فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } هؤلاء الذين نهوا ، ثم عادوا لما نهوا عنه هم من تقدّم ذكره من المنافقين واليهود . قال مقاتل : كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين اليهود مواعدة ، فإذا مرّ بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظنّ المؤمن شرّاً ، فنهاهم الله فلم ينتهوا ، فنزلت .

وقال ابن زيد : كان الرجل يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة ، ويناجيه والأرض يومئذٍ حرب فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهمّ فيفزعون لذلك { ويتناجون بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَةِ الرسول } قرأ الجمهور : { يَتَنَاجُونَ } بوزن يتفاعلون ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فيما بعد : { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تتناجوا } . وقرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب : ( وَيَنْتَجُونَ ) بوزن يفتعلون ، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ، وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد نحو تخاصموا واختصموا وتقاتلوا واقتتلوا ومعنى الإثم : ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم ، والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ومعصية الرسول : مخالفته . قرأ الجمهور : { ومعصية } بالإفراد . وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد : ( ومعصيات ) بالجمع { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله } قال القرطبي : إن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً ، فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «عليكم » . وفي رواية أخرى : «وعليكم » { وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ } أي فيما بينهم { لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ } أي هلا يعذبنا بذلك ، ولو كان محمد نبياً لعذبنا بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به ، وقيل المعنى : لو كان نبياً لاستجيب له فينا حيث يقول : وعليكم ، ووقع علينا الموت عند ذلك { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } عذاباً { يَصْلَوْنَهَا } يدخلونها { فَبِئْسَ المصير } أي المرجع ، وهو جهنم .

/خ10