قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . قال ابن عباس :نزلت في ثابت بن قيس ، وقوله للرجل الذي لم يفسح له : ابن فلانة ، يعيره بأمه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من الذاكر فلانة ؟ فقال ثابت : أنا يا نبي الله ، فقال :انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت ؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، وفي الذي لم يتفسح : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا } ( المجادلة-11 ) . وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا ظهر الكعبة وأذن له ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ، وقال سهيل ابن عمرو : إن يرد الله شيئاً يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فنزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا : فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزار بالفقراء ، فقال : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب . { وجعلناكم شعوباً } جمع شعب بفتح الشين ، وهي رؤوس القبائل مثل : ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوباً لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب ، أي : جمع ، وشعب أي : فرق . { وقبائل } وهي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ، ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل ، والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، بعد العشيرة حتى يوصف به . وقيل : الشعوب من العجم ، والقبائل العرب ، والأسباط من بني إسرائيل . وقال أبو روق : الشعوب من الذين لا يعتزون إلى أحد ، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم . { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النسب وبعده ، لا ليتفاخروا . ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } قال قتادة في هذه الآية : إن أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور .
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم الشاسي ، حدثنا عبد الله بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحسب المال ، والكرم التقوى " ، وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى . أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد الله بن حميد ، أنبأنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخاً ، فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، إنما الناس رجلان بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، ثم تلا { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام ، حدثنا عبدة عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم قال : فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين ، التى اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية . . وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا ، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده ، فقال - سبحانه - : { ياأيها الناس . . . } .
وقد ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى عند - وكان حجاما للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، نزوج بناتنا - موالينا - أى : عبيدنا ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
والمراد بالذكر والأنثى : آدم وحواء . أى : خلقناكم من أب واحد ومن أم واحدة ، فأنتم جميعا تنتسبون إلى اصل واحد ، ويجمعكم وعاء واحد ، وما داما لأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالحساب والأنساب .
قال الآلوسى : أى خلقناكم من آدم وحواء ، فالكل سواء فى ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، كما قال الشاعر :
الناس فى عالم التمثيل أكفاء . . . أبوهم آدم والأم حواء .
وجوز أن يكون المراد هنا : إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم ، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه ، والكلام مساق له . .
وقوله : { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا } بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة ، وللحكمة من ذلك .
والشعوب : جمع شعب ، وهو العدد الكثير من الناس يجمعهم - فى الغالب أصل واحد .
والقبائل : جمع قبيلة وتمثل جزاء من الشعب ، إذ أن الشعب مجموعة من القبائل .
قال صاحب الكشاف : والشعب الطبقة من الطبقات الست التى علها العرب .
وهى : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة . . وسميت الشعوب بذلك ، لأن قبائل تشعبت منها . .
والمعنى : خلقناكم - أيها الناس - من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل { لتعارفوا } أى : ليعرف بعضكم نسب بعض ، فينتسب كل فرد إلى آياته ، ولتتواصلوا فيما بينكم وتتعاونوا على البر والتقوى ، لا ليتفاخر بعضكم على بعض بحسبه أو نسبه أو جاهه .
وقوله - سبحانه - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } تعليل لما بدل ------------ النهى عن التفاخر بالأنساب .
أى : إن أرفعكم منزلة عند الله ، وأعلاكم عنده - سبحانه - درجة . . هو أكثرهم تقوى وخشية منه - تعالى - فإنه أردتم الفخر ففاخروا بالتقوى وبالعمل الصالح .
{ إِنَّ الله عَلِيمٌ } بكل أحوالكم { خَبِيرٌ } بما ترونه وتعلنونه من أقوال وأفعال .
وقد ساق الإِمام ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية . جملة من الأحاديث التى تنهى عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، فقال : فجميع الناس فى الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمر الدينية ، وهى طاعة الله ورسوله . .
روى البخارى - بسدنه - عن أبى هريرة قال : " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى الناس كرم ؟ قال : " أكرمهم اتقاهم قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فأكرم الناس يوسف نبى لله ، ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب تسألونى ؟ قالوا : نعم . قال : فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإِسلام إذا فقهوا " " .
وروى مسلم عن أبى هريرة قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لا ينظر إلى صوركم موالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم فتح مكة قال : " يأيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبَيَّةَ الجاهلية - أى تكبرها ، وتعظمها بآبائها ، الناس رجلان ، رجل يرتقى كريم على الله ، وفاجر شقى هين على الله . إن الله - تعالى - يقول : { ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى . . } ثم قال : " أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم " " .
وبعد هذه النداءات المتكررة للذين آمنوا ؛ وأخذهم إلى ذلك الأفق السامي الوضيء من الآداب النفسية والاجتماعية ؛ وإقامة تلك السياجات القوية من الضمانات حول كرامتهم وحريتهم وحرماتهم ، وضمان هذا كله بتلك الحساسية التي يثيرها في أرواحهم ، بالتطلع إلى الله وتقواه . .
