط : الندم على ما كان منه ، والإقلاع عن المعصية ، وترك الإصرار .

{ والانصار }{[30164]} وقف{[30165]} .


[30146]:في الأصل: رسمها الناسخ بحذف الألف، ولا حجة له من مرسوم مصاحف الأمصار.
[30147]:والتقدير: كاد الأمير يزيغ قلوب فريق منهم، حجة القراءات 325، وينظر: مشكل إعراب القرآن 1/337، والدر المصون 3/509..
[30148]:في الأصل: ويكاد وهو سهو ناسخ.
[30149]:انظر: الكتاب 1/71، هذا باب الإضمار في ليس وكان كالإضمار في إن والمؤلف لم ينقل عنه مباشرة وإنما نقل عن إعراب القرآن للنحاس 2/238، 239. وللتوسع في هذه المسألة، ينظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/510، ومشكل إعراب القرآن 1/337، ومعاني القرآن 1/337، ومعاني القرآن للفراء 1/454، والبيان 1/406، والمحرر الوجيز 3/93، والتبيان 2/662، وتفسير القرطبي 8/178، والبحر المحيط 5/111، 112، والدر المصون 3/509، 510.
[30150]:وهي قراءة حمزة وحفص، وبقية السبعة، بالتاء. الكشف 1/510، وكتاب السبعة في القراءات 319، ومعاني القراءات 1/365، والتيسير 98.
[30151]:مشكل إعراب القرآن 1/337، من غير قوله: وهو جائز...وإعراب القرآن للنحاس 2/239، وعنه نقل مكي، وتفسير القرطبي 8/178.
[30152]:انظر: جامع البيان 14/439.
[30153]:جامع البيان 14/541، 542. وتخريجه فيه، وتفسير البغوي 4/104، وتخريجه فيه، وزاد المسير 3/511، 512، وتفسير ابن كثير 2/396، والدر المنثور 4/308، بتصرف في صياغته.
[30154]:انظر: الآثار الواردة في ذلك في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/290، وجامع البيان 14/540، والدر المنثور 4/309.
[30155]:جامع البيان 14/540، وتمامه: "...وإنهم ليمصون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء"، رضي الله عليهم وأرضاهم. انظر: تفسير القرطبي 8/177، 178. وفيه: "وإنما قيل لها: غزوة تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى قوما من أصحابه يبوكون حسي تبوك، أي: يدخلون فيه القدح ويحركونه ليخرج الماء، فقال: "ما زلتم تَبَوكَونها بوكا"، فسميت تلك الغزوة غزوة تبوك. الحِسي، بالكسر: ما تنشفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر عنه الرمل فتستخرجه، وهو الاحتساء، قاله الجوهري".
[30156]:تفسير القرطبي 8/178.
[30157]:النساء 135، وتمامها: {بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلال بعيدا}.
[30158]:تفسير القرطبي 8/178.
[30159]:زاد المسير 3/513 وتفسير القرطبي 8/178.
[30160]:اللسان/توب، من غير الأول.
[30161]:في "ر": وإلا.
[30162]:جامع البيان 14/467، بزيادة: "فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم".
[30163]:انظر: اللسان توب وفيه: "...أصل "تاب" عاد إلى الله ورجع وأناب".
[30164]:زيادة من "ر".
[30165]:لم يذكر في القطع والإئتناف 369، والمكتفى 299، وعلل الوقوف 2/560، وتقييد وقف الهبطي 227. والمقصد 171، ومنار الهدى127.