الشبهة الخامسة : لمنكري النبوة ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا } أي : الذين غطوا عداوة وحسداً ما تشهد عقولهم بصحته من أن القرآن كلام الله تعالى لإعجازه لهم مفرقاً فضلاً عن كونه مجتمعاً { لولا } أي : هلا { نزل عليه القرآن } أي : " أنزل " بمعنى " نزّل " ك " خبّر " بمعنى " أخبر " لئلا يناقض قولهم { جملة } وأكدوا بقولهم { واحدة } أي : من أوله إلى آخره كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود لتحقق أنه من عند الله تعالى ، ويزول عنا ما نتوهمه من أنه الذي يرتبه قليلاً قليلاً ، وهذا الاعتراض في غاية السقوط ؛ لأن الإعجاز لا يتخلف بنزوله جملة أو متفرقاً مع أن للتفريق فوائد منها :
ما أشار إليه بقوله تعالى : { كذلك } أي : أنزلناه شيئاً فشيئاً على هذا الوجه العظيم الذي أنكروه { لنثبت } أي : نقوي { به فؤادك } أي : قلبك فتعيه وتحفظه ؛ لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً فشيئاً وجزءاً عقب جزء ، ولو ألقي عليه جملة واحدة لتعيا بحفظه والرسول صلى الله عليه وسلم فارقت حاله حال داود وموسى عليهم السلام وعيسى حيث كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وهم كانوا قارئين كاتبين ، فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ ، فأنزله الله عليه منجماً في عشرين سنة ، وقيل : في ثلاث وعشرين سنة ، وأيضاً فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين ؛ ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقاً .
فإن قيل : ذا في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدمه ، والذي تقدم هو إنزاله جملة ، فكيف فسر كذلك بأنزلناه مفرقاً ؟ أجيب : بأن الإشارة إلى الإنزال مفرقاً لا إلى جملة ، والدليل على فساد هذا الاعتراض أيضاً أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه ، وتحدوا بسورة واحدة من أقصر السور فأبرزوا صفحة عجزهم وسجلوا به على أنفسهم حين لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المجاذبة ، ثم قالوا : هلا نزل جملة واحدة ؟ كأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته ، وقوله تعالى : { ورتلناه ترتيلاً } معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال تعالى : كذلك فرقناه ورتلناه ترتيلاً ، ومعنى ترتيله قال ابن عباس : بيناه بياناً ، والترتيل : التبيين في تؤدة وتثبت ، وقال السدي : فصلناه تفصيلاً ، وقال مجاهد : بعضه في إثر بعض ، وقال الحسن : تفريقاً آية بعد آية ووقعة عقب وقعة ، ويجوز أن يكون المعنى : وأمرنا بترتيل قراءته ، وذلك قوله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلاً } ( المزمل ، 4 ) أي : اقرأه بترتل وتثبت .
ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صفة قراءته : لا كسردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها ، وقيل : هو أن ننزله مع كونه متفرقاً على تمكث وتمهل في مدة متباعدة ، وهي عشرون سنة ، ولم نفرقه في مدة متقاربة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.