وقوله سبحانه : { لَقَد تَّابَ اللهُ على النبي والمهاجرين والأنصار } [ التوبة : 117 ] .
التوبةُ مِنَ اللَّه تعالَى هو رُجُوعه بعبده مِنْ حالة إِلى أَرفَعَ منها ، فقد تكونُ في الأكثَرِ رُجُوعاً من حالة طاعةٍ إِلى أَكْمَلَ منها ، وهذه توبته سبحانه في هذه الآيةِ عَلَى نبيِّه عليه السلام ، وأما توبته على المهاجرين والأنصار ، فمعرَّضةً لأنْ تكونَ مِنْ تقصير إلى طاعة وجِدٍّ في الغزو ونُصْرَةِ الدِّين ، وأما توبته على الفريق الذي كاد يزيغ ، فَرُجُوعٌ من حالة محطوطةٍ إلى حال غفران ورضى ؛ وقال الشيخ أبو الحَسَن الشَّاذِلِيُّ رحمه اللَّه في هذه الآية :
ذَكَر اللَّه سبحانه تَوْبَةَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ لَئِلاَ يستوحِشَ مَنْ أذنب ؛ لأنه ذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا ، ثم قال : { وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا } [ التوبة : 118 ] فذكر مَنْ لم يُذْنِبْ لِيُؤْنَسَ من قد أذنب ، انتهى .
من «لطائف المِنَن » : و{ سَاعَةِ العسرة } [ التوبة : 117 ] يريد : وقْت العسرة ، والعُسْرة الشِّدَّةُ ، وضيقُ الحَالِ ، والعُدْمُ ، وهذا هو جيشُ العُسْرة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَلَهُ الجنة ) ، فجهزه عثمانُ بْنُ عفَّان رضي اللَّه عنه بألْفِ جَمَلٍ ، وألْف دينارٍ ، وجاء أيضاً رجلٌ من الأنصار بِسَبْعِمَائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْر ، وهذه غزوةُ تبوكَ .
( ت ) : وعن ابن عَبَّاس ؛ أنَّه قيل لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّاب : حدِّثنا عن شأنِ سَاعَةِ العُسْرَة ، فقال عمر : خَرَجْنَا إلى تبوكَ في قَيْظٍ شديدٍ ، فنزلْنا منزلاً أصابنا فيه عَطَشٌ ، حتى ظَنَنَّا أَنَّ رقابنا سَتَنْقَطِعُ حتى إنَّ الرجُلَ لَيَنْحَرُ بعيره ، فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فيشربه ، ثم يَجْعَلُ ما بقي عَلَى كَبِدِهِ ، فقال أبو بكر : يا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إِنَّ اللَّه قد عَوَّدَكَ في الدعاءِ خيراً ، فادع اللَّهَ ، فَقَالَ : ( أَتُحِبُّ ذلكَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فلم يَرْجِعْهما حتَّى مالَتِ السماء ، فَأَظلَّتْ ، ثم سَكَبَتْ فملؤوا ما معهم ، ثم ذهبْنا ننظر ، فلم نجدْها جاوَزَتِ العَسْكَر ، رواه الحاكم في «مستدركه » على الصحيحين ، وقال : صحيحٌ على شرط الشَّيْخَيْن ، يعني : مسلماً والبخاريَّ انتهى في «السلاح » .
ووصَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ إِلى أوائلِ بلد العَدُوِّ فصالحه أَهْلُ أذرح وأَيْلَةَ وغيرهما على الجِزْية ونحوها ، وانصرف ، والزيغ المذْكُور هو ما هَمَّت به طائفةٌ من الانصراف ؛ لِمَا لَقُوا من المشقَّة والعُسْرة . قاله الحسن .
وقيل : زيغها إِنما كان بظُنُونٍ لها ساءَتْ في معنى عزم النبيِّ صلى الله عليه وسلم على تلك الغزوة ، لما رأته من شدَّة الحال وقوَّة العدوِّ والمقصود ، ثم أخبر عزَّ وجلَّ ؛ أنه تاب أيضاً على هذا الفريقِ ، وراجَعَ به ، وأنس بإِعلامه للأمَّة بأنه { رؤوفٌ رحيمٌ } .
والثلاثة الذين خُلِّفوا هم : كعْبُ بن مالِكٍ وهلال بن أمية الوَاقفيُّ ومُرَارَةُ بنُ الرَّبيع العامريُّ ، وقد خرَّج حديثهم بكماله البخاريُّ ومسلم ، وهو في السِّير ؛ فلذلك اختصرنا سَوْقَهُ ، وهم الذين تقدَّم فيهم : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله } [ التوبة : 106 ] ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.