قوله تعالى : { فإن تولوا فقل آذنتكم } أي أعلمتكم بالحرب وأن لا صلح بيننا ، { على سواء } يعني : إنذارا بينا نستوي في علمه لا أستبد أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم ، يعني : آذنتكم على وجه نستوي نحن وأنتم في العلم به ، وقيل : لتستووا في الإيمان به { وإن أدري } يعني : وما أعلم . { أقريب أم بعيد ما توعدون } يعني : القيامة . { إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون }
ثم أرشد - سبحانه - النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يقوله للناس فى حال إعراضهم عن دعوته ، فقال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ على سَوَآءٍ . . . } .
وآذنتكم : من الإيذان بمعنى الإعلام والإخبار . ومنه الأذان للصلاة بمعنى الإعلام بدخول وقتها .
قال بعضهم : آذن منقول من أذن إذا علم ، ولكنه كثر استعماله فى إجرائه مجرى الإنذار والتحذير .
أى : فإن أعرضوا عن دعوتك - أيها الرسول الكريم - فقل لهم : لقد أعلمتكم وأخبرتكم بما أمرنى ربى أن أعلمكم وأخبركم به ، ولم أخص أحدا منكم بهذا الإعلام دون غيره ، وإنما أخبرتكم جميعا " على سواء " أى : حال كونكم جميعا مستوين فى العلم .
فقوله : { على سَوَآءٍ } فى موضع الحال من المفعول الأول لآذنتكم . أى : فقد أعلمتكم ما أمرنى ربى به حالة كونهم مستوين فى هذا العلم .
ويجوز أن يكون الجار والمجرور فى موضع الصفة لمصدر مقدر . أى : فقد آذنتكم إيذانا على سواء .
وقوله - تعالى - : { وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } إرشاد منه - سبحانه - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يقوله لهم - أيضا - فى حال إعراضهم عن دعوته .
و " إن " نافية . أى : فإن أعرضوا عن دعوتك يا محمد ، فقل لهم : لقد أعلمتكم جميعا بما أمرنى الله بتبليغه إليكم ، وإنى بعد هذا التبليغ والتحذير ما أدرى وما أعرف ، أقريب أم بعيد ما توعدون به من العذاب ، أو من غلبة المسلمين عليكم ، أو من قيام الساعة . فإن علم ذلك وغيره إلى الله - تعالى - وحده ، وما أنا إلا مبلغ عنه .
( فإن تولوا فقل : آذنتكم على سواء ) . .
أي كشفت لكم ما عندي فأنا وأنتم على علم سواء . والإيذان يكون في الحرب لإنهاء فترة السلم ، وإعلام الفريق الآخر أنها حرب لا سلام . . أما هنا - والسورة مكية ولم يكن القتال قد فرض بعد - فالمقصود هو أن يعلنهم بأنه قد نفض يده منهم ، وتركهم عالمين بمصيرهم ، وأنذرهم عاقبة أمرهم . فلم يعد لهم بعد ذلك عذر ، فليذوقوا وبال أمرهم وهم عالمون . .
( وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) . .
آذنتكم على سواء . ولست أدري متى يحل بكم ما توعدون . فهو غيب من غيب الله . لا يعلمه إلا الله .
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تركوا ما دعوتهم إليه ، { فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ } أي : أعلمتكم أني حَرْب لكم ، كما أنكم حَرْبٌ لي ، بريء منكم كما أنكم بُرآء مني ، كقوله : { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] . وقال { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [ الانفال : 58 ] : ليكن{[19953]} علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء ، وهكذا هاهنا ، { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ } أي : أعلمتكم ببراءتي منكم ، وبراءتكم مني ؛ لعلمي بذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىَ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مّا تُوعَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عن الإقرار بالإيمان ، بأن لا إله لهم إلا إله واحد ، فأعرضوا عنه وأبوا الإجابة إليه ، فقل لهم : قَدْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَوَاءٍ يقول : أعلمهم أنك وهم على علم من أن بعضكم لبعض حرب ، لاصلح بينكم ولا سلم .
وإنما عُني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُرَيش ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : فإنْ تَوَلّوْا فَقُل آذَنْتُكُمْ عَلى سَوَاءٍ فإن تولوا ، يعني قريشا .
وقوله : وَإنْ أدْرِي أقَرِيبٌ أمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه : قل وما أدري متى الوقت الذي يحلّ بكم عقاب الله الذي وعدكم ، فينتقم به منكم ، أقريب نزوله بكم أم بعيد ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : وَإنْ أدْرِي أقَرِيبٌ أمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ قال : الأجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.