المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

64- لهؤلاء الأولياء البشرى بالخير في الدنيا ، وما وعدهم الله به من نصر وعزة ، وفي الآخرة يتحقق وعد الله ، ولا خلف لما وعد الله به ، وهذا الذي بشروا به في الدنيا ، وظفروا به في الآخرة هو الفوز العظيم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ، اختلفوا في هذه البشرى : روي عن عبادة بن الصامت قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا } ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة " . وقيل : البشري في الدنيا هي : الثناء الحسن وفى الآخرة : الجنة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا عبد الرزاق بن أبي شريج ، أنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال : سمعت عبد الله بن الصامت قال : " قال أبو ذر : يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبه الناس ؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن " .

وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن أبي عمران ، وقال : ويحمده الناس عليه . وقال الزهري وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت ، قال الله تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } [ فصلت-30 ] . وقال عطاء عن ابن عباس : البشرى في الدنيا ، يريد : عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة ، وفى الآخرة عند خروج نفس المؤمن ، يعرج بها إلى الله ، ويبشر برضوان الله . وقال الحسن : هي ما بشر الله المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ، كقوله : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ البقرة- 25 ] ، { وبشر المؤمنين } [ الأحزاب-47 ] { وأبشروا بالجنة } [ فصلت-30 ] . وقيل : بشرهم في الدنيا بالكتاب والرسول أنهم أولياء الله ، ويبشرهم في القبور وفى كتب أعمالهم بالجنة . { لا تبديل لكلمات الله } ، لا تغيير لقوله ، ولا خلف لوعده . { ذلك هو الفوز العظيم * }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

وقوله - سبحانه - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة } زيادة تكريم وتشريف لهم .

والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس .

أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته .

قال الآلوسى ما ملخصه : " والثابت في أكثر الروايات ، أن البشرى في الحياة الدنيا ، هي الرؤيا الصالحة . . فقد أخرد الطيالسي وأحمد الدارمي والترمذي . . وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا } فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " .

وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك .

ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائناً ما كان . . . "

وقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفى الآخرة .

واسم الإِشارة في قوله - تعالى - { ذلك هُوَ الفوز العظيم } يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين .

أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والذي لا يفوته نجاح أو فضل .

هذا ، وقبد نقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه :

هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - في كتابه ، وبين رسوله في سنته أن الله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء .

وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما في هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . . "

والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين . . فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان . . .

وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله .

فالناس متفاضلون في ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم في الإِيمان والتقوى .

ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً في دعواه ، أو كان مجنوناً .

وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير . . بل يوجدون في جميع طبقات الأمة . فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع . . .

وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

{ لهم البشرى في الحياة الدنيا } هو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات ، وبشرى الملائكة عند النزع . { وفي الآخرة } بتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم ، ومحل { الذين آمنوا } النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره { لهم البشرى } . { لا تبديل لكلمات الله } أي لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده . { ذلك } إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين . { هو الفوز العظيم } هذه الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه ، وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

أما بشرى الآخرة فهي بالجنة قولاً واحداً وتلك هي الفضل الكبير الذي في قوله { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً }{[6154]} وأما بشرى الدنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وعمران بن حصين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم على أنه سئل عن ذلك ففسره بالرؤيا{[6155]} ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال : «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة »{[6156]} ، وروت عنه أم كرز الكعبية أنه قال : «ذهبت النبوءة وبقيت المبشرات »{[6157]} ، وقال قتادة والضحاك : البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة .

قال القاضي أبو محمد : ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات ، ويقوى ذلك بقوله في هذه الآية { لا تبديل لكلمات الله } وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «هي الرؤيا » إلا إن قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالاً من البشرى وهي تعم جميع الناس ، وقوله { لا تبديل لكلمات الله } يريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره .

قال القاضي أبو محمد : وقد أخذ ذلك عبد الله بن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك أنه روي : أن الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتى قال : إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله ، فقال له عبد الله بن عمر : إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير { لا تبديل لكلمات الله } ، فقال له الحجاج : لقد أعطيت علماً فلما انصرف إليه في خاصته سكت عنه ، وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجّاج ، ذكره البخاري ، وقوله { ذلك هو الفوز العظيم } إشارة إلى النعيم الذي به وقعت البشرى .


[6154]:- من الآية (47) من سورة (الأحزاب).
[6155]:- أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وغيرهم عن رجل من أهل مصر قال: سألت أبا الدرداء رضي الله عنه عن قول الله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: (ما سألني عنها أحد منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، فهي بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة). الدر المنثور.
[6156]:- أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال: (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)، المرجع السابق.
[6157]:-أخرجه ابن ماجه، وابن جرير. (المرجع السابق).