{ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات } أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها ، هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فتستحق به العبادة . وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية . { ائتوني بكتاب من قبل هذا } من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد . { أو أثارة من علم } أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به . { إن كنتم صادقين } في دعواكم ، وهو إلزام بعدم ما يدل على إلوهيتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا ، وقرئ " إثارة " بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني ، و " أثرة " أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة والسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثرة والمضمومة اسم ما يؤثر .
وقوله تعالى : { قل أرأيتم } يحتمل { أرأيتم } وجهين : أحدهما أن تكون متعدية ، و { ما } مفعولة بها ، ويحتمل أن تكون منبهة لا تتعدى ، وتكون { ما } استفهاماً على معنى التوبيخ . و { تدعون } معناه : تعبدون . قال الفراء : وفي قراءة عبد الله بن مسعود : «قل أرأيتكم من تدعون » . وقوله : { من الأرض } ، { من } ، للتبعيض ، لأن كل ما على وجه الأرض من حيوان ونحوه فهو من الأرض .
ثم وقفهم على السماوات هل لهم فيها شرك ، ثم استدعى منهم كتاباً منزلاً قبل القرآن يتضمن عبادة صنم .
وقوله : { أو أثارة } معناه : أو بقية قديمة من علم أحد العلماء يقتضي عبادة الأصنام . وقرأ جمهور الناس : «أو أثارة » على المصدر ، كالشجاعة والسماحة ، وهي البقية من الشيء كأنها أثره .
وقال الحسن بن أبي الحسن : المعنى من علم تستخرجونه فتثيرونه . وقال مجاهد : المعنى هل من أحد يأثر علماً في ذلك . وقال القرظي : هو الإسناد ، ومن هذا المعنى قول الأعشى : [ السريع ]
إن الذي فيه تماريتما . . . بَيِّنٌ للسامع والآثِر{[10290]}
آثراً أي للسند عن غيره ، ومنه قول عمر رضي الله عنه : فما خلفنا بها ذاكراً ولا آثراً . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة : المعنى وخاصة من علم ، فاشتقاقها من الأثرة ، كأنها قد آثر الله بها من هي عنده ، وقال عبد الله بن العباس : المراد ب «الأثارة » : الخط في التراب ، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر ، وهذا من البقية والأثر ، وروي أن النبي عليه السلام سئل عن ذلك فقال : «كان نبي من الأنبياء يخطه ، فمن وافق خطه فذاك »{[10291]} وظاهر الحديث تقوية أمر الخط في التراب ، وأنه شيء له وجه إذا وفق أحد إليه ، وهكذا تأوله كثير من العلماء . وقالت فرقة : بل معناه الإنكار ، أي أنه كان من فعل نبي قد ذهب ، وذهب الوحي إليه والإلهام في ذلك ، ثم قال : فمن وافق خطه على جهة الإبعاد ، أي أن ذلك لا يمكن ممن ليس بنبي ميسر لذلك ، وهذا كما يسألك أحد فيقول : أيطير الإنسان ؟ فتقول : إنما يطير الطائر ، فمن كان له من الناس جناحان طار ، أي أن ذلك لا يكون .
والأثارة تستعمل في بقية الشرف فيقال : لبني فلان أثارة من شرف ، إذا كانت عندهم شواهد قديمة ، وتستعمل في غير ذلك ، ومنه قول الراعي : [ الوافر ]
وذات أثارة أكلت عليه . . . نباتاً في أكمتها ففارا{[10292]}
يريد : الأثارة من الشحم ، أي البقية وقرأ عبد الرحمن السلمي فيما حكى الطبري : «أو أَثَرَة » بفتح الهمزة والثاء والراء دون ألف ، وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وعمرو بن ميمون والأعمش ، وهي واحدة جمعها : أثر كقترة وقتر{[10293]} . وحكى الثعلبي أن عكرمة قرأ : «أو ميراث من علم » . وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي فيما حكى أبو الفتح بسكون الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر ، أي قد قنعت لكم الحجة بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم . وقرأت فرقة : «أُثْرة » بضم الهمزة وسكون الثاء ، وهذه كلها بمعنى : هل عندكم شيء خصكم الله به من علم وآثركم به{[10294]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.