غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

111

ثم عاد إلى بقية أحكام الكفار فقال { لقد تاب الله على النبي } الآية . ولنبن تفسير الآيتين على أسئلة مع جواباتها . فالسؤال الأول : أن قبول التوبة دليل سبق الذنب ، والنبي معصوم والمهاجرون والأنصار الذين اتبعوه تحملوا أعباء ذلك السفر الطويل فكان اللائق بحالهم أن يثني عليهم . الجواب أنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار لأنه لا ينفك عن هفوة إما من باب الكبائر وإما من باب الصغائر وإما من باب الأولى . والأفضل كما أشير إلى ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { عفا الله عنك لم أذنت لهم } [ التوبة : 43 ] ولعله قد وقع في قلوب المؤمنين نوع نفرة من تلك السفرة لما عاينوا المتاعب ولا أقل من الوساوس والهواجس فأخبر الله سبحانه أن تلك الشدائد صارت مكفرة لجميع الزلات التي صدرت عنهم في ذلك السفر الطويل بل في مدة عمرهم وصارت قائمة مقام التوبة المقرونة بالإخلاص . ويجوز أن يكون ذكر الرسول لأجل تعظيم شأن المهاجرين والأنصار لا لأنه صدر عنه ذنب . السؤال الثاني : ما المراد بساعة العسرة ؟ فالجواب قد تستعمل الساعة في معنى الزمان المطلق والعسرة تعذر الأمر وصعوبته . والمراد الزمان الذي صعب عليهم الأمر جداً في ذلك السفر ، كانوا في عسرة من الظهر تعتقب العشرة على بعير واحد . وفي عسرة من الزاد تزوّدوا التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة المنتنة ، وقد بلغت بهم الشدة إلى أن اقتسم التمرة اثنان ثم إلى أن مصتها جماعة ليشربوا عليها الماء ، وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فرثها وفي شدة زمان من حرارة القيظ كما قال المنافقون { لا تنفروا في الحر } [ التوبة : 81 ] وقال أبو مسلم : يجوز أن يراد بساعة العسرة جميع الأحوال والأوقات العسرة التي مرت عليهم في غزواتهم كما ذكر الله تعالى في غزوة الخندق { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } [ الأحزاب : 10 ] الثالث : ما معنى { كاد يزيغ } وكيف إعرابه ؟ والجواب هما استعمالان : كاد زيد يخرج ، وكاد يخرج زيد . معنى الأول كاد زيد خارجاً أي قارب الخروج ، ومعنى الثاني كاد الشأن يكون كذا يعني قارب الشأن هذا الخبر . وشبهه سيبويه بقولهم ليس خلق الله مثله أي ليس الشأن ذاك ولكن ضده ، والزيغ الميل عن الجادة قيل : قارب بعضهم أن يميل عن الإيمان . وقيل : هم بعضهم عند تلك الشدة بالمفارقة ثم حبسوا أنفسهم وصبروا وثبتوا وندموا . وقيل : ما كان إلا حديث نفس بلا عزيمة ومع ذلك خافوا أن يكون معصية . الرابع : ذكر التوبة في أول الآية فلم كررها في قوله : { ثم تاب عليهم } ؟ الجواب إن عاد الضمير في { عليهم } إلى الفريق فلا تكرار ، وإن عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار جميعاً فالتكرير للتوكيد مع رعاية دقيقة هي أن التوبة اكتنفت الذنب من جانبيه ، وذلك أنه بدأ بذكر التوبة قبل ذكر الذنب تطيباً لقلوبهم ثم ذكر الذنب ، ثم أردفه بذكر التوبة ليدل على أن العفو عفو متأكد كما يقول السلطان عند كمال الرضا : عفوت عنك ثم عفوت عنك . وإليه الإشارة بقوله : صلى الله عليه وسلم : «إن الله يغفر ذنب الرجل المسلم عشرين مرة » . وقال ابن عباس في تفسير قوله : { ثم تاب عليهم } يريد ازداد عنهم رضا . ثم أكد هذه المعاني بقوله { إنه بهم رؤوف رحيم } فيشبه أن يراد بالرأفة إزالة الضرر ، وبالرحمة إيصال المنفعة . أو الأوّل رحمة سابقة ، والثاني لاحقة .

/خ119