الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

قوله : { لِيَبْلُوَكُمْ } : متعلِّقٌ ب " خَلَقَ " وقوله : " أيُّكم أحسنُ " قد تقدَّم مثلُه في أول هود . وقال الزمخشري هنا : " فإنْ قلتَ : مِن أين تعلَّقَ قولُه : { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } بفعلِ البَلْوى ؟ قلت : من حيث إنَّه تضمَّن معنى العلمِ ، فكأنه قيل : ليُعْلمَكم أيُّكم أحسنُ عملاً . وإذا قلتَ : عَلِمْتُه : أزيدٌ أحسن عملاً أم هو ؟ كانت هذه الجملةُ واقعةً موقعَ الثاني مِنْ مفعولَيْه ، كما تقول : عَلِمْتُه هو أحسن عملاً . فإنْ قلتَ : أتُسَمِّي هذا تعليقاً ؟ قلت : لا ، إنما/ التعليقُ ، أَنْ يقعَ بعده ما يَسُدُّ مَسَدَّ المفعولَيْن جميعاً ، كقولك : عَلِمْتُ أيُّهما عمروٌ ، وعلِمْتُ أزيدٌ منطلق ؟ . ألا ترى أنه لا فَصْلَ بعد سَبْقِ أحدِ المفعولَيْن بين أَنْ يقَع ما بعده مُصَدَّراً بحرف الاستفهامِ وغيرَ مصدَّرٍ به . ولو كان تعليقاً لافترقَتِ الحالتان كما افترقتا في قولِك : عَلِمْتُ أزيد منطلِقٌ ، وعلمْتُ زيداً منطلقاً " .

قلت : وهذا الذي مَنَعَ تسميتَه تعليقاً سَمَّاه به غيرُه ، ويجعلون تلك الجملةَ في محلِّ ذلك الاسمِ الذي يتعدَّى إليه ذلك الفعلُ ، فيقولون في " عَرَفْت أيُّهم منطلقٌ " : إنَّ الجملةَ الاستفهاميةَ في محلِّ نصبٍ لسَدِّها مَسَدَّ مفعولِ " عَرَفْتُ " وفي " نَظَرْتُ أيُّهم منطلقٌ " : إن الجملةَ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافض ؛ لأنَّ " نظر " يتعدَّى به .