قوله تعالى : { وكفى بربك هادياً ونصيراً *وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدةً } كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود . قال الله سبحانه وتعالى : { كذلك } فعلنا { لنثبت به فؤادك } أي : أنزلناه متفرقاً ليقوى به قلبك فتعيه وتحفظه ، فإن الكتب أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤون ، وأنزل الله القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأيسر على العامل به . { ورتلناه ترتيلاً } قال ابن عباس : بيناه بياناً ، والترتيل : التبيين في ترتل وتثبت . وقال السدي : فصلناه تفصيلاً . وقال مجاهد : بعضه في إثر بعض . وقال النخعي والحسن وقتادة : فرقناه تفريقاً ، آية بعد آية .
الخامسة - بعض شبهاتهم وأباطيلهم فقال
{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً . . . } .
أى : وقال الذين كفروا بالحق الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم : هلا نزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ، دون أن ينزل مفرقا كما نراه ونسمعه .
وقولهم هذا دليل على سوء أدبهم فقد طلبوا مالا يعنيهم . واقترحوا شيئا لا مدخل لهم فيه ولا علم عندهم بحكمته ، ولذا رد سبحانه عليهم بقوله : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } والكاف بمعنى مثل ، والجار والمجرور نعت لمصدر محذوف مع عامله . وقوله { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } تعليل للعامل المحذوف .
فالجملة الكريمة استئناف مسوق للرد عليهم ، ولبيان بعض الحكم فى نزول القرآن مفرقا .
وقوله - سبحانه - : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } معطوف على الفعل المحذوف . والتنكير فى " ترتيلا " للتفخيم والتعظيم . وأصل الترتيل ، عدم التلاصق . يقال ، ثغر مرتل . أى مفلج الأسنان غير متلاصقها .
أى : نزلناه مفرقا ، ورتلناه ترتيلا بديعا ، بأن قرأناه عليك بلسان جبريل شيئا فشيئا ، على تؤدة وتمهل ، وجعلنا بعضه ينزل فى إثر بعض .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : وقوله " كذلك " جواب لهم ، أى : كذلك أنزلناه مفرقا ، والحكمة فيه : أن نوقى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه . . .
فإن قلت : ذلك فى كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شىء تقدمه ، والذى تقدمه هو إنزاله جملة واحدة فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا ؟
قلت : لأن قولهم : لولا أنزل عليه القرآن جملة ، معناه : لماذا أنزل مفرقا ، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه . . . فكأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته .
يقول تعالى مخبراً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم ، وكلامهم فيما لا يعنيهم ، حيث قالوا : { لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } أي : هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة ، كما نزلت الكتب قبله كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية . فأجابهم الله عن ذلك بأنه إنما أنزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث ، وما يحتاج إليه من الأحكام لتثبيت{[21513]}قلوب المؤمنين به كما قال : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا } [ الإسراء : 106 ] ؛ ولهذا قال : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا } . قال قتادة : وبيناه تبيينا . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وفسرناه تفسيرا .
{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن } أي أنزل عليه ك " خبّر " بمعنى " أخبر " لئلا يناقض قوله : { جملة واحدة } دفعة واحدة كالكتب الثلاثة ، وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقا مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله : { كذلك لنثبت به فؤادك } أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ، لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أميا وكانوا يكتبون ، فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه ، ولعله لم يستتب له ، فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئا فشيئا ، ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ، ولأنه إذا نزل منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ، ولأنه إذا نزل به جبريل حالا بعد حال يثبت به فؤاده ، ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ، ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية ، فإنه يعين على البلاغة ، و " كذلك " صفة مصدر محذوف والإشارة إلى إنزاله مفرقا فإنه مدلول عليه بقوله { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفرة ، ولذلك وقف عليه ، فيكون حالا ، والإشارة إلى الكتب السابقة ، واللام على الوجهين متعلق بمحذوف . { ورتلناه ترتيلا } وقرأناه عليك شيئا بعد شيء على تؤدة وتمهل في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفليجها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.