النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

قوله عز وجل : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } الآية . هي غزوة تبوك قِبل الشام ، كانوا في عسرة من الظهر ، كان الرجلان والثلاثة على بعير وفي عسرة من الزاد ، قال قتادة حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما ، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها أحدهم ثم يشرب عليها من الماء ، ثم يمصها الآخر ، وفي عسرة من الماء ، وكانوا في لهبان الحر وشدته .

قال عبد الله بن محمد بن عقيل : وأصابهم يوماً عطش شديد فجعلوا ينحرون إبلهم ويعصرون أكراشها فيشربون ماءها ، قال عمر بن الخطاب فأمطر الله السماء بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فغشينا .

وفي هذه التوبة من الله على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وجهان محتملان :

أحدهما : استنقاذهم من شدة العسر .

والثاني : أنها خلاصهم من نكاية العدوّ . وعبر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه وهو الرجوع إلى الحالة الأولى{[1303]} .

{ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ منْهُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : تتلف بالجهد والشدة .

والثاني : تعدِل عن الحق في المتابعة والنصرة ، قاله ابن عباس .

{ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رحِيمٌ } وهذه التوبة غير الأولى ، وفيها قولان :

أحدهما : أن التوبة الأولى في الذهاب ، والتوبة الثانية في الرجوع .

والقول الثاني : أن الأولى في السفر ، والثانية بعد العودة إلى المدينة .

فإن قيل بالأول ، أن التوبة الثانية في الرجوع ، احتملت وجهين :

أحدهما : أنها الإذن لهم بالرجوع إلى المدينة .

الثاني : أنها بالمعونة لهم في إمطار السماء عليهم حتى حيوا ، وتكون التوبة على هذين الوجهين عامة .

وإن قيل إن التوبة الثانية بعد عودهم إلى المدينة احتملت وجهين :

أحدهما : أنها العفو عنهم من ممالأة من تخلف عن الخروج معهم .

الثاني : غفران ما همَّ به فريق منهم من العدول عن الحق ، وتكون التوبة على هذين الوجهين خاصة .


[1303]:سقط من ق.