غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا} (32)

21

ثم حكى عنهم شبهة خامسة وهي قولهم : هلا نزل عليه القرآن حال كونه جملة واحدة أي مجتمعاً . ومعنى التنزيل ههنا : التعدية فقط ، لقرينة قوله { جملة } خلاف ما تقرر في أكثر المواضع من إرادة التكثير المفيد للتدريج كما مر في قوله { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل } [ آل عمران : 3 ] والقائلون قريش أو اليهود ، فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله { لنثبت } الخ . وتقريره من وجوه أحدها : أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئاً كاتباً بخلاف موسى وداود وعيسى ، فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ ، فأنزله الله عليه منجماً في عشرين سنة . وعن ابن جريج : في ثلاث وعشرين ليكون أقرب إلى الضبط وأبعد عن النسيان والسهو . وثانيها أن الاعتماد على الحفظ أقرب إلى التحصيل من الاعتماد على الكتابة ، والحفظ لا بد فيه من التدرج . وثالثها إن نزول الشرائع متدرجة أسهل على المكلف منها دفعة . ورابعها أن نزول جبريل ساعة فساعة مما يقوي قلبه ويعينه على تحمل أعباء النبوّة والرسالة . وخامسها أن نزوله مفرّقاً يوجب وقوع التحدي على أبعاض القرآن وأجزائه ونزوله جملة يقتضي وقوع التحدي على مجموعه ، ولا ريب في أن الأول أدخل في الإعجاز . وسادسها أن نزوله بحسب الوقائع والحوادث أوفق في باب التكاليف والاستبصار وأدل على الأخبار عن الحوادث في أوقاتها . وسابعها أن في تجديد منصب السفارة في كل حين مزيد شرف لجبريل .

وللترتيل معانٍ منها : أنه قدره آية بعد آية ودفعة عقيب دفعة . ومنها التأني في القراءة ومعنى { ورتلناه } أمرنا بترتيل قراءته ، ومنه حديث عائشة في قراءته : لا يسرد كسردكم هذا ، لو أراد السامع أن يعدّ حروفها لعدها ، وهو مأخوذ من ترتيل الأسنان أي تفليجها . يقال : ثغر مرتل ويشبه بنور الأقحوان في تفليجه . ومنها أنه نزله في مدد متباعدة الأطراف جملتها عشرون سنة ولم يفرقه في مدد متقاربة .

/خ50