ثم قال : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق . ومعنى الآية : أنه أوجد الخلائق من العدم ، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا ؟ كما قال : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } [ البقرة : 28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم - موتًا ، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا خُلَيْد ، عن قتادة في قوله : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " .
ورواه مَعْمَر ، عن قتادة{[29105]} .
وقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } أي : خير عملا ، كما قال محمد بن عَجْلان : ولم يقل أكثر عملا .
ثم قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } أي : هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب ، بعدما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا ، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .
الذي خلق الموت والحياة ، قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره ، وقدم الموت لقوله :( وكنتم أمواتا فأحياكم ) ، ولأنه أدعى إلى حسن العمل ، ليبلوكم ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون ، أيكم أحسن عملا ، أصوبه وأخلصه ، وجاء مرفوعا ، أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته ، جملة واقعة موقع المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم . وليس هذا من باب التعليق ، لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها ، بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين . وهو العزيز ، الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ، الغفور لمن تاب منهم .
و { الموت والحياة } معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر ، وما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم : «يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط {[11201]} » ، فقال أهل العلم : ذلك تمثال كبش يوقع الله عليه العلم الضروري لأهل الدارين ، إنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا ، ويكون ذلك التمثال حاملاً للموت على أنه يحل الموت فيه ، فتذهب عنه حياة ، ثم يقرن الله تعالى بذبح ذلك التمثال إعدام الموت . وقوله تعالى : { خلق الموت والحياة ليبلوكم } أي ليختبركم في حال الحياة ، ويجازيكم بعد الموت ، وقال أبو قتادة نحوه عن ابن عمر : قلت يا رسول الله : ما معنى قوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } فقال : «يقول : أيكم أحسن عقلاً ، وأشدكم لله خوفاً ، وأحسنكم في أمره ونهيه نظراً ، وإن كانوا أقلكم تطوعاً » . وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن بن أبي الحسن : { أيكم أحسن عملاً } أزهدكم في الدنيا . وقوله تعالى : { ليبلو } دال على فعل تقديره : فينظر أو فيعلم أيكم ، وقال جماعة من المتأولين : الموت والحياة ، عبارة عن الدنيا والآخرة ، سمى هذه موتاً من حيث إن فيها الموت ، وسمى تلك الحياة من حيث لا موت فيها ، فوصفهما بالمصدرين على تقدير حذف المضاف ، كعدل وزور ، وقدم { الموت } في اللفظ ، لأنه متقدم في النفس هيبة وغلظة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.