تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

النجوى

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 10 ) }

8

المفردات :

الذين نهوا عن النجوى : هم اليهود والمنافقون .

الإثم : المعصية والذنب .

العدوان : الاعتداء على غيرهم ، كمعصية الرسول ومخالفته .

لولا يعذبنا الله : هلا يعذبنا بسبب ذلك .

حسبهم جهنم : عذاب جهنم كاف لهم في الآخرة .

يصلونها : يقاسون حرها .

التفسير :

8-{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

تفيد هذه الآيات أن فريقا من اليهود والمنافقين كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين ، ويتناجون بما يسوء بعض المسلمين ، وقد اشتكى المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى اليهود عن ذلك ، ونصح المنافقين بالبعد عنه ، لكنهم عاودوا هذه المناجاة فيما بينهم .

قال القرطبي :

نزلت في اليهود والمنافقين ، كانوا يتناجون فيما بينهم ، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا ؛ فنزلت .

وفي الآية تعجيب من حالهم ، أي : ألم تشاهد يا كل من يتأتى منه المشاهدة ، اللذين نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجوى بالإثم والكيد ، ثم هم يعودون لما نهوا عنه ، ويكررون العودة إليه ، لأن الفعل المضارع يفيد الحال والاستقبال والتجدد ، فقد كان اليهود والمنافقون شوكة في جنب المسلمين ، وكانوا يتناجون في صوت خافت بالكيد والدس والفتنة والأذى للمسلمين ، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن سوء أدبهم أنهم كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : ( السام عليكم ) ، وهي كلمة عبرية معناها : الموت عليكم ، مع أن الله حيا رسوله في التشهد بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .

وقال سبحانه وتعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . ( الأحزاب : 56 ) .

وقال تعالى : { وسلام على المرسلين } . ( الصافات : 181 ) .

وقال سبحانه وتعالى : { وسلام على عباده الذين اصطفى . . . }( النمل : 59 ) .

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن أناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وعليكم " . قالت عائشة : قلت : عليكم السام ، ولعنكم الله وغضب عليكم . وفي رواية : عليكم السام والذام واللعنة .

فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ، إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش " ، فقلت : ألا تسمعهم يقولون : السام ، فقال : " يا عائشة ، أو ما سمعت أقول وعليكم " ؟ فأنزل الله تعالى : { وإذا جاءوك . . . }الآيةix .

وهذا يدل على الدور السيئ لليهود ، وإيذائهم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُول . . . }

ويقولون فيما بينهم : هلا يعذبنا الله بهذا القول لو كان محمد نبيا ، فلو كان نبيا حقا لعذبه الله على هذا الكلام .

قال في ظلال القرآن :

وظاهر من سياق السورة ، من مطلعها ، أن الله قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولونه في أنفسهم ، وبمجالسهم ومؤامراتهم 1ه .

{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

إن الله مطلع وشاهد على مؤامراتهم ونجواهم ، واجتماعاتهم المشتملة على الكيد والدسّ وتبييت السوء للمسلمين ، وقد كشف أمرهم في الدنيا ، وأجل العقوبة إلى الآخرة ، حيث يصطلون بنار جهنم ، ويقاسون حرها ولهيبها ، والهوان والخزي والذل في عذابها .

قال ابن العربي :

كانوا يقولون : لو كان محمدا نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري حليم لا يعاجل بالعقوبة .

وقد ثبت في الصحيح : " لا أحد أصبر على الأذى من الله ، يدعون له الصاحبة والولد ، وهو يعافيهم ويرزقهم " ، فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم ، وفضحا لبواطنهم ، وتكريما لرسول لله صلى الله عليه وسلم . x