المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

8- ألم تر - أيها الرسول - هؤلاء الذين نُهوا عن المسارة فيما بينهم بما يثير الشك في نفوس المؤمنين ، ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه ، ويتسارون فيما بينهم بالذنب يقترفونه ، والعدوان يعتزمونه ، ومعصيتهم لرسول الله ، وإذا جاءوك حيوك بقول محرف لم يحيِّك به الله ، ويقولون في أنفسهم : هلا يعذبنا الله بما نقول إن كان رسولا حقاً ؟ حسبهم جهنم يدخلونها ويحترقون بنارها ، فبئس المآل مآلهم{[222]} .


[222]:كان بين المسلمين واليهود بالمدينة مهادنة، وكانوا إذا مر الرجل من المسلمين بهم يتسارون فيما بينهم حتى يظن أنهم يتآمرون على قتله، أو على ما يكره فيعدل عن المرور بهم، فنهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك فلم ينتهوا، وعادوا إلى ما نهوا عنه وكانوا إذا جاءوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيوه بالدعاء عليه في صورة التحية له، فنزلت هذه الآية.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

قال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد [ في قوله ]{[28393]}{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى } قال : اليهود وكذا قال مقاتل بن حيان ، وزاد : كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة ، وكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم ، حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله - أو : بما يكره المؤمن - فإذا رأى المؤمن ذلك خَشيهم ، فترك طريقه عليهم ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى ، فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى ، فأنزل الله :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ } .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثني سفيان بن حمزة ، عن كثير عن زيد ، عن رُبَيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نبيت عنده ؛ يطرُقه من الليل أمر{[28394]} وتبدو له حاجة ، فلما كانت ذات ليلة كَثُر أهل النّوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما هذا النجوى ؟ ألم تُنْهَوا عن النجوى ؟ ) ، قلنا : تبنا إلى الله يا رسول الله ، إنا كنا في ذكر المسيح ، فَرقا منه ، فقال : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟ ) ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل ) هذا إسناد غريب ، وفيه بعض الضعفاء{[28395]} .

وقوله :{ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ } أي : يتحدثون فيما بينهم بالإثم ، وهو ما يختص بهم ، والعدوان ، وهو ما يتعلق بغيرهم ، ومنه معصية الرسول ومخالفته ، يُصِرون عليها ويتواصون بها .

وقوله :{ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا بن نمير ، عن الأعمش ، [ عن مسلم ]{[28396]} عن مسروق ، عن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا : السام عليك يا أبا القاس ، . فقالت عائشة : وعليكم السام و[ اللعنة ]{[28397]} ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة ، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ) ، قلت : ألا تسمعهم يقولون : السام عليك ؟ فقال رسول الله : ( أو ما سمعت أقول{[28398]} وعليكم ؟ ) . فأنزل الله :{ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } {[28399]} .

وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم : عليكم السام والذام واللعنة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا ){[28400]} .

وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ، إذ أتى عليهم يهودي فسلَّم عليهم ، فردوا عليه ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تدرون ما قال ؟ ) ، قالوا : سلم يا رسول الله . قال : ( بل قال : سام عليكم ، أي : تسامون دينكم ) . قال رسول الله : ( ردوه ) . فردوه عليه . فقال نبي الله : ( أقلت : سام عليكم ؟ ) ، قال : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا : عليك ) أي : عليك ما قلت {[28401]} . وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح ، وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة ، بنحوه{[28402]} .

وقوله :{ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } أي : يفعلون هذا ، ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام ، وإنما هو شتم في الباطن ، ومع هذا يقولون في أنفسهم : لو كان هذا نبيًا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن ؛ لأن الله يعلم ما نسره ، فلو كان هذا نبيًا حقًّا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا ، فقال الله تعالى :{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } أي : جهنم كفايتهم في الدار الآخرة{ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : سام عليك ، ثم يقولون في أنفسهم :{ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } ؟ ، فنزلت هذه الآية :{ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } إسناد حسن ولم يخرجوه{[28403]} .

وقال العوفي ، عن بن عباس :{ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } قال : كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حيوه : " سام عليك " ، قال الله :{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .


[28393]:- (2) زيادة من أ.
[28394]:- (3) في م: "أمرًا" وهو خطأ.
[28395]:- (1) رواه الإمام أحمد في المسند (3/30) وابن ماجة في السنن برقم (4204) من طريق كثير بن زيد به نحوه، وقال البوصيري في الزوائد (3/296): "هذا إسناد حسن، كثير بن زيد وربيع بن عبد الرحمن مختلف فيهما".
[28396]:- (2) زيادة من المسند (6/229).
[28397]:- (3) زيادة من أ.
[28398]:- (4) في أ: "ما أقول".
[28399]:- (5) رواه مسلم في صحيحه برقم (2165) من طريق يعلى بن عبيد، عن الأعمش به نحوه.
[28400]:- (6) انظر: صحيح البخاري برقم (6030) وصحيح مسلم برقم (2166) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
[28401]:- (7) تفسير الطبري (27/11).
[28402]:- (8) صحيح مسلم برقم (2163).
[28403]:- (1) المسند (2/170).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عادوا لمثل فعلهم ، { ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول } أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى ، وروي عن يعقوب مثله { وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله } فيقولون السام عليك أو أنعم صباحا والله تعالى يقول : { وسلام على عباده الذين اصطفى } ، ويقولون في أنفسهم فيما بينهم { لولا يعذبنا الله بما نقول }هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبيا ، { حسبهم جهنم }عذابا { يصلونها }يدخلونها { فبئس المصير }جهنم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

هذه الآية نزلت في قوم من اليهود نهاهم رسول الله عن التناجي بحضرة المؤمنين وإظهار ما يستراب منه من ذلك فلم ينتهوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس نزلت في اليهود والمنافقين .

وقرأ جمهور القراء والناس : «ويتناجون » على وزن يتفاعلون ، وقرأ حمزة والأعمش وطلحة وابن وثاب «وينتجون »{[11005]} على وزن يفتعلون وهما بمعنى واحد كيقتتلون ويتقاتلون وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «وعصيان الرسول » .

وقوله تعالى : { وإذا جاؤوك حيوك } الآية ، يريد بذلك ما كانت اليهود تفعله من قولهم في التحية السام عليك يا محمد ، وذلك أنه روي أن اليهود كانت تأتي فتقول : السام عليك يا محمد ، والسام : الموت ، وإياه كانوا يريدون ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وعليكم » ، فسمعتهم عائشة يوماً فقالت : بل عليكم السام واللعنة ، فقال رسول الله : «مهلاً يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش » ، قالت : أما سمعت ما قالوا ؟ قال : «أما سمعت ما قلت لهم ؟ إني قلت وعليكم »{[11006]} .

ثم كشف الله تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستروحون ، وذلك أنهم كانوا يقولون : نحن الآن نلقى محمداً بهذه الأمور التي تسوؤه ولا يصيبنا سوء ، ولا يعاقبنا الله بذلك ، ولو كان نبياً لهلكنا بهذه الأقوال ، وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم ، فأخبر الله بذلك وأنها كافيتهم . وقال ابن عباس : هذه الآية كلها في منافقين ، ويشبه أن من المنافقين من تخلق في هذا كله بصفة اليهود .


[11005]:مضارع "انتجى"، جاء في اللسان"انتجى القوم وتناجوا: تساروا".
[11006]:أخرجه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، عن عائشة رضي الله عنها. (الدر المنثور).