جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم وإمهالهم ليوم يخرجون فيه من الأجداث كأنهم جراد منتشر .
وتتابعت الآيات بعد ذلك ، تعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مع رسلهم ، والعذاب الذي حاق بهم ، وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسر لمن يطلب العظة والاعتبار .
منتهية إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب ، ثم ختمت السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصائرهم يوم يسبحون في النار على وجوههم ، ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التي كنتم بها تكذبون ، وتطمئن المتقين إلى منازلهم في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .
" بسم الله " : كلمة بها نور القلوب والأبصار ، وبعرفانها يحصل سرور الأرواح والأسرار . كلمة تدل على جلاله – الذي هو استحقاقه لأوصافه . كلمة تدل على نعته الذي هو غاية أفضاله وألطافه .
قوله جل ذكره : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .
أجمع أهلُ التفسير على أنَّ القمرَ قد انشقَّ على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال ابن مسعود : " رأيت حراء بين فلقتي القمر " ولم يوجد لابن مسعود مخالف في ذلك ؛ فقد روي أيضاً عن أنس وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم . . كلهم رووا هذا الخبر .
وفيه إعجازٌ من وجهين : أحدهما رؤية مَنْ رأى ذلك ، والثاني خفاء مثل ذلك على مَنْ لم يَرَه ؛ لأنه لا ينكتم مثله في العادة فإذا خفي كان نقض العادة .
وأهل مكة رأوا ذلك ، وقالوا : إنَّ محمداً قد سحر القمر .
ومعنى { اقْتَرَبَتِ السَّاعِةُ } : أي ما بقي من الزمانِ إلى القيامةِ إلا قليلٌ بالإضافةِ إلى ما مضى .
{ اقتربت الساعة } قربت القيامة جدا . { وانشق القمر } وانفلق القمر فلقتين معجزة له صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين ؛ حين سأله أهل مكة أن يريهم آية تدل على صدقه ، فأراهم القمر فلقتين حتى رأوا حراء بينها ؛ فقال صلى الله عليه وسلم اشهدوا ! ! وقد رآه كثير من الناس ؛ والأحاديث الصحيحة في هذه المعجزة كثيرة . وقيل : اقتربت الساعة ، فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية .
سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون ، نزلت بعد سورة الطارق . وهي كباقي السور المكية في معالجتها أصول الدين ، ولكن بطابع خاص ، وفي عرضها للموضوعات عرضا خاصا فيه التهديد والوعيد . وفيها حملة عنيفة على المكذبين بآيات القرآن المبين . وقد جاءت الآية الأولى من هذه السورة تنبه الأسماع إلى اقتراب القيامة ، وتحذّر الناس من أمرها ، ثم جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب على الرسول الكريم الإعراض عن المشركين وإمهالهم إلى يوم يخرجون فيه من قبورهم كأنهم جراد منتشر .
ثم تتابع الآيات بعد ذلك بالنذر والصبر ، وتعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مثل قوم نوح ، وعاد وثمود ، وقوم لوط ، وفرعون وملئه ، والعذاب الذي حاق بهم . وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسّر لمن يطلب العظة والاعتبار .
ثم تنتهي إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب . ثم تُختتم السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصيرهم يوم يُسحبون إلى النار على وجوههم ، ويقال لهم : { ذوقوا مسّ سقر } ، وتبيّن مآل السعداء المتقين ، وأنهم في منازلهم في جنات النعيم . ويظهر الفرق بالمقارنة بين الفجار المعاندين ، والمؤمنين المتقين المصدقين : { إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر } .
يخبرنا الله تعالى باقترابِ يوم القيامة ، ونهايةِ الدنيا وانقضائها ، وأنّ الكونَ يختلُّ كثيرٌ من نظامه عند ذاك ، كما جاء في قوله تعالى : { إِذَا الشمس كُوِّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت } [ التكوير : 1-2 ] ، والتكدُّر هو الانتثار ، فعبّر بالماضي ، وهنا التعبير جاء بالماضي ، وكما قال في آخر سورة النجم { أَزِفَتِ الآزفة } [ النجم : 57 ] .
وقد روى الإمام أحمد عن سهلِ بن سعد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « بُعثتُ أنا والساعةُ هكذا ، وأشار بأصبعَيه السبّابةِ والوسطَى » .
وهنا يقول : اقتربت القيامة ، وسينشقُّ القمرُ لا محالة . وتشير الأبحاثُ الفلكية إلى أن القمر يدنو من الأرض ويستمرُّ بالدنوّ منها حتى يبلغَ درجةً يتمزقُ عندها ويصير قِطعاً كلّ واحدةٍ تدور في فلكها الخاص . وهذا طبعاً سيحدُث عند انتهاء هذه الحياةِ الدنيا ، ولا يعلم وقتَ ذلك إلا الله .
ويقول المفسّرون الأقدمون : إن انشقاق القمر قد حدَث فعلا ، ويرون عدة أحاديث أسندوها إلى أنس بن مالك وعبد الله بن عباس ، وجبير بن مطعم ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم . ويقول ابن كثير : قد كان هذا في زمان رسول الله كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة .
والروايةُ عن خمسة من الصحابة فقط فكيف تكون متواترة ؟ واللهُ أعلم .
{ اقتربت الساعة وانشق القمر } : أي قربت القيامة ، وانفلق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس .
قوله تعالى { اقتربت الساعة وانشق القمر } يخبر تعالى أن ساعة نهاية الدنيا وفنائها وقيام القيامة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة ، وانشقاق القمر كان بمكة حيث طالبت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بمعجزة تدل على نبوته فسأل الله تعالى انشقاق القمر فانشق فلقتين على جبل أبي قبيس فلقة فوق الجبل وفلقة وراء فشاهدته قريش ولم تؤمن وهو معنى قوله تعالى : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } .
- ذكر بعض علامات الساعة . كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر معجزة له صلى الله عليه وسلم .
{ 1-5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }
يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها ، وحان وقت مجيئها ، ومع ذلك ، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها ، غير مستعدين لنزولها ، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر ، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على [ صحة ما جاء به و ] صدقه ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى ، فانشق فلقتين ، فلقة على جبل أبي قبيس ، وفلقة على جبل قعيقعان ، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية الكبرى{[921]} الكائنة في العالم العلوي ، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل .