الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

{ تَابَ الله على النبى } كقوله : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] وقوله : { واستغفر لِذَنبِكَ } وهو بعث للمؤمنين على التوبة ، وأنه ما من مؤمن إلاّ وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرون والأنصار ، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله ، وأن صفة التوابين الأوّابين صفة الأنبياء ، كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح . وقيل : معناه تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه ، كقوله : { عَفَا الله عَنكَ } [ التوبة : 43 ] ، { فِى سَاعَةِ العسرة } في وقتها ، والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق ، كما استعملت الغداة والعشية واليوم :

غَدَاةً طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ***

وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً *** عَشِيَّةَ قَارَعْنَا جُذَامَ وَحِمْيَراً

إذَا جَاءَ يَوْماً وَارِثِي يَبْتَغِي الْغِنَى*** يَجِدْ جُمْعَ كَفٍّ غَيْرَ مَلأَى وَلاَ صِفْر

والعسرة : حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة من الظهر : يعتقب العشرة على بعير واحد . وفي عسرة من الزاد : تزوّدوا التمر المدود والشعير المسوّس والإهالة الزنخة ، وبلغت بهم الشدّة أن اقتسم التمرة اثنان ، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء . وفي عسرة من الماء ، حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها . وفي شدّة زمان ، من حمارّة القيظ ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة { كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ } عن الثبات على الإيمان ، أو عن اتباع الرسول في تلك الغزوة والخروج معه . وفي «كاد » ضمير الشأن ، وشبهه سيبويه بقولهم : ليس خلق الله مثله . وقرئ : «يزيغ » بالياء . وفي قراءة عبد الله : «من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم » ، يريد المتخلفين من المؤمنين كأبي لبابة وأمثاله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } تكرير للتوكيد . ويجوز أن يكون الضمير للفريق : تاب عليهم لكيدودتهم .