بعد هذه المدارج إلى ذلك الأفق السامق ، يهتف بالإنسانية جميعها على اختلاف أجناسها وألوانها ، ليردها إلى أصل واحد ، وإلى ميزان واحد ، هو الذي تقوم به تلك الجماعة المختارة الصاعدة إلى ذلك الأفق السامق :
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير ) . .
يا أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا ، المتفرقون شعوبا وقبائل . إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا .
يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان ، واختلاف الطباع والأخلاق ، واختلاف المواهب والاستعدادات ، فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق ، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم ، ويعرف به فضل الناس : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين : ( إن الله عليم خبير ) . .
وهكذا تسقط جميع الفوارق ، وتسقط جميع القيم ، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة ، وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر ، وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان .
وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض ؛ وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس . ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون : ألوهية الله للجميع ، وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته : لواء التقوى في ظل الله . وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من عقابيل العصبية للجنس ، والعصبية للأرض ، والعصبية للقبيلة ، والعصبية للبيت . وكلها من الجاهلية وإليها ، تتزيا بشتى الأزياء ، وتسمى بشتى الأسماء . وكلها جاهلية عارية من الإسلام !
وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها ، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة : راية الله . . لا راية الوطنية . ولا راية القومية . ولا راية البيت . ولا راية الجنس . فكلها رايات زائفة لا يعرفها الإسلام .
قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان " .
وقال[ صلى الله عليه وسلم ] عن العصبية الجاهلية : " دعوها فإنها منتنة " .
وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي . المجتمع الإنساني العالمي ، الذي تحاول البشرية
في خيالها المحلق أن تحقق لونا من ألوانه فتخفق ، لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم . . الطريق إلى الله . . ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمعة . . راية الله . .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى يا أيّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قوله : إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول خَلَقْناكمْ مِنْ ذكَرٍ وأُنْثَى .
وقوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أيّ شعب أنت ؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشّعْب قول ابن أحمر الباهلي :
مِن شَعْبِ هَمْدانَ أوْ سَعْدِ العَشِيرَةِ أوْ *** خَوْلانَ أوْ مَذْحِجٍ هاجُوا لَهُ طَرَبا
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا بكر بن عياش ، قال : حدثنا أبو حُصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وَجَعلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجُمّاع ، والقبائل : البطون .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجُمّاع . قال خلاد ، قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير وَجَعلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : شُعُوبا قال : النسب البعيد . وَقَبائِلَ دون ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .
وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .
وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ . ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .
وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الأنساب .
وقوله : لِتَعارَفُوا يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول تعالى ذكره : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقُربة تقرّبكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .
وقوله : إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ يقول تعالى ذكره : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدّكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن عليّ بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «النّاسُ لاَدَمَ وَحَوّاءَ كَطَفّ الصّاعِ لَمْ يَملأوه ، إنّ اللّهَ لا يسألُكُمْ عَنْ أحْسابِكُمْ وَلا عَنْ أنْسابِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ، إن أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد عن عليّ بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ أنْسابَكُمْ هَذِه لَيْسَتْ بِمَسابّ عَلى أحَدٍ ، وإنّمَا أنْتُمْ وَلَدُ آدَمَ طَفّ الصّاعِ لَمْ تملأوه ، لَيْسَ لأَحَدٍ على أحَد فَضْلٌ إلاّ بِدَيْنٍ أوْ عَمَلٍ صالِحٍ حَسْبُ الرّجُل أنْ يَكُونَ فاحِشا بَذِيّا بَخِيلاً جَبانا » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : ثلاث آيات جحدهنّ الناس : الإذن كله ، وقال : إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا وقال عطاء : نسيت الثالثة .
وقوله : إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ يقول تعالى ذكره : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
روي : أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغي لهما إداما : وكان أسامة على طعامه فقال : ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما " فقالا : ما تناولنا لحما ، فقال : " إنكما قد اغتبتما " فنزلت .
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } من آدم وحواء عليهما السلام ، أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب . ويجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة عن الاغتياب . { وجعلناكم شعوبا وقبائل } الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل . والقبيلة تجمع العمائر . والعمارة تجمع البطون . والبطن تجمع الأفخاذ . والفخذ يجمع الفضائل ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، وعباس فصيلة . وقبل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب . { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل . وقرئ { لتعارفوا } بالإدغام و " لتتعارفوا " و " لتعرفوا " . { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص ، فمن أراد شرفا فليلتمسه منها كما قال عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وقال عليه الصلاة والسلام " يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله " . { إن الله عليم } بكم { خبير } ببواطنكم .