لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

{ الذي خلق الموت والحياة } قيل أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا ، جعل الله الدنيا دار حياة وفناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء . وإنما قدم الموت لأنه أقرب إلى قهر الإنسان ، وقيل قدمه لأنه أقدم ، وذلك لأن الأشياء كانت في الابتداء في حكم الموتى ، كالتراب والنطفة والعلقة ونحو ذلك ، ثم طرأ عليها الحياة . وقال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح ، لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات ، وخلقت الحياة على صورة فرس بلقاء ، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها ، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقاها في العجل فخار وحيي . وقيل إن الموت صفة وجودية مضادة للحياة ، وقيل : الموت عبارة عن زوال القوة الحيوانية ، وإبانة الروح عن الجسد ، وضده الحياة ، وهي القوة الحساسة مع وجود الروح في الجسد ، وبه سمي الحيوان حيواناً . وقيل : إن الموت نعمة ، لأنه الفاصل بين حال التكليف في هذه الدار وحال المجازاة في دار القرار . والحياة أيضاً نعمة ، إذ لولاها لم يتنعم أحد في الدنيا ، ولم يصل إليه الثواب في الآخرة . { ليبلوكم } أي ليختبركم فيما بين الحياة إلى الموت . { أيكم أحسن عملاً } روي عن ابن عمر مرفوعاً ، أحسن عملاً : أحسن عقلاً ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعته . وقال الفضيل بن عياض : أحسن عملاً ، أخلصه وأصوبه ، وقال أيضاً العمل لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً . فالخالص إذا كان لله ، والصواب إذا كان على السنة . وقيل أيكم أزهد في الدنيا . { وهو العزيز } أي الغالب المنتقم ممن عصاه . { الغفور } أي لمن تاب إليه ورجع عن إساءته .