{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقبيه من هو حقيق بها ، وإنما قال { وليكم الله } ولم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع . { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم ، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح . { وهم راكعون } متخشعون في صلاتهم وزكاتهم ، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون ، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصا على الإحسان ومسارعه إليه ، وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه . واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها ، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضا خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه ، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة .
الخطاب بقوله : { إنما وليكم الله } الآية للقوم الذين قيل لهم { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } [ المائدة : 51 ] ، و { إنما } في هذه الآية حاصرة يعطي ذلك المعنى ، وولي اسم جنس{[4597]} ، وقرأ ابن مسعود «إنما مولاكم الله » وقوله : { والذين آمنوا } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم { الذين يقيمون الصلاة } المفروضة بجميع شروطها { ويؤتون الزكاة } ، وهي هنا لفظ عام للزكاة المفروضة وللتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر ، إذ هي تنمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس الذنوب ، فالمؤمنون يؤتون من ذلك كل بقدر استطاعته ، وقرأ ابن مسعود «آمنوا والذين يقيمون » بواو ، وقوله تعالى : { وهم راكعون } جملة معطوفة على جملة ، ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة ، وهو هيئة تواضع فعبر به عن جميع ، الصلاة ، كما قال { والُّرَّكع السجود }{[4598]} وهي عبارة عن المصلين ، وهذا قول جمهور المفسرين ، ولكن اتفق أن علياً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع ، قال السدي : هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن علياً بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم ، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة ، وأعطانيه وهو راكع ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، الله أكبر وتلا الآية على الناس{[4599]} .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وقال مجاهد : نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع ، وفي هذا القول نظر ، والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور ، وقد قيل لأبي جعفر نزلت هذه الآية في علي ، فقال علي من المؤمنين ، والواو على هذا القول في قوله { وهم } واو الحال ، وقام قوم نزلت الآية من أولها بسبب عبادة بن الصامت وتبرئه من بني قينقاع{[4597]} وقال ابن الكلبي نزلت بسبب قوم أسلموا من أهل الكتاب فجاؤوا فقالوا يا رسول الله بيوتنا بعيدة ولا متحدث لنا إلا مسجدك وقد أقسم قومنا أن لا يخالطونا ولا يوالونا ، فنزلت الآية مؤنسة لهم{[4598]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.