التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ( 1 ) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ( 2 ) الذي خلق سبع سماوات طباقا1 ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت2 فارجع البصر هل ترى من فطور3 ( 3 ) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب البصر إليك خاسئا4 وهو حسير5 ( 4 ) } [ 1-4 ] .

بدأت السورة بالثناء على الله ، وهذا من أساليب النظم القرآني في مطالع سور عديدة ، وقد أعقب الثناء تنويه بمطلق تصرف الله عز وجل والإشارة إلى حكمته في خلق الناس وموتهم وبعثهم .

فلله التقديس والثناء ، وهو الذي بيده ملك كل شيء المتصرف في هذا الكون تصرفا مطلقا ، القادر على كل شيء قدرة شاملة تامة . وهو الذي بيده الموت والحياة والقادر عليهما . وقد جعل ذلك وسيلة لاختبار الجنس البشري حتى يظهر الأحسن منهم عملا ، على غير حاجة وضعف لأنه قوي عزيز ، لا يدانيه في قوته أحد وليس هو في حاجة إلى أحد ، والمتصف مع ذلك بالغفران والصفح والتسامح .

وهو الذي خلق السماوات السبع بإتقان وانتظام وتطابق ، لا يمكن أن يرى الناظر إليها أي تفاوت أو تناقص أو صدوع أو شقوق أو خلل ، مهما دقق في النظر وعاود التدقيق مرة بعد مرة ، وأجال النظر في جميع الأنحاء ، ولن يلبث أن يرتد نظره ذليلا مذهولا حائرا كليلا مما يرى من العظمة ورائع الصنع والإتقان ، مستشعرا بعجزه عن درك الأسرار الربانية والإحاطة بها مستبينا ضآلة شأنه إزاءها .

وأسلوب الآيات تقريري قوي موجه إلى عقول السامعين وقلوبهم .

وهي مقدمة لما يأتي بعدها من التنديد بالكفر وإنذار للكافرين . والسؤال والتحدي في الآيتين الأخيرتين يزيدان في قوة الصورة العظيمة التي رسمتها الآيات الأولى لمشاهد كون الله ، وفي تصوير شعور المرء بها وهو الشعور الدائم العام الذي لا يستطيع أحد أن يتفلت منه حينما يرسل ببصره إلى السماوات ، ويتفكر في عظيم الإبداع والإتقان والسعة التي لا يحصيها ذهن ولا يحيط بها بصر .

وواضح من أسلوبها أنها موجهة إلى جميع الأذهان استهدافا للتنبيه والاسترعاء والتذكير بعظمة الكون وخالقه وواجب الناس إزاءه ، ومن الواجب أن تبقى في هذا النطاق ؛ لأن في إخراجها منه ابتعادا عن الهدف القرآني .

ولقد صرف بعض المفسرين عبارة الموت إلى العدم الذي يسبق الحياة ، وعبارة الحياة إلى الحياة الدنيا . والذي تلهمه الآية الثانية هو قصد بيان حكمة الله في خلق الناس وإماتتهم وإحيائهم ثانية وهو واختبارهم في الدنيا ومعرفة صالحهم من طالحهم ؛ لتوفيتهم جزاء أعمالهم في الحياة الأخروية بعد الموت . وفيه ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى في كون الناس مدعوين إلى العمل الصالح والتسابق فيه ، وكون حكمة خلقهم أو تميزهم عن سائر خلق الله متصلة بذلك . وقد تكرر هذا أكثر من مرة في السور السابقة ، وكتبنا تعليقا على مداه في سياق سورة هود ، فنكتفي بهذا التنبيه .

ولقد روى البغوي عن كعب الأحبار في وصف السماوات السبع : أن الأولى موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفر أو نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء ، ومن السماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور . والتحفظ في مثل هذه الأحاديث أولى كسائر ما يورد على هامش ما يرد في القرآن من مشاهد الكون إذا لم يكن مستندا إلى أثر نبوي وثيق .