قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ{[36045]} عَلَيْهِ القرآن } الآية .
هذه شبهة خامسة{[36046]} لمنكري النبوة ؛ فإن أهل مكة قالوا : تزعم أنك رسول من عند الله ، فهلا تأتينا بالقرآن جملة ( واحدة ) {[36047]} ، كما أتي موسى بالتوراة جملة ، وكما أتي عيسى بالإنجيل جملة ، وداود بالزبور{[36048]} . قال ابن جريج : من أوله إلى آخره في ثنتين أو ثلاث وعشرين سنة{[36049]} . و «جملة » حال من «القرآن » ؛ إذ هي في معنى مجتمعاً{[36050]} .
قوله : «كذلك » الكاف إما مرفوعة المحل ، أي : الأمر كذلك{[36051]} ، و «لِنُثَبِّتَ » علة لمحذوف{[36052]} ، أي : لنثبت فعلنا ذلك . وإما منصوبته{[36053]} على الحال ، أي : أنزل مثل ذلك ، أو على النعت لمصدر محذوف ، و «لنثبت » متعلقة بذلك الفعل المحذوف{[36054]} وقال أبو حاتم : هي جواب قسم{[36055]} . وهذا قول مرجوح نحا إليه الأخفش{[36056]} ، وجعل منه «ولتصغى »{[36057]} ، وقد تقدم في الأنعام . وقرأ عبد الله «ليثبت » بالياء{[36058]} أي الله تعالى .
هذا جواب عن شبهتهم ، وبيانه من وجوه :
أحدها : أنه - عليه السلام - لم يكن من أهل الكتابة والقراءة{[36059]} ، فلو نزل ذلك عليه جملة واحدة كان{[36060]} لا يضبطه وجاز عليه فيه الخطأ والغلط .
وثانيها : أن من كان الكتاب عنده ، فربما اعتمد على الكتاب وتساهل في الحفظ ، فالله{[36061]} تعالى ما أعطاه الكتاب جملة واحدة بل كان ينزل عليه وظيفة ، ليكون حفظه له أكمل ، فيكون أبعد عن المساهمة وقلة التحصيل .
وثالثها : أنه تعالى لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة على الخلق ، فكان يثقل عليهم ذلك فلما{[36062]} نزل مفرقاً منجماً نزلت التكاليف قليلاً قليلاً ، فكان تحملها أسهل .
ورابعها : أنه إذا شاهد جبريل حالاً بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته على أداء ما حمل ، وعلى الصبر على عوارض النبوة ، وعلى احتمال الأذى وعلى التكاليف الشاقة .
وخامسها : أنه لما تم{[36063]} شرط الإعجاز فيه مع كونه منجماً ثبت كونه معجزاً ؛ فإنه لو كان ذلك مقدوراً للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجماً مفرقاً ، ولما عجزوا عن معارضة نجومه المفرقة ، فعن معارضة الكل أولى .
وسادسها : كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم ووقائعهم ، فكانوا يزدادون بصيرة ، وكان ينضم إلى الفصاحة الإخبار عن الغيوب .
وسابعها : أن السفارة بين الله وبين أنبيائه ، وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على جبريل - عليه السلام - فلما أنزله مفرقاً منجماً بقي ذلك المنصب العالي عليه ، فلذلك جعلة الله تعالى منجماً {[36064]} .
فصل{[36065]}
قوله : «كذلك » يحتمل أن يكون من تمام{[36066]} كلام المشركين ، أي : جملة واحدة كذلك أي كالتوراة والإنجيل . ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ذكره جواباً لهم ، أي : كذلك أنزلناه ، مفرقا$$$0023ً . فإن قيل : «كذلك » إشارة إلى شيء تقدمه ، والذي تقدمه هو إنزالة جملة ، ( فكيف فسره ب «كَذلِكَ أَنْزَلْنَاهُ »{[36067]} ) مفرقاً ؟
فالجواب : أن الإشارة ( إلى الإنزال مفرقاً لا إلى جملة{[36068]} . قوله : «ورتلناه ترتيلاً » الترتيل : التفريق ومجيء الكلمة بعد الأخرى بسكوت ) {[36069]} يسير دون قطع النفس ، ومنه ثغر{[36070]} رَتِلٌ ومُرتل ، أي : مفلج الأسنان بين أسنانه فرج يسيرة{[36071]} . قال الزمخشري : و " نزّل " هنا بمعنى " أنزل " لا غير كخبّر بمعنى أخبر وإلا تدافعا{[36072]} . يعني أن نزل بالتشديد يقتضي بالأصالة التنجيم والتفريق ، فلو لم يجعل بمعنى أنزل الذي لا يقتضي ذلك ، لتدافع{[36073]} مع قوله «جُمْلَةً » لأن الجملة تنافي التفريق ، وهذا بناء منه على معتقده ، وهو أن التضعيف يدل على التفريق ، وقد نص على كذلك في مواضع من الكشاف في سورة البقرة{[36074]} ، وأول{[36075]} آل عمران{[36076]} ، وآخر الإسراء{[36077]} ، وحكى هناك عن ابن عباس ما يقوي ظاهره صحة قوله{[36078]} .
«وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً » قال ابن عباس : بيناه بياناً{[36079]} . والترتيل التبيين{[36080]} في ترسل{[36081]} وتثبيت{[36082]} . وقال السديّ : فصلناه تفصيلا{[36083]} . وقال مجاهد : بعضه{[36084]} في أثر بعض{[36085]} . وقال النخعي والحسن{[36086]} وقتادة : فرقناه تفريقاً آية بعد آية{[36087]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.