تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اعلم أن الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ، الآية 8 ، فيه{[20828]} دلالة إثبات الرسالة لأنه أخبر أنهم عادوا إلى ما نهوا عنه ، وهو النجوى ، ومعلوم أنهم لا يعودون إلى ما نهوا عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عند غيبة منهم ، دل أنه بالله علم .

ثم اختلف في سبب تلك النجوى ؛ قال بعضهم : إنه كان بين اليهود وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة ، فإذا [ رأوا رجلا ] {[20829]} من المسلمين وحده ، يتناجون بينهم{[20830]} يظن المسلم أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره ، فيترك الطريق من المخافة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن النجوى ، فلم ينتهوا ، وعادوا إلى النجوى ، فنزل ما ذكر .

ومنهم من قال : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أناس من اليهود وأناس من المنافقين يتناجون في ما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون نحو واحد منهم ، فإذا رآهم ينظرون نحوه ، قال : ما أظن هؤلاء إلا وقد بلغهم خبر أقربائي الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرايا من قتل أو موت ، فيقع في قلبه من ذلك ما يحزنه ، فلا يزال كذلك حتى تقدم جمعة من تلك السرية .

لكن الأولى عند السكوت عن ذكر هذا وأمثاله ، لأنه خرج مخرج الإحتياج ، وجعله آية عليهم ، فيجوز أن يكون على خلاف ما ذكر فيوجب الكذب في الخبر ، فالإمساك عنه أحق .

وقوله تعالى : { وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله } ذكر أنهم كانوا إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : السام عليك يا محمد فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عليهم ويقول : { وعليكم } .

ففيه دلالة رسالته لأنهم حيوه سرا منه ، فأطلعه الله تعالى على ما أسروا ، وكذلك ما قال : { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } هلا يعذبنا الله بما نقول في السر ، فيه دلالة الرسالة ، لأنه معلوم أنهم قالوا ذلك سرا في أنفسهم ، فأطلع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما في أنفسهم ، ففيه أنه بالله تعالى عرف .

وقوله تعالى خبرا عنهم : { لولا يعذبنا الله بما نقول } جائز أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وعيد بالتعذيب لأجل التناجي الذي { كان } {[20831]} منهم ، فلما تأخر ذلك عنهم قالوا عند ذلك إنه لو كان رسولا على ما يقوله لعذبنا على ما قال ووعد ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان لهم العذاب ، لم يبين متى يعذبون فعذابهم ما ذكر حين{[20832]} قال : { حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير } والله أعلم .

ويحتمل أن يكون قولهم : { لولا يعذبنا الله بما نقول } إنما قالوا ذلك عند رد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حيوه حين قال : وعليكم ، يقولون : إنه دعا بقوله : { وعليكم } فإن كان رسولا لأجيب دعاؤه الذي دعا علينا . لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع عليهم ، إنما رد قولهم عليهم ردا ، والله أعلم .


[20828]:في الأصل وم: وفيه
[20829]:في الأصل وم: رجل
[20830]:أدرج قبلها في الأصل وم: بقتله
[20831]:من م ساقطة من الأصل
[20832]:في الأصل وم: حيث