تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا} (32)

[ الآية 32 ] وقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة } ذكر أهل التأويل أن أهل مكة كانوا يأتون رسول الله ، فيعنتونه ، ويسألونه ، يقولون : يا محمد أتزعم أنك رسول من عند الله ؟ أفلا أتيتنا بالقرآن جملة كما أنزلت التوراة جملة واحدة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داوود ؟

فقال تعالى : { كذلك لنثبت/ 377- ب/ به فؤادك ورتلناه ترتيلا } أي بمثل الذين نثبت به فؤادك . ثم يحتمل قوله تعالى : { لنثبت به فؤادك } وجهين :

أحدهما : أنزلناه متقربا لنثبته في فؤادك ، فتحفظه{[14427]} ، وتذكره ، لأن حفظ الشيء إذا كان سماعه بالتفاريق ، كان حفظه أهون وأيسر من حفظه إذا سمع جملة واحدة وخاصة إذا كان الكلام من أجناس وأنواع .

والثاني : { لنثبت به فؤادك } أي لنثبت بما في القرآن من الحكمة والمعاني فؤادك .

ثم يحتمل قوله : { فؤادك } أنه يراد به فؤاد من يستمع إليه ، ويسمعه . فإن كان هذا فهو كقوله : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } الآية [ الإسراء : 106 ] على ما ذكرنا أنه يكون أسرع حفظا وأهون ثباتا من سماعه جملة . [ به ]{[14428]} فؤاده كقوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } { إن علينا جمعه وقرآنه } [ القيامة : 16- و17 ] وقوله : { سنقرئك فلا تنسى } { إلا ما شاء الله } الآية [ الأعلى : 6 و7 ] كان يعجل بحفظه إذا قرئ عليه خوفا أن يذهب ، فأخبره أنه يثبت فؤاده{[14429]} ، وينزله بالتفاريق لكي يحفظه ويذكره .

ثم إن كان المراد تثبيته في الفوائد ، هو ما فيه من الحكمة والمعاني وقراءته على الناس على مكث كذلك ، فهو ، والله أعلم ، ينزله على قدر النوازل والحوائج ليكونوا أحفظ لتلك المعاني وأعرف بمواضعها وتقدير غيرها من النوازل به من أن ينزل جملة في دفعة واحدة ، والله أعلم .


[14427]:- الفاء ساقطة من الأصل وم.
[14428]:- ساقطة من الأصل وم.
[14429]:- من م،في الأصل:فؤادك.